الأليلوباثي.. علم يساهم في تنقية الطبيعة وإعادة بكارتها
كما أن للبشر وسيلة للتفاهم والدفاع عن النفس من أجل
البقاء فإن الكائنات الحية الأخرى من النباتات والحيوانات والحشرات لها وسائل
عديدة للاتصال والدفاع عن النفس، ومن الوسائل التي يهتم بها الباحثون في الوقت
الحالي هي وسائل الاتصال والدفاع الكيميائية التي تتبعها بعض الكائنات الحية
للقضاء على الكائنات الأخرى التي قد تؤثر على تواجدها وانتشارها في البيئة التي
تعيش فيها.
وتضطر بعض الكائنات الحية إلى إفراز مواد كيميائية معينة
بطرق مختلفة في الوسط الذي تعيش فيه لتأمين موطنها وسبل معيشتها، وتعرف هذه
الظاهرة بالتضاد الكيميائي الحيوي والمعروفة علمياً باسم الألليلوباثي Allelopathy
.
وهذا المجال من الدراسة والبحث له تطبيقات عديدة في
مجالات التقنية الحيوية والصناعة والطب والصيدلة والزراعة مثل استخدام المستخلصات
النباتية في إنتاج العقاقير ، مقاومة آفات وأمراض النبات ، واستنباط محاصيل مقاومة
للحشائش والآفات بطرق آمنة من الناحية البيئية دون الحاجة إلي استخدام تقنيات
تحوير الجينات الوراثية.
وقد تم خلال التجمع الدولي الأول عن الألليلوباثي: علم
المستقبل _ كما يطلقون عليه في اليابان وأوربا _ أو علم تحقيق الأحلام _ علي حد
قول د. أحمد كامل حجازي أستاذ علم البيئة بكلية العلوم جامعة القاهرة والمنسق
الإقليمي العربي لجمعية الأليلوباثي الدولية - لما يحققه من فوائد عظيمة كانت ومازالت تمثل
أحلاماً طالما داعبت عقول وخيالات العلماء والباحثين ، سواء في مختبراتهم أو على
أرض الواقع ، فهو علم الأمل للعودة بالطبيعة إلى سابق عهدها من النقاء ، بعدما
نالت منها الملوثات على اختلاف أشكالها وأنواعها ، ونالت من خيراتها ، وهددت صحة
الإنسان والحيوان ، وأثرت على الموارد ، وأخفت من علي ظهر الأرض آلاف الأنواع من
أحياء تنوعها البيولوجي ، ومازالت تهدد بالفناء آلاف الأنواع الأخرى.
تأثير كائن على آخر
*بدايةً تعالوا معاً لنتعرف علي معنى كلمة أليلوباثي Allelopathy ؟
هي كلمة تتكون من مقطعين وتعني باللاتينية allelon (of
each other) + pahtos (to suffer) أي التأثير الضار لكائن حي على
كائن آخر بشرط أن يكون هذا التأثير كيميائياً .
وتقوم الكائنات الحية سواء كانت نباتية أو حيوانية
بإفراز مواد كيميائية معينة بطرق مختلفة في الوسط الذي تعيش فيه لتأمين موطنها
وسبل معيشتها أو للدفاع عن النفس ضد الأعداء الطبيعية وتعرف هذه الظاهرة باسم
الأليلوباثي Allelopathy .
في حالة النباتات تعرف هذه المواد الكيميائية باسم Allelochemicals أما في حالة الحشرات فتعرف
باسم Pheromones أي الفيرمونات وهي مواد كيميائية ثانوية secondary metabolitesناتجة عن التمثيل الغذائي وتعتبر نوع من البصمات
الكيميائية chemical prints المميزة للعديد من أنواع الكائنات
الحية. ولهذه المواد الأليلوباثية استخدامات عديدة في مجالات التقنية الحيوية
والزراعة والصناعة والطب.
