وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي,أخبار,ثقافة,اتيكيت,كتب,علوم وتكنولوجيا,مال وأعمال,طب,بيئة

إعلان الرئيسية


تشارلز ديكنز.. مؤلف "أوقات عصيبة"  كان يكتب عن شقائه الشخصي



تشارلز ديكنز.. مؤلف "أوقات عصيبة"  كان يكتب عن شقائه الشخصي



الأديب الإنجليزي تشارلز ديكنز، هو أحد أعظم الروائيين في تاريخ الأدب العالمي، وأحد أهم كُتاب العصر الفيكتوري في بريطانيا، فقد تميز أسلوبه بالدعابة البارعة والسخرية اللاذعة، كما صوَّر جانبا من حياة الفقراء في لندن، وقد كتب الرجل عن معاناته الشخصية في قصصه وراياته، وكان يعيش في طفولته بـ6 بنسات يوميا!
ودعا ديكنز، في أعماله إلى الإصلاح الاجتماعي، وإلى تدعيم المؤسسات الخيرية والصحية التي ترعى البسطاء من الناس، حيثعمل في صباه في مهن شتى، وعاش حياة من الهجران وحيداً وبعيدا عن أسرته في غرفة بائسة.

وُلد تشارلز جون هوفام ديكنز عام 1812 في بلدة "لاندبورت بورتسي" جنوب إنجلترا، وكان ثاني أخوته الثمانية، وعاش طفولة بائسة، والتحق بالمدرسة الأولية لكنه تركها بعد عامين فقط، فقد كان أبوه يعمل في وظيفة كتابية متواضعة في البحرية البريطانية، براتب ضئيل لا يكفي لنفقات العائلة الكبيرة ويعول أسرته كبيرة العدد، لهذا اضطر إلى الاستدانة، ولم يستطع السداد فدخل السجن.

دودة الكتب الصغيرة

ترك "تشارلز" الصغير المدرسة للإسهام في إعالة أسرته، وانتقلت الأسرة بعد سجن عائلها إلى لندن، حيث مارس أعمالا شاقة بأجر زهيد تركت في نفسه أثرا بالغا، فقد عمل كصبّاغ وحمّال "شيّال" وكعامل في ورش السكك الحديدية. وتركت تجارب الطفولة التعسة هذه على شخصيته انطباعات إنسانية عميقة لم تزل تؤثر فيه حتى النهاية.
وأحس الصبي باليأس الشديد من حياته، آنذاك، بسبب هذا الهبوط الحاد من الحياة ضمن "أسرة محترمة" من الشريحة الدنيا للطبقة الوسطى والدوام على مدرسة لائقة، إلى حياة من الهجران والعيش وحيداً على 6 بنسات يوميا في غرفة رثة مستأجرة، في حين يقبع أبوه في سجن المدينة: «كان أمراً عجيباً بالنسبة لي أنه أمكن التخلي عني بكل تلك السهولة في مثل تلك الس، لا نصائح ولا تشجيع ولا دعم من أي شخص أستطيع تذكره، لذا فليكن اللـه في عوني".
وعلى الرغم من مظاهر الشقاء الذي كان يعاني منها ديكنز في طفولته، إلا أنه كان يستغل أوقات فراغه من العمل الشاق، فكان ينكب على قراءة الكتب باستمرار وبدأب لا مثيل، حتى ليُقال إنه كان يقرأ أكثر من 300 صفحة في اليوم، إلى حد أن معاصريه وصفوه بأنه كان في شبابه المبكر "دودة كتب الصغيرة"، كما كان يحرص على التجوال وحيدا في الأحياء الفقيرة في لندن، حيث كان الناس يعيشون حياة بائسة مريعة وخارجة عن القانون في بعض الأحيان. (1)
وكتب ديكنز، فيما بعد، عن هذه الانطباعات والتجارب المريرة التي مر بها أثناء طفولته في العديد من قصصه ورواياته، وتناول حياة أبطاله من الأطفال الصغار الذين عانوا كثيرا وذاقوا الشقاء ألوانا، وعاشوا في ضياع تام بسبب الظروف الاجتماعية الصعبة التي كانت سائدة في إنجلترا آنذاك. وفي العديد من القصص والروايات التي أبدعها، وصف ديكنز هذه أحياء لندن الفقيرة بكل تفاصيلها وكل المآسي التي كانت تدور فيها.
 وعندما وصل إلى سن العشرين من عمره، تمكنت الأسرة من إلحاقه بإحدى المدارس ليستكمل تعليمه. وكان في نفس الوقت يعمل كمراسل صحفي في البرلمان لإحدى الصحف المحلية الصغيرة لقاء أجر متواضع، ولكنه لم يهتم بتدني الأجر، فقد تفانى في هذا العمل الصحفي الذي كان بمثابة "تمارين" له على الكتابة، حسب قوله فيما بعد، وأتاح له هذا العمل الصحفي أن يتأمل أحوال الناس على مختلف مستوياتهم الاجتماعية والأخلاقية فخرج بالعديد من التجارب الإنسانية والأخلاقية التي وسعت آفاقه ومداركه الأدبية والحياتية.
وفي عام 1836 ظهر كتابه القصصي الأول بعنوان "صور وصفية" وتحت اسم مستعار هو "بوز"، وهو الاسم الذي اشتهر به حتى بدأ اسمه الحقيقي يلمع في الأوساط الأدبية، مما دعا أحد الناشرين إلى أن يعرض عليه التعليقات لمجموعة من الرسوم الكوميدية المسلسلة التي تمثل شخصيات رياضية. وهكذا، بدأ ديكنز طريق الشهرة.
وفي سن الرابعة والعشرين، أصدر أولى رواياته الأدبية مسلسلة في إحدى الصحف الشعبية بعنوان "مذكرات بيكويك"، فلاقت نجاحا ساحقا، وجعلته خلال أيام من أكثر الأدباء الإنجليز شعبية وشهرة، ثم ازدادت شهرته في إنجلترا وخارجها عندما تُرجمت أعماله إلى لغات العالم المختلفة.

