حكايات النسوة الفتوات.. الجنس المخيف!
حكاية
"الفتواية" عزيزة التى أوقفت موكب الخديوى عباس
فى النصف الأول من القرن العشرين عرفت مصر نوعاً غريباً
من النسوة "الفتوات" اللائى كانت هوايتهن خوض المشاجرات والمعارك، ودق
أعناق الرجال والنساء على السواء، ورغم أنهن –كما هو مفترض" فى عداد
"الجنس اللطيف" إلا أنهن اخترن أن يصبحن من "الجنس المخيف"!
فى تلك الأيام كان للفتوات "دولة" داخل
الدولة، ينفردن بها ويضعون قوانينها "بالباع والذراع" والسكاكين والمدى،
فيقمون بتنفيذها
بالقوة دون أن يستطيع أحد أن يكسر شوكتهم، إنها "دولة الفتونة" من يدخلها فقد امتلك الحي الذي يعيش فيه ..وأصبح ذا سطوة
وسلطان ..يأمر فيطاع ..وأوامره نافذة والويل لمن يعصى له أمراً .أما أن يسمع الناس
عن امرأة تقهر الرجال , وتجبي منهم الأموال , وتخضع بقوة عضلاتها , وشدة
بأسها" أحسن شنب في الحي" ,
وتعرف كيفية الضرب بالروسية " أى بالرأس في بعض
المعارك, وكيف يكتفي في بعضها الآخر بـ" شك مقلب " من شغل الحريم!
هو
الأمر الذي يثير الدهشة ويدعوا إلي الاستغراب!!..
وليس هذا القول حديث " خرافة ", أو
خيال متخيل, أو قصة روائي ,لكنه الحقيقة الواقعة ..
يقول
الباحث سيد صديق عبد
الفتاح عن نساء الفتونة: كان لهن باع طويل وأساليب مختلفة ..تختلف عن أساليب الرجال
من الفتوات في عالم "المجدعة".. ومن هؤلاء "عزيزة الفحلة"
فتوة حي (المغربلين) و"سكسكة" فتوة الجيزة ..و "أم حسن"
المشهورة بأم جاموسة والتى ظلت حتى عام 1952
على قيد الحياة ، تعيش في حي (السيدة زينب) -بعد أن هداها الله-وكانت تبيع
"الكرشة" ولحم الرأس بالأدب
وليس بالضرب!
عزيزة
الفحلة هذه أوقفت المرأة موكب "الخديوي عباس" وهو
يسير في الطريق –بما كان لها من قوة وسلطان .. ظلمها مأمور القسم ..فتطلعت إلى
(الحكمدار) ثم (المحافظ) .. فلم يفعلا شيئاً ..فلم تجد طريقة غير أن تتصدى لركب
(الخديوي) ..وتخرج عليه وهي تصيح قائلة: "مظلومة يا أفندينا ..مظلومة يا أفندينا". هذه الحادثة
جعلت "أفندينا" يأمر فوراً بحل مشكلة عزيزة "فتواية" المغربلين ..حتى لا تتعرض له في
الطريق مرة أخرى.
امرأة على سن ورمح
فى عام 1915 وفي سوق الخضار بحي "المناصرة" بالقاهرة كان يري السائر
هناك امرأة سمراء غليظة الجسم, واسعة العينين, مفتولة العضلات , قصيرة القامة
,كبيرة الرأس , شعثاء الوجه,مكفهرة الطلعة, تروح وتغدو في الشوارع والحارات.
مرهوبة الجانب ,مهيبة الخطوات, تشير بالسلام ذات اليمين وذات الشمال في تؤدة ووقار
,ككل ذي جانب مرهوب وزعامة مرموقة وكأنها سيدة البر والبحر!
فإذا
لقيها واحد من " الجدعان ولاد الحته " ,رأيتها تقبل عليه تتهادى ككسوة
المحمل, فتبتدره بصوتها الأجش مسلّمة ..ثم ترفع يدها الغليظة فتضرب بها كفه ضربة
قوية.. وتهزه هزاً عنيفاً , وتلك هي تحية الفتوات ويحييها هو بما يليق بمقامها السامي و" جدعنتها
" المعترف بها من الجميع، وهذه
هي "زكية" .. التي كانت فتواية سوق الخضار وحي " المناصرة " علي سن
ورمُح..
المعلمة
"توحة" المرأة التى هزمت 20 رجلاً بمفردها!
ليس
في أهل الحي من يُنكر خطر
"زكية", أو يجهل قدرها, فقد كانت المرأة الشديدة البأس ..
