عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ".. مفكرة وأديبة ومعلمة
بإسلوب السهل الممتنع صورت "بنت
الشاطئ" أو عائشة عبد الرحمن جانباً من سيرتها الذاتية في كتاب "على
الجسر" ، وهي سيرة تطلعنا على كفاح رائدة من رواد دراسة الأدب العربي والعلوم
الإسلامية في العصر الحديث .
تتحدث الدكتورة بنت الشاطئ عن نشأتها
فتقول ولدت في السادس من نوفمبر عام 1913 بمدينة دمياط على شط النيل شمالي الدلتا لأب
شيخ متصوف وأم من أسرة دمياطية عريقة ، عميدها الاكبر شيخ الجامع الأزهر ..وجهني
أبي إلى دراسة علوم الإسلام لأنني نشأت في جيل يكره فيه مشايخ العلماء خروج
الفتيات للتعليم في المدارس العصرية والتحقت بالمدرسة الإسلامية
"الأزهر" -ولم يكن وقتها مفتوحاً للطالبات- وبمرور الأيام اتصلت بالحياة
العصرية في أوسع آفاقها ولم تهتز شخصيتي في مواجهة الجديد ..بل كان لي من شموخ
الأصالة وعز العراقة ..ما حصنني ضد عقدة الفرنجة وكل ما هو غريب عن ثقافتنا .
وعن سبب تسميتها بـ"بنت
الشاطئ" تقول: أطلقت على نفسي هذا الاسم بسبب تقاليد جيلي التي لم تكن تسمح
لبنات علماء الإسلام بظهور أسمائهن في الحياة العامة وكان من الضرورة أن أظهر باسم
رمزي احتراماً للتقاليد وتجنباً لغضب والدي ..وقد عرفت بهذا بهذا الاسم لأول مرة
عام 1936 عندما نشرت جريدة الأهرام أول مقال لي ضمن سلسلة من المقالات عن الريف
المصري أما الاسم ذاته فقد خطر ببالي تلقائياً متأثراً بمهد مولدي وملعب صباي
ومجال كل إلهامي بشاطئ النيل .. فوقعت باسم "بنت الشاطئ" .
اتصلت بالحياة العصرية..
وحافظت على
شخصيتها الإسلامية
جمعت بنت الشاطئ بين صفتين هما الفلاحة
المصرية والشيخة ابنة الشيخ وزوجة الشيخ ..اخذت من الريف الفطرة والبساطة والزهد
والبعد عن ضجيج وبهجة المدينة كما كانت مقاييسها للدنيا وموازينها للناس هي أشياء
فطرية ريفية وليست صناعة عصرية .
وحملت من تقاليد الشيوخ المحافظة تقول
في ذلك: فأنا محافظة لدرجة لا تخطر ببال امرأة ..في حياتي لم أذهب إلى الكوافير أو
استعمل المساحيق ولم أضع على جسدي فستان سهرة .
بدأت علاقة بنت الشاطئ بالشيخ أمين
الخولي في أول عهدها بالجامعة.. وكانت تعجب لما تسمعه من أحاديث طلابه عنه وآرائهم
مأخوذين بقوة شخصيته وفروسية خلقه وصراحة منهجه وتواصل بنت الشاطئ قائلة: كنت
المحه بين حين وآخر يسير في أروقة الكلية ولا أتصور أنه غريب عني –ثم
لما قابلته في أول درس لي أيقنت بأنني ما قطعت ذلك الشوط السابق في رحلة حياتي إلا
لكي ألتقي به . واكتفيت في دنياي أنني عرفته وأحياناً كنت اتساءل: كيف كان
بالإمكان أن تمضي بي الحياة دون أن أعرف المرحوم الأستاذ أمين الخولي ؟ كان الجواب
دائماً ما كان يمكن إلا أن القاه ، ولا كان من المتصور أن أتوه عنه بين ملايين
البشر الذين مروا بي في الدنيا أو لم يمروا ، أنا ما أخذت عنه ..لقد كان هو الذي
منح الدنيا جمالاً وذكاء ونبلا .. وأعطى لوجودي كلمة وقيمة ومعنى . وتقول
"عائشة" عن حياتها معه:
دافعت عن هويتها وثقافتها..
