"قصر عابدين".. يحتوي 500 غرفة وآلاف التحف النادرة
على
أطلال منزل قديم كان يملكه تاجر تركي يدعى "عابدين" أمر الخديوي اسماعيل
ببناء "قصر عابدين" أحد أجمل قصور الدنيا والذي ظل مقراً لحكم مصر من
عام 1872 إلى 1952، واعترف السياسي البريطاني الشهير ونستون تشرشل في مذكراته أنه
كان يتمنى أن يعيش فيه ولو كان "جنايني" في حديقته !
يحتوي
قصر عابدين على نحو 500 غرفة وقاعة غير الممرات، والأرض من المرمر الملون، أما
الأبواب والنوافذ فلوحات فنية رفيعة بما عليها من رسوم ملونة تحكي قصصاً عاطفية
وتاريخية ، كان يطالعها سكان هذا القصر المنيف الذي أصبحوا هم أنفسهم جزءاً من
التاريخ !
وللقصر
عدة مداخل، أهمها المدخل الذى أطلق عليه اسم " باب باريس " الذى يقع فى
وسط السور الشرقي للقصر.. وقد أطلق علي المدخل هذا الاسم لأن " إسماعيل
باشا" كان يأمل فى الانتهاء من تشييد القصر وتأسيسه مع البدء فى احتفالات
افتتاح قناة السويس فى 17 نوفمبر 1869م لكى يستقبل فيه ضيوفه من ملوك وأمراء
أوروبا ودول العالم الأخرى وفى مقدمتهم الإمبراطورة أوجينى – زوجة الإمبراطور
الفرنسي نابليون الثالث- التى كانت السبب فى أن يطلق اسم "باريس" على
الباب تكريماً لها.
نابليون بونابرت احتل ممرات القصر كراهية في الإنجليز !
وكان
أبناء وأحفاد الخديوي "إسماعيل"، الذين حكموا مصر من بعده مولعين بوضع
لمساتهم على القصر، وعمل الإضافات التى تناسب ميول وعصر كل منهم... ومن ذلك ما قام
به الملك فؤاد الأول –ابن "إسماعيل" – والذى حكم مصر فى الفترة من عام
1917 إلى 1936م- بتخصيص بعض قاعات القصر لإعداد متحف لعرض مقتنيات
الأسرة من أسلحة وذخائر وأوسمة ونياشين وغيرها، ثم قام ابنه الذى حكم مصر من
عام 1936م إلى عام خاصة فى الأسلحة بأنواعها، وألحق بالمتحف مكتبة متخصصة فى هذا
المجال. وفى عهد الرئيس "محمد حسنى مبارك" عاد الاهتمام لهذا القصر
العظيم، فتم ترميمه ترميماً معمارياً وفنياً شاملاً... وقد شملت هذه الأعمال تطوير
وتحديث متحف الأسلحة بإعادة تنسيقه وعرض محتوياته بأحدث أساليب العرض مع إضافة
قاعة إلى المتحف خصصت لعرض الأسلحة المختلفة التى تلقاها الرئيس السابق " حسنى
مبارك" من جهات مختلفة. والمتحف الحربي بما شمله من تطوير وما يحويه من
مقتنيات، أصبح من المتاحف القليلة المتخصصة فى هذا المجال على المستوى العالمي.
كما تم إنشاء متحفين متخصصين آخرين،أحدهما خاص بمقتنيات الرئيس "مبارك"
وهى عبارة عن نماذج من الهدايا التى تلقاها فى المناسبات
الوطنية المختلفة،أو أثناء جولاته فى بلدان العالم. أما المتحف الثاني
فقد خصص لمقتنيات أسرة " محمد على باشا " من أدوات وأوانى من الفضة
والكريستال والبلور الملون وغيرها من التحف النادرة. وهكذا أصبح قصر عابدين مجمع
للمتاحف المتنوعة تم ربطها بخط زيارة واحد يمر من خلاله الزائر بحدائق القصر مما
يتيح للزائر المتعة الثقافية والترفيهية معاً. فتنة
نابليون
والظاهرة
التي تستلفت النظر في ممرات وطرقات قصر عابدين هي كثرة تماثيل القائد الفرنسي
الأشهر نابليون بونابرت ، وكل التماثيل الموجودة هنا اشتراها الملك فاروق بنفسه من
المزادات او ورثها عن أجداده الذين كانوا –مثله- مفتونين بنابليون ربما لأنه كان
رمز حب القوة والسيطرة ، وربما كراهية في الإنجليز !
