"الوصولي" يرفع شعار.. الغاية تبرر الوسيلة !
قديماً
قال الكاتب الإنجليزي الشهير وليم شكسبير "إن النجاح شجرة باسقة، وكل شجرة
باسقة، وكل شجرة سامقة لابد أن يلتف حولها اللبلاب"!
وإذا
كان النجاح صبراً ومثابرة وكفاحاً، فإن بعضهم يفضل أن يقوم بدور شجرة
"اللبلاب" المتسلقة التي لا تستطيع أن تصعد إلا على أكتاف الآخرين،
وهؤلاء هم "الوصوليون" الذين حذر منهم شكسبير قديماً ، والذين أصبحوا
أحد الظواهر الاجتماعية المرضية في عصرنا الحديث ، الحافل بالعديد من صفوف البشر
الوصوليين أصحاب شعار "الغاية تبرر الوسيلة" !
أبطال
الوصولية هم أولئك الذين لا يستقرون على لون أوموقف .. كالحرباء يتغيرون في كل حين
ولا شيئ يمكن أن يثنيهم عن أهدافهم مهما كانت دنيئة يتكالبون من أجل غايات وأهداف
ما كان لهم بلوغها أو تحقيقها في الأوقات العادية.
و"الوصولية"
في المجتمع الثقافي العربي هي الظاهرة الأخطر، فهناك من ينتسب إلى قيم ثقافية
رفيعة وهي منه براء، ولعل أبرز مثال على روائي مصري معروف لكن لا أحد يعرف إلى أي
تيار ينتمي، فهو يغازل كل التيارات و"يستنفع" منها جميعاً بمنطق المصلحة
فحسب، ولولا هذه "الوصولية" ما وصل إلى رئاسة تحرير صحيفة ثقافية تصدر
عن مؤسسة كبرى !
ولكن
السؤال هو: ما هي طبيعة هذه الشخصية الوصولية؟ وهل هناك ملامح محددة لهذه الشخصية
بحيث يمكن "فرزها" وسط آلاف النماذج البشرية ؟
"الوصولي"
يتسلق على الآخرين
ويستخدم الخداع سلاحاً
الإنسان
"الوصولى" هو شخص عنده مستوى عال من الطموح لكن قدراته الذاتية محدودة وهو
لا يستسلم لقدراته تلك ويحاول الوصول لهدفه بطرق مختلفة حتى ولو كانت طرقاً ملتوية
عن طريق إستغلال الآخرين والتملق والنفاق او تبادل المصالح والمنافع أو حتى
بالرشاوى ولا ننكر أن الشخص الوصولي على درجة عالية من الذكاء لكنه يستخدم ذكاءه
بصورة سلبية عن طريق التملق والنفاق والتقرب للناس بأسلوب ملتوٍ غير أخلاقي . ولكن
ترى ما هى الأسباب التى تساعد على بروز الشخصية الوصولية؟
-
يرجع ذلك للتنشئة الاجتماعية للإنسان فى صغره حيث يتعرض أحياناً للتفرقة بينه وبين
إخوته مثلاً، فيحاول أن يصل لحب أبويه بطرق غير مشروعة كالنفاق ونجده عندما يكبر
تترسخ فى ذهنه فكرة أنه لن يصل إلى ما يريد إلا بالطرق الملتوية.. بالإضافة إلى
ذلك نجد أن التدليل الزائد للأبناء وتحقيق كل ما يريدونه فوراً يفسد الأبناء وبذلك
يتعلم الإبن عدم الاعتماد على نفسه، والتعود على الراحة وعدم التعب وبذل الجهد ومن
يجد أبويه يستخدمان هذا الأسلوب فإنه عندما يكبر يتعود على استخدامه، ولعل أهم
أسباب إنتشار هذه الظاهرة فى مجتمعنا هو البعد عن التربية الإسلامية مما ساهم فى
إنتشار القيم السلبية والقضاء على القيم الإيجابية كقول الحق والعمل السليم والاعتماد
على النفس والإنسان الذى تربى تربية إسلامية وإلتزم بتعاليم الدين لا يستخدم
مطلقاً هذا الأسلوب الرخيص مهما كانت المغريات.