القوية المراس.. السليطة اللسان.. الجبارة العاتية .. التي لا يقوي رجل-مهما بلغ
من القوة والبسالة- أن يقف في سبيلها أو يعترض على أوامرها، فكل أهالى الحى اختلاف طبقاتهم لابد أن يقدموا لها " ضريبة " معلومة
يدفعها كل منهم صاغراً ومن
أراد أن يكتفي بعين واحدة بدل عينين , وسبعة أصابع بدل عشرة.. ونصف رأس بدل رأس
كاملة فليعص لها أمراً
وكانت "الفتوة زكية" تجلس أكثر يومها بمحل بائع سجاير
تدخن وتطلب "التعميرة الحمي" من القهوة البلدية المجاورة للمحل ..ويمر
بها أهل الحي في غدوهم ورواحهم فيحيونها تحية الإكبار والإجلال والويل والهلاك لمن
تحدثه نفسه بأن يتغاضى عن مكانها أو يغفل تقديم التحية إليها، فإذا أقبل الليل طافت بمنقطة
نفوذها وعرجت على سوق الخضار في طريقها ..ثم ذهبت إلى "الحارة" فجلست
أمام منزلها لتمضي بقية السهرة مع جاراتها وجيرانها وجلست منهم جميعاً مجلس
الزعامة ..فلا يخالفها فيما تقول أحد ولا يعترض إرادتها معترض ..
زواج مهرة معركة!
أما "جليلة" فتواية الجيزة
المشهورة فى عام 1958 فكانت
"معلمة" وصاحبة قهوة معروفة ..وتركت
الخناق والمشاجرات ، ونزلت إلى العمل الحر ، لتحمل "الشيشة" و
"تطلع بالمظبوط" وكان
كثير من الغرباء يأتون إلى القهوة لرؤية صاحبتها فقط التي كانت تتمتع بالشهرة في
جميع أنحاء البلاد ..
و"كانت" جليلة تقول أحياناً في عصبية:
"خلاص .. خللي الواحد يعيش كدة أحسن ..أحسن من الضرب والقرف اللي جاب لنا
المصايب"، فقد كرهت
"جليلة" كل مظاهر
"الفتونة" بعد الحادثة التي راح ضحيتها أخوها ، ودخل أبناؤها الثلاثة
السجن إذا حدث أن تشاجرت (مها) زوجة أخيها
مع ابن (جليلة) الأكبر (محمد) ..ووصل خبر هذه المشاجرة إلى أخيها (مرسي) .. الذي
ذهب إلى القهوة التي يعمل بها أبناء (جليلة) الثلاثة وبدأ يعاتب (محمد) فتطور العتاب إلى
مشاجرة بالكراسي والسكاكين ..وانتهت المعركة بمقتل (مرسي) ودخول أولادها الثلاثة السجن وكانت عينا
(جليلة) تدمعان وهي تقول:
"أنا
أصلي أحب الحق ، حتى ولو كان على أولادي ..ولهذا ساعدت الحكومة في القبض عليهم ، وشهدت ضدهم أمام "النيابة".
وكان
كل الناس يتحدثون عن "عباس" زوج "جليلة" وعن
رجولته وسيطرته القصوى عليها ..ويتحدثون أيضاً عن حب واحترام (جليلة) له ..وكانوا
يروون : أن لقصة زواجه بجليلة حكاية غريبة، فقد شاهدها "عباس" في معركة ،
وأعجب بالقوة التي كانت تتمتع بها ..فذهب إلى أخيها ليطلب يدها وحدثها أخوها في
هذا الشأن ..فرفضت الزواج منه إلا بعد أن يثبت قوته وشجاعته ..وأخذته إلى مشاجرة بالسكاكين وطلبت منه أن
يتدخل لفضها ..وإذا استطاع أن يفضها
..فستكون زوجته ، وإذا لم يستطيع ..فلن تتزوجه ..ودخل عباس المشاجرة ..واستطاع
بقوته البدنية أن يفضها في سهولة تامة .. وتزوجته (جليلة) .. ومنذ ذلك اليوم أصبحا
أسعد وأقوى زوجين!
الوفديون
يهتفون: يارب إهلك "سكسكة" فى يوم حرب مهلكة
وكانت
"جليلة" لا تدخل أي مشاجرة لمجرد
(الشجار)
فقط ..ولكنها كانت تدخل المشاجرات بدافع من الشهامة وحماية الضعيف من القوي .. ويروي
أهل منطقتها .. أن نسبة الطلاق في حارتها.. كانت نادرة ذلك لأنها كانت تذهب إلى أي زوج يتشاجر مع زوجته في الحال.