حياة مضطربة

عاش ديكنز حياة شخصية مضطربة، في بداية مسيرته الأدبية، ويقول مؤرخو الأدب إن معاملة "ديكنز" لزوجته كانت لطخة لا تغتفر في سيرة حياته وشخصيته، تدل على الاختلال النفسي الشديد الذي كان يعاني منه في منتصف عمره، فقد كانا قد تزوجا وهما بعد شابان صغيران، بعد أن مر "تشارلز" بتجربة غرامية مؤلمة وفاشلة مع فتاة تدعى ماريا بيدنيل، الجميلة اللعوب التي غررت به أولاً ثم طردته بعيداً، فقد كان جلياً أنها لم تغرم إلى حدٍ كبير بهذا الشاب الوسيم المسلّي والغرّ الذي كان يشق طريقه في الحياة كصحفي ناشئ، إنما دون أن يكون له مستقبل واعد حقيقي.
وبتأثير من شعور حاد بالهوان، لجأ ديكنز بسرعة إلى كاثرين هوغارث ليداوي مشاعره الجريحة، وكانت تنتمي إلى أسرة شهيرة، فأبوها محرر جريدة "ذا إيفننغ كرونيكل" التي عمل "ديكنز" الشاب فيها. وكانت "كاثرين" وادعة وسهلة القياد، فتزوجا في النهاية، نظرا حاجته إلى أن يجد مكاناً في حياة أسرية من الطبقة الوسطى التي كان ينتمي إليها قبل سجن والده، وأنجب منها 10 أطفال، لكنه كان يعاملها أحيانا بقسوة مفرطة.
وعلى المستوى الأدبي، نشر ديكنز ما يزيد 12 رواية مهمة، مسلسلة في مجلات أسبوعية أو شهرية، ثم أعيدت طباعتها في هيئة كتب، ومن أشهرها روايات "أوليفر تويست" الصادرة عام 1839، و"قصة مدينتين" 1859 و"دايفيد كوبرفيلد" سنة 1850، وغيرها، وعدداً كبيراً من القصص القصيرة والمسرحيات.
وكان يدعو باستمرار في أغلب أعماله إلى ضرورة الإصلاح الاجتماعي وإلى تدعيم المؤسسات الخيرية والصحية التي ترعى الفقراء من الناس، ولقد بأن كل الأحوال المزرية والسيئة قابلة للإصلاح مهما كان مدى تدهورها، لهذا سخر قلمه البليغ للدعوة إلى تخليص المجتمع البشري مما يعتوره من شرور وأوضاع اجتماعية غير عادلة. (2)
ولم يكن لـ"ديكنز" سواء في يومياته الصحفية التي جُمعت في كتب بعد ذلك، أو في أعماله الإبداعية، موقف سياسي ثابت، وتجلت اهتماماته الرئيسية في التعليم، واللهو البريء، والسكن، وصحة الفقراء، ورعاية الأطفال، وإصلاح السجون، وهو ما نجده في مقالات هذه المجموعة من اليوميات.

