فى ليلة 17 رمضان عام 35هـ خرج سكان القاهرة عن بكرة أبيهم، لإستقبال الخليفة الفاطمى "المعز لدين الله" الذى كان يصل إلى البلاد لأول مرة، خرج الناس فى تلك الليلة حاملين الفوانيس الملونة المضاءة بالزيت، لينيروا للخليفة طريقه إلى حكم البلاد منذ دخوله القاهرة قادماً من الصحراء وحتى عتبات قصره، لما سمعوه عن عدله وفضله.
ومنذ تلك اللحظة دخل
"فانوس رمضان" التاريخ من أوسع أبواب القاهرة، ليصبح عادة رمضانية
مستمرة عبر العصور حتى عصرنا الراهن، الذى أصبحنا نستورد فيه من الصين، وقد أصبحت
الأخيرة أكبر منتج ومصدر للفوانيس فى العالم!
فانوس بالأمر!
ويعد فانوس رمضان هو المظهر الوحيد الذى
لم يتأثر عبر الزمان، فهو لم يتعرض للإندثار والإختفاء مثل المسحراتى الذى كان
يجوب الشوارع فى الظلام الدامس لإيقاظ الناس لتناول السحور.. والحقيقة أن الفانوس
كان على العكس تماماً، إذ أنه تعرض لعمليات تطوير واسعة جعلته يواكب العصر ويساير
الأذواق المختلفة.
ويشهد فانوس رمضان إقبالاً كبيراً من
المصريين فى كل الأحياء الراقية والشعبية معاً، إلا أن الأحياء الشعبية تحتفظ
بوضوح مظاهر عرض فانوس رمضان، وتقام فى معظم الأحيان "شوادر" ضخمة
بالقرب من حى (تحت الربع) أشهر أماكن صناعة الفوانيس، هذه الشوادر يقصدها أعداد
كبيرة من المواطنين والتجار من كافة محافظات مصر لشراء الفوانيس لتسويقها فى
محافظاتهم.
ويبدأ موسم بيع الفوانيس رسمياً قبل
موعد حلول شهر رمضان بحوالى أسبوعين، وتزداد حركة البيع كلما إقترب شهر رمضان
المعظم.. ويقول أحد صناع الفوانيس فى حى "تحت الربع" أن تصنيع الفانوس
لا يتوقف طوال العام، ولكن يختلف فقط إيقاع الإنتاج نفسه، حيث يكون المعدل ضعيفاً
عقب إنتهاء شهر رمضان، ويرتفع المعدل إلى أعلى درجاته مع إقتراب موعد شهر رمضان.
وعلى الرغم من الرواية التاريخية
الثابتة التى يعزو إليها الكثيرون دخول الفانوس إلى قاموس المصريين فى شهر رمضان،
إلا أن هناك عدداً من الروايات الأخرى التى يعتقد البعض أنها جعلت الفانوس شيئاً
أساسياً فى حياة المواطن طوال العام، مع إعطائه مكانة خاصة خلال شهر رمضان.
من هذه الروايات ما يقال عن القانون
الذى صدر فى القرن الرابع عشر الميلادى، والذى بات بمقتضاه ضرورياً أن يقوم كل
ساكن بالمساهمة فى نظافة الشارع الذى يقطنه، وأن يعلق فانوساً مضاءً فوق باب البيت
من ساعة غروب الشمس وحتى الفجر، وبالأخص طوال شهر رمضان.
وتقول رواية مكملة لهذه الرواية أن
الناس أخذوا يستخدمون فوانيس صغيرة الحجم فى إضاءة الطريق أمامهم، كما صنعوا
فوانيس أصغر حجماً من أجل أطفالهم الذين كانوا يشاركونهم السهر حتى الفجر فى ليالى
رمضان، وفى ذلك الوقت لم تكن الشموع قد إستخدمت بعد فى الفانوس، وكان الزيت مع
الفتيلة هو الأساس فى الإضاءة، ثم ظهرت الشمعة فى القرن التاسع عشر.
روايات وأساطير
وهناك رواية أخرى تقول أن الخليفة فى
عصر الفاطميين كان يذهب لإستطلاع رؤية هلال رمضان، وكان موكبه ينطلق من منطقة تسمى
باب النصر إلى باب الفتوح ثم إلى باب الذهب، ولأن الإحتفال كان مهيباً، ظل من الطبيعى
أن تحفه العربات الصغيرة المضاءة بالشموع، كما يحمل الأهالى الفوانيس المضاءة وهم
يسيرون من حوله.
الرواية الأخيرة تقول –وهى
منسوبة للعصر الفاطمى أيضاً- أن الخليفة الحاكم بأمر الله ألزم جميع النساء بعدم
الخروج من منازلهن إلا إذا تقدمهن صبى يحمل فانوساً فى يده وكان هذا وحده دليلاً
على أن من يسير فى الطريق سيدة فيفسح لها الجميع الطريق. ويقال أنه منذ التاريخ
تفنن الصناع فى إبتكار أشكال وأحجام مختلفة من الفوانيس، ولا يزال الابتكار
مستمراً، ولا يزال الأطفال يغنون لفانوس رمضان إبتهاجاً بقدوم شهر الصيام مثلما إعتادوا
أن يغنوا قبل سنوات وسنوات، وها هم يرددون "وحوى يا وحوى، رحت يا شعبان، جيت
يا رمضان إياحه، بنت السلطان لابسة القفطان.. إياحه".
ويعتقد البعض ان كلمة "وحوى"
أصلها "أحوى" وكانت كلمة فى جملة يرددها الأطفال قديماً إبان العصر
الفاطمى حيث كانوا ينشدون:
"أحوى أحوى إياها بنت السلطان
إياها" ويقال إن كلمة "إياها" حرفت مع مرور الوقت إلى
"أيوحة" تخفيفاً للنطق ومازالت العبارات الطريفة تتردد.