- لقد بدأت أبحاث الاليلوباثي تأخذ شكل العالمية خلال
الثلاثة عقود المنصرمة بعد أن كانت تجري أبحاث منفردة في بعض المدارس العلمية في
اليابان والهند وألمانيا وأسبانيا وأمريكا، ومع نهاية القرن العشرين بالتحديد عام
1996 حدث أول تجمع عالمي في مدينة قادس بأسبانيا حول موضوع الأليلوباثي حيث حضر
حوالي 500عالم من حوالي 75دولة وعقد هذا المؤتمر الدولي الأول تحت عنوان "
الأليلوباثي" –علم المستقبل- وتم تأسيس الجمعية الدولية للأليلوباثي والتي
تعقد مؤتمرها الدولي كل ثلاث سنوات فكان التجمع الدولي الثاني في جامعة ليكهيد
بكندا عام 1999 تحت شعار "الأليلوباثي: الواقع وطموحات المستقبل"
والتجمع الدولي الثالث حدث في اليابان عام 2002 تحت شعار " الأليلوباثي
وتحديات القرن الحادي والعشرين" والتجمع الدولي الرابع سيتم في استراليا عام
2005 وسيدور حول تقنيات وطرق في الأليلوباثي" هذا بالإضافة إلى عقد العديد من
المؤتمرات السنوية وورش العمل في مناطق عديدة من العالم على مدار العام منذ أن تم
تأسيس الجمعية الدولية للأليلوباثى.
وللأسف لم يحدث أي تجمع علمي في المنطقة العربية في هذا
المجال حتى تاريخية، وبالنسبة لأبحاث الأليلوباثي في المنطقة العربية فهي لازالت
ناشئة وتجري في نطاق ضيق في قليل من الدول.
هذا المجال من العلوم له تطبيقات عديدة في مجالات
التقنية الحيوية والصناعة والطب والصيدلة والزراعة وحديثاً في مجال الاتصال والفن
.
بالنسبة لمجال الطب والصيدلة فقد تم التعرف على وفصل
الكثير من المواد الأليلوباثية الفعالة active allelochemicalsسواء من النباتات أو الكائنات الدقيقة والتي تستخدم في
علاج الكثير من الأمراض أو تدخل في صناعة الدواء .
وفي مجال الزراعة فقد نجحت بعض الدول مثل اليابان والهند
في استنباط محاصيل أليلوباثية allelopathic crops تتميز بمقاومة الآفات الزراعية
والحشائش الضارة من خلال وسائل الدفاع الكيميائية دون تدخل الإنسان .
كما أنه تم استخلاص مبيدات حشرية طبيعية من العديد من
النباتات وتستخدم حالياً علي المستوى التجريبي لاستنباط محاصيل زراعية بطرق طبيعية
.
وحديثاً بدأ في اليابان تطبيق الأليلوباثي في مجال الاتصالات
الكيميائية الحيوية bioactive chemical communication , ففي مجال النبات بدأت التجارب على ما يسمى
النباتات الذكية intelligent plants فعادة ما تستخدم كلمة الذكاء intelligence
في حالة الإنسان أو الحيوان أما بالنسبة
للنباتات فقد استخدمت هذه الكلمة خلال العقد الأخير مع التوسع في بحوث الاتصالات
من خلال ظاهرة الأليلوباثي . والذكاء في أبسط تعريف له بالنسبة للكائنات الحية غير
الإنسان هو: سلوك تكيفي للفرد أو الكائن الحي . ويتم التعامل مع سلوك النباتات
وعلاقتها مع الكائنات الأخرى باستخدام الوسائل الكيميائية كنوع من الذكاء .
ومن أمثلة الاتصالات الحيوية الكيميائية ما نجده في
عشائر النمل والنحل والتي تمكن أفراد العشيرة على التعرف سواء بين الأفراد أو على
المجموعة ككل من خلال إشارات كيميائية من المواد الهيدروكربونية أو الشمعية cuticular
hydrocarbons الموجودة في أدمة جسم الحشرة وهي خليط مركب من
مجموعة مواد الألكانات alkanes وباستخدام هذه الإشارات الكيميائية يمكن لذكور وإناث هذه
الحشرات التعرف على بعضها خلال فترة التزاوج كما يمكن للحشرات الشغالة التعرف على
مراحل العمر لأفراد المجموعة من أجل تقديم الخدمات المناسبة سواء للحشرة البالغة أو اليرقة أو البيضة أو الملكة
ويستدل على ذلك من خلال التباين في تركيب المواد الهيدروكربونية وإختلافها حسب
مرحلة العمر أو طور دورة الحياة .
التطبيق في مجال الفن
وبالنسبة للتطبيق في مجال الفن، ففي أحد الأفلام
اليابانية الشهيرة فيلم الرابسودي في أغسطس Rhapsody in
August للمخرج الياباني أكيرا كوروزاوا Akira
kurosawa والرابسودي تعني اللحن الموسيقي مرتجل الطابع
والغير نظامي الشكل، فقد طلب المخرج مساعدة بعض علماء الأليلوباثي باليابان من أجل
التحكم في سلوك مستعمرات النمل وسلوك مسارات محددة من أجل تصوير الفيلم ، وقد تم
تطبيق ظاهرة الأليلوباثي في عمل مسارات من مادة الفيرمون الأليلوباثية مما ساعد
على التحكم في مسارات النمل وجعلها تسير في خطوط منتظمة.