وواجهت
التغريب بمنطق وقوة
لم يكن يطلق على علاقتنا المسميات التي
تصف الحياة الزوجية بأنها حياة متكاملة أو انسجام أو غير ذلك مما تعرفون في الحياة
ولكننا كنا الواحد الذي لا يتعدد فلقد تحققت فينا آية الله الذي خلقنا من نفس
واحدة وخلق منها زوجها ..قصة حياتنا تبدو أسطورة ..لأننا كنا في حساب الدنيا اثنين
لكل منهما اسمه ونسبه وصفته وصورته ونحن نتعامل مع الدنيا ولناس ولكننا في جوهر
الحقيقة كنا واحداً لا يتعدد .
اشتغلت "بنت الشاطئ" في
بدايات حياتها كاتبة بكلية البنات بالجيزة وراسلت مجلة "النهضة
النسائية" وذهبت لمقابلة صاحبة المجلة الحاجة "لبيبة أحمد" وعملت
بنت الشاطئ معها وأثبتت تفوقاً جعل صاحبة المجلة تسند إليها رئاسة التحرير ومدير
الإدارة وأصبحت تدير المجلة في أكتوبر عام 1933 متحدية الظروف والعقبات. ثم تقدمت
إلى الجامعة سنة 1934 بكلية الآداب وكانت قد اصدرت كتابها الأول عام 1936 عن
"الريف المصري" والمجتمع الأدبي تحدث كثيراً عن هذا الكتاب وعن فوزها
بالجائزة الأولى للمبارة الرسمية لوزارة (علي ماهر) .
واستمرت بنت الشاطئ تواصل دراستها
الجامعية متفوقة نابغة وحصلت على الليسانس ثم أكملت الدراسات العليا في الدكتوراه
وأصبحت واحدة من أعلام مصر والعالم العربي والإسلامي وقامت بالتدريس في الجامعات
المصرية وجامعات البلدان العربية ..وتخرجت على يديها أجيال كثيرة .
في عيون المستشرقين
بشخصيتها الفريدة ومؤلفاتها وبحوثها
الأصلية جاوزت شهرتها أقطار ا لوطن العربي والعالم الإسلامي إلى الغرب فدعيت
بصفتها الشخصية إلى أكثر المؤتمرات الدولية والمحافل الإسلامية وترجم لها مع
الشخصيات العالمية المعاصرة ، ودخلت كتبها في أصول المراجع والمصادر المقررة على
طلاب معاهد الدراسات العربية والشرقية بجامعات غربية عريقة وحديثة ، واختارها عدد
منهم موضوعاً لرسائلهم الجامعية نذكر منها:
(بنت الشاطئ: الأديبة العربية والمفكرة
الإسلامية ) رسالة دكتوراه للمستشرقة الأوزبكية مريم بابا خانوف .
وقد ترجمت كتبها في ( تراجم سيدات بيت النبوة) رضي الله عنهم إلى اللغات
الفارسية والأردية والأندونيسية واليابانية .
وتعتز بنت الشاطئ بما من الله به عليها
إذا اسلمت المستشرقة اليابانية السيدة فاطمة الزهراء تيروكو متأثرة بقراءتها لهذه
الكتب واخذت مكانها في قومها داعية إلى الإسلام ذلك الدين القيم ، فترجمت إلى
اليابنية كتاب (نساء النبي) ..ثم اتبعته
بترجمة كتاب(بنات النبي) ثم عكفت السيدة على ترجمة كتابي (أم النبي) و(نساء النبي)
إلى اللغة اليابانية يحدوها رجاء كبير في أن يهدي الله بها من قومها من يشرح
صدورهم مثلها للإسلام ختام الاديان .
مناصبها العلمية والثقافية
-
أستاذ
منتدب بمعهد الدراسات العربية العالية ، جامعة الدول العربية بالقاهرة 1961-1974
-
أستاذ
منتدب بمركز تحقيق التراث ، دار الكتب القومية بالقاهرة (1968-1974) .
- أستاذ زائر بجامعة أم درمان الإسلامي:
(1967-1970-1980) وجامعة الخرطوم (1969-1970) وجامعة الجزائر (1968) وجامعة بيروت
العربية (1972) وجامعة الإمارات العربية (1981) وكلية التربية للبنات بالرياض
(1975) إلى ( 1983) .
- عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
والمجلس الأعلى للثقافة وعضو المجالس القومية المتخصصة بمصر .
من مؤلفاتها الفكرية
قدمت د.بنت الشاطئ إلى المكتبة العربية
نحو أربعين كتاباً منها:
-
التفسير
البياني للقرآن الكريم :الجزأن الأول والثاني .
-
الإعجاز
البياني للقرآن .
-
مقال
الإنسان: دراسة قرآنية .