الوصولية والذكاء الاجتماعي
إن
كل إنسان يحترم نفسه ويحترم واقعه ومجتمعه له هدف يسعى إلى تحقيقه والأهداف تنقسم
إلى أهداف مشروعة، وهناك وسائل لتحقيق تلك الأهداف بعضها مشروع، وبعضها غير مشروع،
وقد يكون الهدف مشروعاً ووسيلته غير مشروعة فالغاية عنده تبرر الوسيلة .
ولكن
كيف يكون الهدف مشروعاً ووسيلته غير مشروعة، وهل لهذا علاقة بالوصولية؟
لأن
ظاهرة "الوصولية" انتشرت فى مجتمعنا بصورة كبيرة للغاية فعنصر السرعة
يسيطر على الناس فأصبح الكثير منهم لا يريد أن يبذل جهداً أو يصبر أو يتعب حتى
يحقق أهدافه بل الجميع يتمنون تحقيق أهدافهم بسرعة هائلة أى فى أقصر وقت وبأقل
التكاليف، ولتحقيق ذلك يستخدمون وسيلة سهلة وهى التسلق على أكتاف الآخرين وإستخدام
الغش والخداع سلاحاً، ومثال ذلك الشخص الذى يتزوج من إمرأة ثرية لتحقيق منفعة
مادية أو الوصول عن طريقها لمركز مرموق وبعد الوصول لهدفه يدير ظهره لتلك المرأة
ويتنكر لها.
الإنسان الوصولي يبني مجده الزائف على
أكتاف غيره
ولكن
ليس كل تعاون مع الآخرين وتواصل معهم يسمى "انتهازية" أو "وصولية"
وإنما هناك نوع من العلاقات الإجتماعية يكون مهماً فى حياة الإنسان ويساعده على
تحقيق أهدافه كأن يرتبط بشخصية معينة يستفيد منها ولكنه لا يستغلها وإنما تحكمه
بها المصالح المشتركة والمتبادلة وهذا ليس انتهازية بل ذكاء اجتماعياً فالتعرف على
الآخرين مطلب مهم فى ديننا الحنيف حيث قال تعالى: "وجعلناكم شعوباً وقبائل
لتعارفوا" فهذا نوع من تقابل المصالح أى أحصل من الآخرين على حاجتى وعلى
إستعداد تام لمساعدتهم إذا أرادوا ذلك فأنا فى هذه الحالة لست طرفاً آخذاً فقط بل
آخذ وأعطى فى نفس الوقت عن طريق تبادل المصالح وهذا قمة الذكاء الإجتماعى من وجهة
نظرى وعلينا جميعاً أن نتعامل مع هذه الظاهرة بوجهها الصحيح فلو أصبح عند كل إنسان
وعى بالوصولية وطرقها المختلفة لما وجد الوصولى مكاناً يستطيع من خلاله تحقيق
أهدافه.
الشخص الانتهازي ضحية تربية اجتماعية خاطئة..
وعادة يكون طموحه أكبر من قدراته
إن
الأهداف تعنى الطموح أو الآمال التى يتمنى الإنسان تحقيقها والإنسان كى يصبح
إنساناً سوياً لابد أن يسعى لتحقيق أهدافه وآماله وطموحاته وأن يدرك أن ما يتمناه
لا يأتى بسهولة بل بكفاح ومثابرة وصبر أما من يصل لما يريده عن طريق استغلال الآخرين
فهو إنسان وصولى وإنتهازى وما يبنيه من مجد على أكتافهم ليس مجداً حقيقياً وهو غير
جدير بما وصل إليه من مجد زائف. والانتهازية
أو الوصولية وإستغلال الآخرين شئ مزعج ينتشر فى مجتمعنا العربى هذه الأيام والبعض
يعتبره من قبيل الذكاء والحقيقة أنا أعارض هذا الرأى لأن من يفعل ذلك إنسان تجرد
من القيم والمبادئ حيث تقول الحكمة: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
إن
ظاهرة الإنسان الوصولي لا يمكن القضاء عليها قضاءً جذرياً لأنها مرض اجتماعى من
الصعب أو المستحيل القضاء عليه فقد انتشرت وتفشت فى المجتمع، والتمسك بالقيم
الإسلامية قد يكون سفينة النجاة من هذا الوباء الخطير، فنحن نسمع ونرى كل يوم أناساً
يصعدون على أكتاف الآخرين، ثم يدوسونهم بأقدامهم متى وصلوا إلى ما يريدونه، وهذا
هو قمة "الوصولية" التي ندعو الله أن ينجينا منها ومن أهلها !