الخديوي اسماعيل أمر ببناء القصر 150 لتسكنه أسرة محمد علي
أما
مجموعة الصيني المعروضة بالمتحف، والتى تخص بعض ملوك وأمراء "أسرة محمد
على" باشا فهي تبدو أقرب إلى قطع من التحف رغم كونها أدوات للمائدة ومن هذه
المعروضات قطع من أطقم صيني بيضاء اللون يحلي إطارها الخارجي شريط كحلي عريض محدد
بزخارف دقيقة مذهبة. كما يحلى هذه النوعية تاج ملكى مذهب يتوسط الشريط الكحلي أو
يتوسط ساحة القطعة من الصحاف –الأطباق- وهذه القطع تخص الملك "فؤاد
الأول" ابن خديوي "عباس". كما يعرض مجموعة مشابهة وإن اختلفت من
حيث وجود دائرة أسفل التاج المذهب بداخلها إسم "فاروق" مما يدل على أنها
تخص الملك "فاروق الأول" ابن "فؤاد".
وبهذا
القسم قطع من طاقمي صيني، بعضها محلى برسوم وورود وأزهار بأشكالها وألوانها
الطبيعية ويتوسط كل قطعة حرفي "ى ك " منفذين بشكل زخرفى وبحيث تقرأ من
اليمين ومن اليسار.. أما قطع المجموعة الأخرى فهى محلاة بزخارف نباتية ودوائر تشبه
الجديلة يتخللها أربع دوائر، ثلاث منها متشابهة بداخلها رسم لطائرين متقابلين
بينهما شجرة الحياة، ومن المعروضات مجموعة من طاقم أبيض خالى من الزخارف إلا من
خطين رفيعين مذهبين يحدان الإطار ويحصران على أحد جوانب الإطار حرفي " HB " منفذان بالتذهيب بشكل زخرفى بحجم كبير، ورغم خلو هذه
النوعية من الزخارف إلا أنها تظهر ذوق رفيع للغاية، وهى تخص الأميرة
"بهيجة" ابنة الأمير "حسن"، ابن الخديوي "إسماعيل"
وهى زوجة الأمير "عمر طوسون" حفيد الوالى "محمد سعيد" باشا.
ويعرض
بالمتحف أيضاً مجموعات من الكريستال تعكس ذوقاً رفيعاً ومهارة فائقة من حيث
الأسلوب الصناعي أو اللمسات الفنية التى بذل فيها الفنانون جهداً فكرياً يعبر عن
أحاسيس فنية راقية كما تدل المجموعات المعروضة عن الأسلوب الصناعي المتقدم فى
مراكز صناعة الكريستال فى القرن التاسع عشر بأوروبا وخاصة فرنسا وألمانيا وإنجلترا
والنمسا وغيرها. ويعرض بالمتحف مجموعات من الكريستال تمثل أدوات
للاستخدامات اليومية لبعض الملوك و الأمراء
من
أسرة "محمد على باشا"، عبارة عن دوارق وقنينات وكؤوس وأكواب وفناجين
مختلفة الأحجام والأشكال، والزخارف سواء المنفذة بالألوان أو بأسلوب القطع والتى
تتنوع ما بين النباتية والهندسية. والكريستال الملون يلفت الأنظار، فالفنان المصمم
قد مزج فى تناسق وتناغم ما بين رقة الكريستال والألوان المختارة، بعضها يتدرج من
اللون الفستقي الفاتح إلى الغامق فاللون النبيتى الفاتح ثم الغامق فى قطعة واحدة
كما هو منفذ فى مجموعات من أطقم تخص الخديوي "إسماعيل".
وقد
يفصل اللونين الفستقي والنبيتي الفتحين كل فى مجموعة، والمجموعتين متشابهتين فى
الشكل والتصميم ومختلفين فى الألوان كما هو الحال فى مجموعة الكريستال الخاصة
بالخديوي "عباس حلمى الثاني"، أو تظهر الألوان كبقع مربعة و مستطيلة
باللون البنفسجي مثل مجموعة الأمير "يوسف كمال". وكل قطع الكريستال
المعروضة عليها التاج الملكى والحروف الأولى من اسم الملك أو الأمير
بحروف أجنبية، أو الاسم كاملاً باللغة العربية.
