وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي,أخبار,ثقافة,اتيكيت,كتب,علوم وتكنولوجيا,مال وأعمال,طب,بيئة

إعلان الرئيسية




الأقزام .. شهرتهم تعادل الجهل بحقيقة أمرهم



الأقزام .. شهرتهم تعادل الجهل بحقيقة أمرهم


الأقزام هم أقصر البشر قامة فى العالم، إذا لا يزيد طول الرجل البالغ منهم عن 130 سنتيمتراً فى بعض الأحيان، وهو ما يوازى قامة طفل صغير من البشر العاديين، ورغم ذلك يستطيع هذا الرجل القزم –بمساعدة أقرانه- أن يقتل فيلاً بحربة صغيرة، وأن يصبح سيد الغابة بلا منازع، يعيش على الصيد والقنص والقطف ويمجد أمة.. الغابة‍.
وعلى الرغم من الشعرة الكبيرة لجنس الأقزام، منذ أن اكتشفهم المصريون القدماء فى قلب أفريقيا أيام كانت قارة سوداء مظلمة، فإن هناك العديد من الخرافات والمغالطات المرتبطة بالأقزام، إلى حد أن شهرتهم تعادل الجهل بحقيقة أمرهم.


تم التعرف عليهم قبل 4500 سنة فى القارة "السوداء"


فهناك اعتقاد سائد منذ القدم على مستوى العالم، وفى معظم الثقافات الإنسانية تقريباً، بأن الأقزام سلالة "متدهورة" من جنس بشرى آخر، أو أنهم بشر ممسوخون لسبب ما يعيشون فى مجتمعات مغلقة فى الأحراش والغابات، ولا يعرفون ثقافة إنسانية من أى نوع، وهى خرافة يدعمها وجود بعض الأقزام فى ألعاب السيرك، والنظر إليها باعتبارهم أعاجيب غير بشرية خارقة للعادة.

العزلة المتوحشة


والحقيقة التى يؤكدها علماء الأنثروبولوجيا والأنساب أن الأقزام يشكلون جنساً بشرياً خاصاً، عاش على الأرض جنباً إلى جنب منذ آلاف السنين مع الأجناس البشرية الأخرى، لكنه أختار أن يعيش فى عزلة موحشة ومتوحشة بعيداً عن أبناء آدم الآخرين الأطول قامة، والذين ظنوا أنهم بهذا الامتياز يستطيعون أن يستعبدوا الأقزام، فاختار هؤلاء العزلة بدلاً من العبودية‍.

وصل خبر الأقزام إلى إخوانهم البشر قبل نحو 4500 آلاف عام تقريباً، عندما ذهب الفراعنة فى رحلات لاستكشاف أعالى النيل، فتوصلوا إلى كشف إنسانى وعلمى رائع مفاده أن هناك "بشراً صغاراً" يعيشون فى قلب الغابة السوداء، واستطاع الفراعنة أن يأسروا بعض الأقزام ليعرضوهم كأعاجيب فى مصر القديمة، أو يرسلوا بهم كهدايا فريدة إلى الحضارات الأخرى، ومنها اليونان حيث كان يوضع الأقزام فى "أقفاص" ليتفرج عليهم الناس.

ولا يعيش هؤلاء القوم الصغار فى أفريقيا وحدها، فهناك أقزام يعيشون فى أحراش الهند والتبت وأندونيسيا، ولا يزيد عددهم فى الوقت الحالى عن 40 ألف شخص فى كل هذه المناطق، غير أن الأقزام الأفارقة هم الأكثر شهرة وعدداً نسبياً، إذ يقطن غابات زائير والكونغو نحو 150 ألف قزم يهربون من المدنية يوماً بعد يوم، ويشكلون مجتمعات صغيرة فى طريقها إلى الانقراض لسبب غريب جداً‍.