كما
أن أهل حيها بالذات .. من النادر أن تصل مشاجراتهم إلى (البوليس) ..لأنها دائماً
تنهيها قبل تدخله ، وتعاقب الظالم والغريب في الأمر أن أخا ( جليلة) " قرني "
متزوج من ثلاث زوجات ..وتعيش الزوجات الثلاث في مكان واحد مع جليلة..
و
استطاعت جليلة بواسطة شخصيتها وقوتها أن تسيطر عليهن سيطرة تامة ,حتى أن أي خلاف
بينهن ينتهي في الحال لمجرد علمهن بأن جليلة ستتدخل فيه .. وبهذه الطريقة تعيش
الثلاثة ضرائر مع بعضهن تحت سقف واحد وفي غاية الانسجام.
كانت
أجمل ذكريات جليلة هي الذكرى التي كانت ترويها عن الانتخابات التي حدثت عام 1950
..وهي أن أحد أبناء الحي قد قام بترشيح نفسه أمام مرشح معروف من "حزب الوفد" فتعصبت لابن حيها ..وبدأت تقوم بحملة دعاية واسعة
النطاق له ..فكانت تلبس فيها ملابس الرجال ..تزين صدرها بشريط مثل الشريط الذي
يلبسه المحامون ..وكانت تجوب الشوارع بالعربة (الكارو) وتصفق وتهتف بحياة إبن حيها، كان منافسها يخاف منها ، و من الطريقة التي كانت
تتبعها ..فأرسل إليها بعض أتباعه لمساومتها للانضمام إلى حزب "الوفد" فى صفقة سياسية نادرة!
ولكنها جليلة رفضت ..وهاجمته في كل مكان يذهب
إليه حتى أن العضو في يوم الانتخابات طلب بنفسه الحماية منها في (البوليس) ..واضطر
إلى أن يؤلف لجنة لمحاربة الدعاية التي كانت تقوم بها "جليلة" وأعوانها
وكانت اول اشاعات تلك اللجنة هي إطلاق كلمة (سكسكة) عليها ..وكانوا يؤلفون الشعر
في هجائها وكان من هذه الأشعار التي القوها فى مظاهراتهم ضدها :(يارب أهلك "سكسكة" في يوم
حرب مهلكة).
المذبحة
ألقى البوليس القبض على المعلمة "توحة"
فتوة المطرية لأنها ضربت
5رجال وسيدتين في معركة وأغلقت
المنازل والدكاكين في شارع بأكمله كانت تجري في الشارع وفي يدها السكين والمبرد ..لم
يجرؤ أحد على التعرض لها عندما حضر البوليس استسلمت بلا مقاومة، وكان سبب كل المعارك التي دخلتها
"توحة" هو زوجها ..إنها لا تطيق أن تراه في خطر إنها تسرع إلى نجدته
وتبدأ المعركة وتنتصر "توحة" دائماً ..لقد ضربت "توحة" قبل
ذلك 20رجلاً ولها معارك كثيرة في حي (المطرية) لتأديب أعداء زوجها من الرجال.
في
عام 1951 دق التليفون في مكتب مفتش بوليس (المطرية) وقال المتحدث: الحقونا
..المعلمة توحة ذبحة خمسة وقفلت الدكاكين في شارع الشهانية وقبض البوليس على المعلمة وقفت بجانب
ضحاياها والدم يقطر من سكين في يدها ولا أحد أمامها !
بدأت
القصة عندما توجه سيد أبو اليسر وهو قزم طوله متر واحد وعمره 30 عاماً يطالب زوج "توحة" بدين قدره
60قرشاً وهددها القزم بإبلاغ البوليس إن لم يدفع المبلغ! ولم تعجبها هذه اللهجة فشتمته وكانت "نعناعة"
والدة "سيد" القزم تستمع
لهذه المناقشة وفجأة أفرغت صفيحة ماء على رأس المعلمة، وما كادت المعلمة
"توحة" تتنبه حتى تناولت سكيناً بيدها اليمنى ومبرداً باليد الأخرى
وهجمت على القزم "سيد" وطعنته في رأسه بالسكين ثم عجلته بروسية في وجهه
فسقطت أسنانه وشاهده شقيقه إبراهيم فجرى هرباً وأراد أن يدخل منزله ..ولكن توحة
لحقت به عند عتبة الباب وطعنته بالمبرد في ذراعه فسقط مضرجاً فى دمائه.
الفتواية
"جليلة" دخول العريس معركة بالسكاكين!