من مقتنيات القصر: حامل طلقات هدية الملك عبد العزيز إلى فاروق
وفي
القاعة الخاصة بالأسلحة في قصر عابدين نقرأ قصة اختراع الأسلحة النارية ،ويرجح
معظم المؤرخين أن الصينيين هم أول من اكتشف البارود، ومن الصين انتشر فى العالم،
والطريف أن الفرسان الذين اعتادوا النزال بالسيوف والرماح لم يتقبلوا استخدام السـلاح
النارى ، و مثال ذلك أن أحد التجار استطاع الحصول
على سر السلاح النارى (المدافع والبنادق) من العثمانيين وهرب بالسر من الأستانة
(استانبول) إلى مصر وعرضه على السلطان "قنصوه الغورى" والمماليك ولكنهم
رفضوا تصنيعه واستخدامه، واعتبروه رمزا للغدر والجبن، بعكس السلاح الأبيض الذى
يظهر شجاعة الفارس ومهارته، وكانت النتيجة أن السلطان العثمانى "سليم الأول"
–سحق المماليك فى الشام واستولى عليها عام 1516م ثم دخل مصر عام 1517م. وتقوم فكرة
السلاح النارى على إشعال كمية من البارود تكفى لإطلاق مقذوف، وتتوقف كمية البارود
على حجم المقذوف، وقد توقف تطور السلاح النارى على كيفية إشعال البارود بأسلوب سهل
وسريع. كما يعرض فى هذا المتحف بعض الأسلحة الشراكية (الخداعية)، وهى عبارة عن
مجموعة من بنادق أو سيوف نفذت على شكل عصى مما يتوكأ عليها، و مجموعة من
السيوف و الخناجر المزودة بالمسدسات، فتجمع بين السلاح الأبيض و النارى معاً. وتضم
قاعات هذا القسم بقصر عابدين مجموعات نادرة من الأسلحة البيضاء، أخرجتها أيدى صناع
مهرة من بلاد العالم الإسلامى وأوروبا، من عصور مختلفة. ومن هذه الأسلحة فؤوس و
دبابيس قتال ، و مطارق و سيوف ، و خناجر ، و ياطاجانات (سيوف تركية قصيرة)، و
سكاكين، و أدوات صيد، و سيوف مبارزة (شيش). بعضها ذا مقبض و غمد من الذهب أو
الياقوت والزمرد والمرجان والفيروز... و غيرها من الأحجار الكريمة. حتى نصل إلى
السلاح لم يتركه الصانع الفنان دون زخرفته.
فعلى
البعض منها زخارف نباتية أو هندسية دقيقة التنفيذ، وعلى البعض الآخر كتابات قرآنية
أو أدعية وأشعار وأسماء أصحاب السلاح، نفذت جميعها بالتكفيت بأسلاك الذهب أو
الفضة.
وبجانب
أسلحة الهجوم توجد أسلحة دفاعية مثل الدروع، والتروس، والصدريات، والظهور،
والخوذات، وواقيات للأذرع والأرجل... عليها زخارف نباتية وكتابات أو رسوم لمعارك
منفذة بالتكفيت والتذهيب. كما يعرض (زرد) قميص مصنوع من نسيج معدنى لحماية المقاتل
أثناء المعارك، كان يستخدم فى العصرين الأيوبي والمملوكي، وقد صنع بأسلوب يعطى
للفارس حرية الحركة، بعكس "اللاما" المعروض منها نموذجين، أحدهما كان
يستخدمه الفارس الأوروبي فى العصور الوسطى، وكانت ثقيلة تجعل الفارس بطئ الحركة،
وعرضة للسقوط على الأرض والقضاء عليه.
و
من أهم المعروضات بهذا القسم :
سيف
للسلطان العثماني "سليم الأول"
سيف
وفأس قتال للسلطان "سليمان القانوني" –"ابن سليم"
سيوف
وخناجر خاصة بـ"محمد على باشا" سيوف وخناجر خاصة بـ"إبراهيم
باشا"–"ابن محمد على"- ..سيف خاص بـ"سليمان باشا الفرنساوى"
ناظر الحربية..فى عهد "محمد على باشا" ..سيف عليه اسم الملكة
"فيكتوريا" ..سيف خاص بالملك الإيطالى "غليوم" ..خنجر
خاص بالقائد الألمانى "روميل"
سيوف
وخناجر أهديت للملك "فؤاد" والملك "فاروق" من الملك "عبد
العزيز آل سعود" مؤسس المملكة العربية السعودية، والملك "محمد
الخامس" ملك المملكة المغربية، والملك "فيصل" ملك العراق، والأمير
"محمد آل خليفة"أمير البحرين، والإمبراطور "هيلاسيلاسى"
امبراطور الحبشة.
