بقلم / الناقد الدكتور صبري مسلم
الشاعر
قد يعبر عن محور ذاتي حيناً وقد يعكس بعداً قومياً حيناً آخر.
نرى
كيف يمكننا الإصغاء إلى أصداء الأفكار وإيقاع الأحاسيس بدون عنصر الحوار، انه أداة
فنية فذة بل تقنية متميزة واسلوب تناول خاص، صحيح ان الحوار الصق بفن المسرح بحيث
يشكل عموده الفقري ومجمل قوامه الفني إلا انه تسللإلى فنون أخرى وأعني بها القصيدة
المعاصرة خاصة مروراً بالفنون القصصية التي يدخل عنصراً مهماً في بنائها القصصي
ولاسيما الفن الروائي وفن القصة القصيرة.
ويستعير
النص أجواء المتصوفة وعالمهم الخاص إذ يرد (1)
يا شاري
البرق إن تبلغ أحبتنا
فاقر
السلام وحدثهم بما اجد
وقل
لهم إنه من بعدكم دنف
على
الفراش فلا صبر ولاجلد
حيث
يرد البيتان في سياق قصيدة عنوانها «متى أراك» ومطلعها:
ياويح
طرفك إن أهل الحمى رقدوا
وفي
عيونك من طول النوى سهد
مما
يوثق هذه الصلة بين قصيدة عبدالولي الشميري هذه وقصائد المتصوفة ذات الطابع الرامز
والعالم النقي الزاهد الراغب عن لذائذ المحسوسات والمنصر ف الى مباهج الروح وفي
رحاب أجواء التصوف والزهد يناجي الشاعر خالق الكون الى قصيدته «استمطر الدمع» التي يرد فيها (2)
:
يا
الهي علمت ماكان مني
فامح
واغفر لي الرزايا المشينه
ياإلهي
رجعت فاستر وهبني
من
هداك الهدى وعيناً أمينه
رب
واحرس إيمانه بك رباً
وإلهاً
ياذا الصفات الحنونه
ولعل
رمضان الفضيل وقدسية أيامه وسمو اجوائه أوحت للشاعر بالتوبة النصوح طموحاً منه في
أن ينال رضا خالقه وعنايته ورحمته، فهو وينطبق هذا على كل إنسان لايستطيع أن يقف
وحده هكذا أمام هذا الكون الملغز ومتاعبه ومشاغله وتقلباته وأعاصيره دون واقية
الإيمان ودرء الهداية، ولذلك فان الشاعريتطلع الى غذاء الروح والى مباهج الهدى
وجنة التقوى والتعبد في محراب الله جل شأنه، ويتخذ الحوار هنا هيئة المناجاة تقترب
من التوسل والرجاء وحسبما يتطلبه سياق القصيدة.
وفي
قصيدة إلى الحبيب (3)
يتوجه الشاعر إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم مناجياً إياه:
روحي
فداك وما أتيت من الهدى
أنت
الهوى والنور أنت الماء
لما
رأيتك في المنام تقودني
رفع
الغطاء وزالت الظلماء
من
لايحب محمداً ففؤاده
بين
الضلوع الصخرة الصماء
قل
أنت يا عبد الولي.. مبرأ
والناس
فيما قلته شهداء
وانظر
لقومك في الحضيض تمرغوا
واستحكم
الجبناء والسفهاء
والقدس
مسراك المطهر واجم
وبنوه
تحت جداره أسراء
فتنفذ
هذه الأبيات إلى صميم المعتقد وجوهر الإيمان متمثلاً بشخصية النبي الكريم صلى الله
عليه وسلم التي يستحضرها النص عبرآلية الرؤيا الصادقة مع تلميح خفي للحديث الشريف
الذي يرد فيه ! من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي (4)
وفي هذا الشأن يقول أحد العلماء خص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية
الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه
في القوم (5)
هدف الشاعر أن يشهد الرسول الكريم على مايجرى في الراهن العربي وماآلت إليه القدس
وسواها من رموز الأمة وثوابتها والركائز التي تستند إليها، وماذلك إلا من أجل
تفعيل دور الكلمة وتعزيز تأثيرها وعبر تقنية دايولوج مباشر بصوت الشاعر المفعم
بالأسى.