-
الشخصية
الإسلامية: دراسة قرآنية .
-
المصطفى
عليه الصلاة والسلام .
-
تراجم
سيدات بيت النبوة ، خمس مجلدات .
-
الإسرائيليات
في الغزو الفكري .
-
مقدمة
أبن الصلاح في علوم الحديث ، نص محقق .
-
قيم
جديدة للأدب العربي ، القديم والمعاصر .
-
لغتنا
والحياة .
-
تراثنا
بين ماضي وحاضر .
-
الخنساء
الشاعرة العربية الأولى .
-
بين
الإنسانية وأعداء البشر .
-
أرض
المعجزات ، ولقاء مع التاريخ "ورحلة في جزيرة العرب" .
من أعمالها الأدبية
-
سيد
العزبة : رواية مصرية واقعية .
-
الريف
المصري: (أول كتاب نشر لها) .
-
قضية
الفلاح: دراسة اجتماعية .
-
صور
من حياتهن ، نالت جائزة المجمع اللغوي بالقاهرة للقصة القصيرة عام 1953.
-
امرأة
خاطئة : مجموعة قصصية .
-
على
الجسر : سيرة ذاتية .
مؤتمرات شاركت فيها
-
مؤتمر
المستشرقين الدولي : ميونخ 1957، ونيودلهي 1964.
-
المؤتمر
الثقافي العربي بغداد: 1957
-
مؤتمر
الادباء العربي في : القاهرة 1968 ، والكويت 1960 ، وبغداد1964 ،1970.
-
مؤتمر
علماء الإسلام بالمغرب مراكش : 1970
-
مؤتمر
الدعوة الإسلامية طرابلس ، ليبيا: 1970
-
مهرجان
الشاعر اقبال باكستان: 1969.
-
مهرجان
الذكرى الألفية للشاعر أبن زيدون الرباط : 1975 .
الأوسمة
والجوائز:
-
وسام
الكفاءة الفكرية من الملك الحسن الثاني عاهل المغرب : 1967
-
وسام
الاستحقاق من الطبقة الاولى – مصر :1972
-
جائزة
الدولة التقديرية للآداب –مصر : 1978
-
جائزة
المجمع اللغوي بالقاهرة لتحقيق النصوص (1950) وللقصة القصيرة (1953) .
-
شهادة
تقدير من المنظمة العربية للتربية والتعليم والثقافة – مصر : 1980.
-
جائزة
الدولة المصرية الاولى للدراسات الاجتماعية ، الريف المصري مصر : 1980 .
-
وسام
الاستحقاق لعلماء الإسلام ، مصر :1989
-
اطلق
اسمها على : مدرسة بنت الشاطئ الإعدادية للبنات بدمياط : مصر
-
قاعة
درس ، بمدرسة أم درمان الثانوية للبنات : بالسودان
-
قاعة
المحاضرات بمعهد المعامات ، واد مدني : السودان .
-
مهرجان
بنت الشاطئ الثقافي والفكرية بدمياط : مصر .
هي التي رأت في الاخلاص للأدب مفتاحاً
لشخصية الأديب وقد علمتنا أن مشاركة الأديب في مشكلات الحياة ، جانب من أهم جوانب
رسالته في المجتمع.. لأن الأديب لا يعيش بمعزل عن مجتمعه .. ولا يحبس نفسه في برج
عاجي .
د.
عبد العزيز شرف
أديبة فذة وأستاذة جامعية ممتازة عملت
في آداب جامعة عين شمس وجامعات مختلفة، اشتهرت بين اساتذة الجامعات بحياتها
العلمية الخصبة الجادة، ولها اسهامات علمية قيمة في الأدب والدراسات الإسلامية
خاصة تفسير القرآن .
وقد أشرفت على طلاب كثيرين انتفعوا
بتوجيهاتها في رسائلهم العلمية للماجستير والدكتوراه . وتميزت في كتاباتها بأسلوب
أدبي رائع .
د.
شوقي ضيف
هي تلك الشابة التي جاءت من مدينتها
تطلب مزيداً من العلم ؟ فإذا بها لا تترك محرابه . تتبتل وتترهب في خدمته بجد
وكفاءة ودأب لا نظير له.. كان اتجاهها الأدبي والفكري والفلسفي والسلوكي إسلامياً
خالصاً.. فلم تأخذ بالقشور ولم تلفق، ولم توفق –ولكنها من الجيل الذي
غاص في أعماق ينابيع التراث ذاته .
الكاتب الراحل / أحمد
بهاء الدين