حيوية استثنائية ومُخيلة هائلة

كان الرجل غزير الإنتاج، عظيم الموهبة، فقد حقق انجازات صحفية مدهشة في يومياته، حيث ترى الحجة المقنعة، والكشف عن البؤس، والوصف الحي، والابتكار في لغة الكتابة، ومن المدهش أيضا أنه كتب، خلال هذه السنوات 8 روايات و3 من قصص عيد الميلاد الشهيرة، وعدداً آخر من المسرحيات، وأكثر من 200 تقرير ومقالة وعرض كتاب. (3)
وفي عام 1850، أصدر ديكنز مجلة تحت اسم "كلمات عائلية" حققت نجاحاً استثنائياً، وكانت وسيلته للتواصل المباشر مع قرائه من خلال كتاباته الصحفية الأسبوعية، كما كان يلقي الخُطب في المناسبات العامة من أجل دعم القضايا الخيرية، كما كان نشطا في المحافل الاجتماعية، ويفضل أن يرى كل شئ بنفسه قبل أن يكتب عنه، فقد كان يتمتع بحيوية استثنائية، ومُخيلة هائلة.
ويذكر كُتاب سيرة ديكنز أنه في عام 1854 حدث إضراب عمالي كبير في مدينة "بريستون" الصناعية شمال انجلترا، فقطع الرجل بفضوله النهم المعروف، كل الطريق من لندن إلى هناك ليرى ما كان يجري. وفي وقت لاحق كتب رواية عن هذا الحدث سماها "أوقات عصيبة"، ودعا فيها إلى تحسين الأوضاع المزرية لعمال المصانع الكبرى. (4)
وفي كتابه بعنوان "تشارلز ديكنز.. معاصرنا" يقول الأكاديمي الأمريكي مايكل سلايتر، أستاذ الأدب جامعة "ييل"، إن "هناك قلة من الكتَّاب الذين تتصف حيواتهم وشخصياتهم بتلك الرحابة، وتلك الفتنة، إلى الحد الذي لا يجعل أي سيرة حياة تكتب عنهم مملّة إطلاقاً. فأنت تستطيع أن تقرأ كل سيرة جديدة تُكتب عنهم، سواء كانت رديئة أو جيدة، وسوف تجد نفسك مشدوداً إليها من جديد".
ويضيف سلاتر أن "اضطراب حياة ديكنز والتناقضات العنيفة في طبيعته الشخصية، والحكاية المدهشة لارتقائه الفوري إلى الشهرة والشعبية كأديب قبل بلوغه سن الخامسة والعشرين، وبقائه على هذه الشهرة 35 عاماً، هي حكاية قابلة للسرد بشكل لا نهائي، وما تزال تُسرد إلى ما لا نهاية، فقد كان بشكل مؤكد تقريباً أشهر وأحبّ رجل إنجليزي في منتصف القرن التاسع عشر، فقد كانت سلطته الشخصية على قرائه تمتد من الأشخاص الأبرز، مثل الملكة فيكتوريا، إلى العمال الأميين الذي كانوا يتقاسمون نفقة شراء الأجزاء الأسبوعية أو الشهرية من المجلات التي كانت رواياته تنشر فيها لأول مرة، حتى يقوم رجل متعلم إلى حد ما منهم فيتلوها عليهم بصوت مرتفع. وقد وصلت شعبيته وتأثيره إلى أمريكا وألمانيا وفرنسا وروسيا أيضاً". (5)
وفي المقابل، لم يكن ديكنز موضع إعجاب كبير من كتَّاب عصريين مثل فرجينيا وولف وجيمس جويس وإي أم فورستر  وسواهم، فقد عاب هؤلاء على أعماله عاطفيتها المفرطة، ومصادفاتها غير المحتملة، وكذلك بسبب التصوير المبالغ فيه للشخصيات.
وعلى المستوى الشخصي، كان ديكنز، الإنسان، شخصاً يمثل جميع فضائل العصر الفيكتوري، أي الاستقامة والحنان والعمل الجاد والتعاطف مع البائسين، ورغم ذلك فإن رواياته فضحت ذلك العصر (الفيكتوري) ونفاقه وجشعه وقسوته، فقد كان يدافع عن الفقراء والضعفاء، وينتقد المؤسسات الفاسدة وعلى رأسها البرلمان البريطاني والمؤسسة التعليمية والقضاء، نقدا لاذعا وعنيفا. (6)
وبعد حياة حافلة، توفي تشارلز ديكنز، عبقري العصر الفيكتوري، عام 1870 عن عمر ناهز 58 عاما، بعد أن ترك للإنسانية هذا الكم الهائل من الكنوز الأدبية الرفيعة، ودُفن في مقابر "وست مينستر" بالعاصمة البريطانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)               ستيفان تسفايج "بناة العالم" ترجمة محمد حديد- الناشر "دار المدى" دمشق- الطبعة الأولى 2013.
(2)               موقع "ويكيبيديا" على الإنترنت
(3)               ديل كارنيجي "الخالدون" ترجمة محمد حلمي مراد- مطبوعات "كتابي" القاهرة 1949.
(4)               موقع "بناة"
(5)               مدونة "شرفات"
(6)               موقع "المعرفة
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button