أما السبب، ناهيك عن الزحف العمرانى المستمر على الغابات موطن الأقزام المفضل، فهو أن الجنس القزمى غير قابل للاندماج وراثياً مع الأجناس البشرية العادية، فإذا حدث وتزوج رجل عادى عن امرأة قزمة فإن الطفل سيحمل مورثات الأم وحدها، بينما العكس لا يحدث أبداً، ولم نسمع على كل حال عن رجل قزم اقترن بامرأة من البشر العاديين، وبذلك يكون الأقزام هم أنقى الأجناس على وجه الأرض، ولكونهم لا يتزاوجون مع الأجناس الأخرى فليست هناك فرصة لتحسين صفاتهم الوراثية على الإطلاق، إنهم منغلقون حتى على جنسهم.

وأكثر مجتمعات الأقزام انغلاقاً و عزلة هم "المبوتى" الذين يعيشون فى قلب الغابات الاستوائية الأفريقية، وبالتحديد فى غابة "إيتوذى" الواقعة بين الجابون والبحيرات العظمى. هذه الغابة يسميها المستكشفون "القلب المظلم" وهى نفسها التى أبدع الكاتب الإنجليزى جوزيف كونراد عنها روايته الشهيرة "قلب الظلام".

هناك، حيث يتجاوز ارتفاع الأشجار 45 متراً، ويصل جذع الشجرة إلى 10 مترات فى بعض الأحيان، ولا يستطيع بشر عادى أن يعيش، فالشمس لا تصل إلى "قلب الظلام" مطلقاً، والأوراق و الأغصان تصنع قبة هائلة تحول دون وصول مياه الأمطار بسهولة، هناك فقط يفضل الأقزام أن يمضوا حياتهم الغامضة.

واللافت للنظر أن حياة الأقزام فى الغابة نموذج حقيقي "للديمقراطية" والرأى الجماعي فليس هناك قرار واحد يتم اتخاذه بشأن الصيد أو الهجرة من مكان إلى آخر دون موافقة الأغلبية من الرجال والنساء، وللرجال –بالطبع- الأولوية والحكم لأنها الأكثر قوة فى عالم تحكمه قوانين القوة.

و"العشيرة" هى الوحدة السياسية الواحدة فى دنيا الأقزام، وهى تتكون من نحو 30 أسرة يعيشون فى معسكر واحد، ويتعاونون فيما بينهم على قنص الحيوانات وصيدها بالفخاخ والشباك، وهم لا يقيمون فى مكان واحد لأكثر من ثلاثة أشهر، خوفاً من تلويث المياه أو القضاء على الحياة البرية، فضلاً عن خوفهم من الأوبئة والأمراض الناجمة عن قضاء الحاجة فى الخلاء.

الأقزام ليسوا سلالة متدهورة من جنس بشرى آخر



والطريف أن المبوتى" الذين تمكنوا من السيطرة، بفضل وسائلهم البارعة فى صيد الحيوانات بما فيها الضوارى المفترسة، وبفضل حرصهم على العيش فى مجتمعات مترابطة تضمن لهم الحماية من هجوم الأسود والنمور وغيرهم من الأعداء الطبيعيين، رغم تلك السيطرة المطلقة على الغابة فهم يرهبونها ويقدسونها، ويقيمون لها الاحتفالات التى يغنون فيها للأشجار والأمطار والشمس، وكل ما فى الغابة باعتبارها الأم الرؤوم والرؤوف، أم ينبغى اتقاء شر غضبها الذى يأتى فى صورة حيوان مفترس أو ثعبان سام، ينقل القزم –إلى الأبد للعيش فى قلب أمه.. التراب.

ويمنح الأقزام جوائز وهدايا من العسل والسهام واللحوم، لكلك من يقتل أسداً أو نمراً أو ثعباناً، أما من يقطع شجرة أو يتلف زرعاً فله العقاب الشديد، وربما يتم طرده من العشيرة ليعيش هائماً بمفرده فى الغابة، أو يخرج منها ليصبح غريباً ومنبوذاً فى إحدى القرى القريبة حيث يعيش "العمالقة" من البشر.