الملك فاروق أشترى سيف تتويج قياصرة روسيا من المزاد !
وهى عبارة عن ساحة عرض مكشوف، معروض بها مدافع
من طرز مختلفة، بعضها صنع فى مصر فى عهد "محمد على باشا" وخلفائه، ويرجع
صنعها للقرن التاسع عشر، منها مجموعة مدافع "هاون" متنوعة الأحجام،
بجانب مدافع الحصون ومدافع الميدان – معروض بعضها على الطريق المشهدى الموصل من
باب باريس حتى باب المتحف الحربي, بجانب مدافع أوروبية وأمريكية يرجع تاريخ صنعها
إلى القرنين 18م،19م منها مدافع متعددة المواسير، كما يوجد أنواع من
المقذوفات(دانات وقنابل) مما كانت تستخدم فى المدافع القديمة وبهذا القسم مقتنيات
وتحف متنوعة، منها مجموعة رائعة من أسلحة الصيد الثمينة المعروفة باسم "
هولند آند هولند" وهى أغلى أنواع بنادق الصيد فى العالم، بعضها لإطلاق
"الخرطوش" والبعض الآخر لإطلاق "الخرطوش والرصاص" معاً، وقد
سجل على بعضها اسم "الملك فؤاد" والبعض الآخر اسم "الملك
فاروق" والتاج الملكى وجميعها منفذة بالذهب. ويوجد
فى هذا القسم سيف نادر مرصع بالأحجار الكريمة بأحجام مختلفة بالإضافة إلى الزخارف
المنفذة بالمينا الملونة ويعرف باسم "سيف التتويج" حيث كان يتم به تتويج
قياصرة "روسيا"، وقد صنع فى ألمانيا... وكان "الملك فاروق" قد
اشتراه من أحد المزادات العالمية. كما يعرض طاقم "كمر" من الجلد الطبيعي
المحلي بالذهب المشغول لحمل طلقات الرصاص مهدى من الملك "عبد العزيز آل
سعود" إلى الملك " فاروق".
ومن
التحف المعروضة أيضاً الشارات التى كان يستخدمها رجال ونساء لبلاط الملكي فى
القصر وهى مصنوعة من الذهب المطعم بالماس. كما تعرض مجموعة من علب السجائر والنشوق
من الذهب عليها رسوم لمناظر طبيعية منفذة بالمينا الملونة... ومن بين المعروضات
أدوات مكتب خاصة بالملك " فاروق" بجانب مجموعات من نماذج لأسلحة بيضاء
ونارية صغيرة الحجم دقيقة الصنع، ومجموعات مختلفة من التحف الثمينة.
بهذا
القسم مجموعات رائعة من الأوسمة والنياشين والميداليات، بعضها صنع فى مصر وأغلبها
مصنوع فى أوروبا وآسيا وأفريقيا والأمريكتين. وأغلب هذه الأوسمة والنياشين تمنح
لمن يؤدون للبلاد خدمات جليلة تميزاً لهم عن غيرهم،كما أنها تمنح للملوك والرؤساء
والشخصيات التى لها مواقف تخدم قضايا الوطن...لمنح الأوسمة تقاليد و قواعد
" البرتوكول".. و هى تنقسم إلى أنواع منها قلادة، وشاح، نيشان،
نوط... وكل منها منقسم إلى طبقات، وتمنح كل طبقة منها حسب مستوى الشخص الذى تمنح
له أو الخدمات التى قدمها. وكان الأمراء يليهم النبلاء من أفراد أسرة "محمد
على" من حاملي القلادات والأوسمة والنياشين من الطبقات الأولى، يليهم
رئيس الوزراء، ثم كبار رجال الدولة. ولوضع الأوسمة والنياشين على الملابس أصول
وقواعد مدونة مع شهادة البراءة... حتى إذا ما حضر الحاصل عليها إحدى الحفلات أو
المناسبات الرسمية يقوم بوضعها فى المكان المحدد لها على صدره. أما الجلوس فى
المناسبات أو الحفلات الرسمية فيكون بترتيب خاص حسب اللوائح المدونة فى كتاب
"البروتوكول" الخاص بمنح الأوسمة والنياشين. والزائر لهذا القسم يستمتع
بمشاهدة التصميمات الرائعة والتنفيذ الدقيق فى الصناعة، وأغلبها من الذهب أو الفضة
أو البرونز المرصع بالماس والأحجار الكريمة والمموه بالمينا.