وتصادف
مرور رجلين حاولا إنهاء الخناقة فضربتهما "توحة" بالروسية فسقطا على
الأرض ..وعندما أفاقا أسرعا بالفرار ، ولم يبلغا البوليس !
وأمام
هذه المذبحة , والصرخات التي تعالت وسمعها سكان المطرية.. والسكين والمبرد يقطران
دماً، والمعلمة "الهائجة" تضرب كل من من يقترب منها، أمام كل هذا لم يستطيع أحد من الأهالى
أن يتقدم لإنقاذ أسرة
"أبو اليسر" وأغلقت المنازل والدكاكين أبوابها وأصيب السكان بالرعب عندما تصوروا أن "توحة"
ستقتحم البيوت لتذبح من بداخلها إلى أن رأت الأم "نعناعة" ما حدث
لولديها فنزلت وتلقتها المعلمة الهائجة بعدة طعنات فى يدها ووجهها، وجذبتها من
شعرها وسقطت بجوار ولديها، وحضرت
أم "نعناعة" العجوز وهى تلطم خديها، ولكن المعلمة استقبلتها
"بروسية" سقطت على أثرها العجوز والدماء تنزف من أسنانها.
وعلم الأب بما جرى لأفراد أسرته، فذهب
مسرعاً إلى مكان الحادث وفي هذه الأثناء تمكن أحد الأهالي من الاتصال تلفونياً
بالبوليس وقبض على "توحة" ونقلت الإسعاف الضحايا الخمسة!
فشل
في الحب
بدأت حياتها
عام 1928 باسم "فاطمة محمد سالم".. ولدت فى مدينة بلبيس بدلتا مصر وعندما وعت الدنيا وجدت نفسها
إبنة لعجوز ضرير كانت تسحبه ليقرأ القرآن نظير قروش يعيش عليها، وأنها بلا أم وكثيراً
ما قضت أياماً
جائعة تنتظر أباها حتى يعود بالطعام.
وعندما بلغت
الثانية عشرة زوجها والدها من مزارع اسمه "نظير" كان متزوجاً لفاطمة "ضرة" تعذبها، وزوج لا
تطيق رؤية وجهه فعاشت
فى عذاب إلى
أن طلقها زوجها.
وأرادت "فاطمة" أن تكسب عيشها بعرقها
إشتغلت فى مصنع للغزل بأجر "11 قرشاً" فى اليوم! وفى هذه الفترة من حياتها إلتقت بـ
"عبد الستار" زوجها الذى كان سبب المذبحة وكانت أمها تسكن فى منزله
وكانت تشكو له تصرفات زوجها السابق
فعطف عليها ثم أحبها ووعدها بالزواج. كيف تدافع عن نفسها بضرب كل من يتعرض لها ونفذت
نصيحته خرجت من المصنع وإلتقت بزوجها السابق، وحاول أن يكلمها فضربته علقة فطلقها
على أثرها وأصبحت حرة وعرفت –لأول مرة- كيف تنتزع حقوقها من الناس بالضرب
وبالفتونة.
وتزوجت
فاطمة من عبد الستار سنة
"1950"، ثم عملت كومبارس فى السينما ومرت فترة من السعادة لم تنسها
وخلال هذه الفترة كان "عبد الستار" يدربها كل يوم على أعمال
"الفتونة" كان يضربها ضرباً مبرحاً لتتعلم علمها ضرب
"الروسية" واستعمال "السكين" وسرعان ما أتقنت هذه العملية
لأنها –على الأقل- كانت مقتنعة بها!
وطارت
شهرتها بين الناس، ثم استمعت إلى تمثيلية "توحة" فى الإذاعة، ووجدت
بينها وبين الشخصية الإذاعية شبهاً كبيراً.. فقررت أن تطلق على نفسها هذا الإسم، ثم دخلت فى معارك ومشاجرات لا تنتهى وصارت متهمة
فى عدة قضايا ضرب، اعتدت
على تومرجى وعسكري من حرس الجامعة فى مستشفى الدمرداش فأحدثت به عاهة مستديمة، وضربت
أكثر من عشرين رجلاً وضربت
منهم مخبر من مكتب التموين فأصابته،
وحبست عدة مرات بسبب قضايا الضرب، وكانت متهمة فى قضيتين جديدتين أمام محكمة مصر
القديمة لضربها سيدة كانت صديقة زوجها، ثم عاشت "توحة" حتى بلغت من الكبر عتياً
وتابت عن أعمال الضرب والفتونة فى أخريات حياتها.. مزعمة طبعاً!