الأقزام والكراهية


ولا يحمل الأقزام كراهية للبشر العاديين، فهم بطبيعتهم قوم مسالمون يعيشون على الفطرة، وليست لديهم ميول عدوانية تجاه غيرهم، ولكن الأقزام يخشون البشر الأسوياء –إن جاز التعبير- نظراً لأسباب عديدة منها أن التوسع العمرانى يقلص المساحة المظلمة من الغابة، فضلاً عن تعرض أسلاف الأقزام للعبودية والاسترقاق فى الأزمنة القديمة، على يد الأحباش والفراعنة واليونانيين، ويسود الاعتقاد بأن المستكشفين البرتغاليين ارتكبوا مذابح بشعة ضد هؤلاء القوم الصغار فى القرن السادس عشر، بسبب اعتقادهم بأنهم من آكلة لحوم البشر،وهو اعتقاد لا أساس له من الصحة.

الأقزام وصفات الزنوج


ولا يجزم العلماء بالموطن الأصلى لأقزام أفريقيا، فهم ليسوا من سكان القارة الأصليين، بدليل أن صفاتهم الوراثية تختلف عن صفات الزنوج الأفارقة، كما أن لدى "المبوتى" معتقدات وأدبيات ضاربة بجذورها فى آسيا، وأغلب الظن أنهم عبروا البحر الأحمر فى عصور ما قبل التاريخ قادمين من الهند واستوطنوا الغابات الاستوائية، لسبب غامض لم يتوصل العلماء إليه حتى الآن.



القزم يعيش على الصيد والقنص ويمجد "أمة" الغابة


ومن تقاليد الأقزام ، ان كل من يقتل حيوناً ، أو يكتشف العسل قبل غيره ، يحصل على امتيازات خاصة ، وإن كان اكتشافه يعتبر من حق الجميع .
وتساعد هذه العادة على وحدة العشيرة ، كما تثير روح المبادرة الفردية . وهم يستهلكون الثمار المقطوفة والعسل فور جمعها ، ويبدو أنهم لا يشبعون من تلك الحلوى .
ولعل هذا هو السبب ، في أن العسل وحده هو الذي تقام له الشعائر السحرية ، في حين أن قطف الثمار والقنص ، لا يحظيان بأية شعائر . وللأقزام إلمام واسع بالطب العملي ، وأمر الموت لا يشغلهم بتاتاً .
يعبد الأقزام الغابة بصفة خاصة ، وأناشيدهم وصلواتهم تزخر بالتمجيد والاحترام ، اللذين يكونهما لها.
كما أن السلطة السياسية ضئيلة للغاية ، فليس منهم رؤساء ولا كبار سن ، وكل البالغين يعتبرون سواسية ، ولا يتميز منهم إلا من كانت له مواهب خاصة .



قوم انعزاليون ومنغلقون يعيشون فى "قلب الظلام"‍


ويحاول الأقزام في كل مناقشاتهم ، التوصل إلى قرار جماعي ، وهم يعتقدون أن هذه الطريقة ، تتفق ورغبات الغابة ، التي لها مركز الصدارة الاولى . ولنلاحظ أيضاً أنه إذا كان الأقزام يصنعون أدوات من الخشب ولحاء الاشجار ، فإنهم سرعان ما أقبلوا على استخدام الادوات الحديدية التي يصنعها جيرانهم . ومن جهة اخرى ، فإن حياتهم الطبيعية ، وإن تكن محدودة ، إلا أن لهم موسيقى ومسرحاً غاية في الجمال.

والشئ المؤكد أن حياة الأقزام المعاصرين فى قلب القارة السوداء مهددة بالزوال، فلم يعد بإمكان هؤلاء البشر أن يعيشوا فى عزلة، ففى كل يوم تزحف نحو المشروعات الزراعية والصناعية، كما أنهم بدأوا يعرفون طريقهم إلى مساوئ الحياة الحديثة، وعلى رأسها الخمور والتبغ، وتلك هى بداية النهاية.


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button