وتختم
مجموعة «أوتار» بقصيدة مصوغة وفقاً لقصيدة التفعيلة عنوانها «وظفوني (6)
يتقمص فيها النص شخصية مواطن جائع يدفعه سياق القصيدة الى أن يتوسل من أجل أن يحصل
على وظيفة،وهو يخاطب من لهم القدرة على توظيفه، نقطف من القصيدة قوله:
سوف
أمضي صادق الحب وفياً
للزعيم
/ القائد الكفؤ المقلد
الممجد
المخلدْ
هو
معبودي ومحبوبي وديني وأبي والأم والجدْ
وهوالقانون
والشرع ومن خالفه بالدين مرتدْ
وظفوني
إنني يا قوم في جوع وإن الجوع أنكد
وظفوني
إنني أقصر منكم قامة
يا
سادتي والطرف ارمدْ
ليس
هذاالشعر من شعري
ولكنْ
شعر حزبيّ اصولي معقد
أناحزبيّ
إذا شئتم وإلا
مستقل
وطني شرب الخمر وعربد
وظفوني
إن سوط الجوع
في
بطني توقدْ
وهموم
الدين في جفني وعن عينيّ
للنوم
وللأحلام شرّد
يتخذ
النص في عنوان القصيدة (وظفوني) لازمة تتكرر تسع مرات على مدى سطور النص مما يشي
بكونها بؤرة النص ومحوره الاساس ويلمح النص محاوراخرى تجعل من النص يشعّ في اكثر
من اتجاه، فهويشير من طرف خفي الى الانظمة المتسلطة والكيانات المهيمنة حيث كانت
تخلق لدى المواطن أنى وجد عقدة (الماسوشية) واحتقار الذات حد التلاشي وحينها يمكن
للفاقة والحرمان والحاجةالماسة ان تقود الانسان الى حيث تشاء قوى الظلام والتسلط
كما ان النص يتلبث عند تهاوي الايديولوجيات وضعف رصيدها لدى المواطن واستعداد بعص
الناس وبتشجيع من السلطات الغاشمة الى ان يركب كلّ الامواج وان ينخرط في كل
الاحزاب وذلك من اجل ان يحافظ على نسغ حياته ومصدر رزقه (الوظيفة) وفي سياق شعري
مقنع والقصيدة عامة تسجل قدرة الشاعر على ان يتجاوز ذاته وان يتمثل تجارب الآخرين
وان يتقمص ذواتهم وينجح في اقناعنا بأنهم شخصيات حقيقية تحمل هموماً ولها طموحات
وتحكمها ظروف واقدار ينسجها النص الشعري من اجل ان يعطي النص بعداً انسانياً ينطبق
على الراهن العربي وعلى سواه ايضاً.
وخلاصة
ما ذكر ان الشاعر عبدالولي الشميري في مجموعته الشعرية اوتار صاغ ثلاث قصائد تقترب
من نسيج القصة الشعرية اوالقصيدة القصصية، وقد جاء الحوار فيها بوصفه عنصراً من
عناصرها، مع ان الشاعر لم يكن اهتمامه بتقنية القصة الشعرية لذاتها بل كان هدفه
مختلفاً فهو قد يعبر عن محور ذاتي حيناً وقد يعكس بعداً قومياً حيناً آخر،بل
وانسانياً ايضاً والشاعرمولع بمحاورة الامكنة الاثيرة الى نفسه ولا سيما وطنه
اليمن ومدنه صنعاء وعدن وتعز وشمير وسواها، ويفصح حواره مع رموز الوطن العربي
الكبير: مصر والجزائر والقدس وسواها عن شدة اعتزازه بهذا الانتماء العربي الذي هو
قدره وهويته، وتشير مناجاته للخالق جلّ شأنه مرة وللرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم اخرى بحيث يشهده على ما آل اليه الراهن العربي الى التزامه المعتقدي، والشاعر
قد يجري حواراً موصولاً بأجواء التصوّف ومفرداته وتعبيراته المتطلعة صوب مباهج
الروح وربما حاور الشاعر بعض المعنويات كالشعر مما يجلّي رؤية الشاعر للقصيدة
وانها موضع بوحه وملاذ عضبه في آن.
وفي
كل حوارات الشاعر نلمس الوضوح والصوت الجهير «الدايولوج» وقلما لجأ الشاعر الى
الصوت المغلق داخل الذات (المنولوج)، وعلى وجه العموم فإن الحوار بوصفه أداة فنية
كان طبعاً بيد الشاعر بحيث حمل مواقف الشاعر عبدالولي الشميري وثقافته وافكاره
ومعتقداته واخيلته في مجموعته الشعرية «اوتار».
الدكتور صبري مسلم |
نشر
في الجمهورية اليمنية, يوم 02 - 01 - 2012
الهوامش:
(1) اوتار، ص911.
(2)
اوتار، ص821.
(3)
اوتار، ص321.
(4)
صحيح مسلم، شرح النووي، تحقيق محمد فؤاد، دار الكتب العلمية بيروت ط1 5991م، ج51،
ص91.
(5)
نفسه، ج51، ص02
(6)
اوتار، ص531.