ثلاث معوقات
·
ما هي التحديات التي تواجه هذا المجال الجديد من العلم ؟
هناك العديد من
التحديات التي تواجه هذا المجال الجديد من العلم مستوى العالم تتلخص في ثلاثة
محاور هي التعرف على المواد الكيميائية الأليلوباثية وفصلها من الكائنات الحية ،
قصور في الطرق المستخدمة ونجاح تطبيق نتائج البحوث المعملية في البيئة أو العكس .
أما بالنسبة للدول العربية فهناك تحديات عديدة أهمها:
-عدم توفر الإمكانات البشرية والتكنولوجية .
-نقص الدعم المادي والسياسي حيث يتركز الاهتمام السياسي
بالأمور ذات الصلة المباشرة بالجمهور.
-عدم وجود رؤية أو استراتيجية مستقبلية للبحث العلمي
وتطبيقاته سواء على المدى القصير أو الطويل .
-نقص التكامل والتعاون بين الدول العربية .
سألت الدكتور كامل حجازي: هل ثمة طموحات وآمال
مستقبلية متعلقة بهذا العلم الجديد ؟
فأجاب: بالنسبة للطموحات والآمال المستقبلية لهذا
العلم فهي كثيرة جداً ..خاصة وانه كما يطلق عليه "علم المستقبل" وآثاره
وفوائده سوف تستمر –في تقديري- قرناً آخر حتى تصبح التكنولوجيا البيولوجية
وتطبيقاتها في يد الجميع مثل أي علم آخر أو اكتشاف صنعه الإنسان .
وتتوقف الطموحات في المنطقة العربية على عدة محاور:
أولاً: يجب أن يكون الوعي بعلم الأليلوباثي على مستوى
المواطن العادي ومستوى صانعي القرار في الوطن العربي ..لأن ذلك سيترتب عليه توجيه
الشباب نحو هذا المجال الجديد من الدراسات والبحوث سواء على مستوى البكالوريوس والماجستير
أو الدكتوراه.. كما يحدث في بلدان عديدة مثل الهند واليابان وأمريكا وبعض الدول
الأوروبية.
ثانياً: لا بد من وجود رؤية واستراتيجية واضحة حسب
الأولويات المستقبلية وليس الاعتماد على الخطط قصيرة المدى نظراً لعدم جدوتها في
مجال البحث العلمي.
فعدم وجود خطة واستراتيجية للاستفادة من هذا العلم
سيجعلنا "محلك سر" ومن ثم نبقى مستوردين لحصاد هذا العلم الهام .
ومن هنا أنادي بعمل خطة أو استراتيجية بحثية تطبيقية
سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الإقليمي العربي وذلك من خلال جامعة الدول
العربية بحيث تتبنى مثل هذا الموضوع وتقيم أبعاده وسبل الاستفادة منة وحينئذ تخطط
على المستوى البعيد للتأصيل لهذا العلم الناشئ .
ثالثاً: لابد من وجود برنامج بحثي تطبيقي على المستويين
الوطني والعربي لأن نظرتنا للبحث العلمي أنه داخل جدران المعامل.. وهذا في تقديري
فهم خاطئ فالبحث التطبيقي لابد من أن يرتبط بمواقع الإنتاج سواء في الزراعة أو
الصناعة.
رابعاً: من الضرورة وجود انفتاح دولي وتعاون بيننا كعرب مع الهيئات
العلمية الموجودة في العالم خاصة وأن هناك مدارس علمية سبقتنا في الهند واليابان
وألمانيا وأسبانيا وأمريكا.. وحدث التعاون المثمر بينهم. وسوف يسهل هذا الانفتاح
تأسيس جمعيات عربية للأليلوباثي سواء علي المستوي الوطني أو الإقليمي.
خامساً: إننا في حاجة إلى توفير الدعم المادي والسياسي
ومن أهم أولويات هذا الدعم القضاء على الروتين والبيروقراطية التي تعوق كل شئ في
عالمنا العربي خاصة فيما يتعلق بالعلم . ولابد من أن يكون للمشتغلين في مجال البحث
العلمي دور في مجال إدارة وصناعة القرار.
وأخيراً: أوجه نداء للعاملين في البحث العلمي في
المنطقة العربية بتفعيل قنوات الاتصال القائمة بينهم، أو تأسيس شبكات علمية متخصصة
لتبادل الآراء والمعلومات لبدء خطوة عملية في التعامل مع العلوم الحديثة.