زهران ممداني | صعود صوت مسلم في قلب نيويورك
في مشهد سياسي أمريكي تتزايد فيه الدعوات للتنوع والتمثيل الحقيقي، يبرز اسم زهران ممداني (Zohran Mamdani) كأحد أبرز الوجوه السياسية الصاعدة في الولايات المتحدة.
المرشح المسلم، ذو الأصول الإفريقية والجنوب آسيوية، يخوض سباقًا تاريخيًا نحو منصب عمدة مدينة نيويورك، المدينة التي تُعدّ قلب السياسة والاقتصاد والثقافة الأمريكية.
ترشّح زهران ممداني لا يمثل مجرد حملة انتخابية، بل هو تحوّل رمزي وثقافي يعكس تنامي حضور المسلمين والمهاجرين في مواقع صنع القرار داخل أمريكا.
من أوغندا إلى نيويورك.. رحلة مهاجر يصنع الفارق
وُلد زهران ممداني في كمبالا، عاصمة أوغندا، لعائلة ذات جذور هندية جنوب آسيوية. انتقل إلى نيويورك في طفولته مع أسرته، حيث نشأ في حيّ كوينز متعدد الثقافات.
حصل على درجة البكالوريوس في الدراسات الإفريقية من كلية Bowdoin بولاية ماين، ثم عمل في مجال منع حجز الرهون العقارية، مساندًا الأسر الفقيرة والمهاجرين في مواجهة الإخلاء السكني.
هذه التجربة الميدانية شكّلت وعيه الاجتماعي والسياسي، ودفعته لاحقًا للترشح إلى مجلس ولاية نيويورك عام 2021، ممثلًا عن الدائرة 36 في كوينز، حيث اكتسب شعبية كبيرة بين سكان الحي بسبب نشاطه القريب من الناس.
برنامج زهران ممداني الانتخابي: العدالة الاجتماعية أولاً
يركّز برنامج زهران ممداني على مجموعة من القضايا التي تمس الحياة اليومية للمواطنين في نيويورك، مستمدًا روحه من الفكر التقدّمي الذي يدعو للمساواة الاقتصادية والاجتماعية.
1. السكن بأسعار عادلة
يعتبر زهران ممداني أن أزمة السكن هي أحد أخطر التحديات التي تواجه سكان نيويورك.
اقترح خطة لتجميد الإيجارات في الوحدات السكنية المستقرة (Rent-Stabilized Units)، مع تعزيز برامج الإسكان العام، وتوسيع الدعم للمستأجرين ذوي الدخل المحدود.
2. النقل المجاني للجميع
في خطوة لافتة، دعا إلى جعل الحافلات العامة مجانية لجميع السكان، معتبرًا أن النقل حق أساسي وليس ترفًا.
تهدف خطته إلى تسهيل حركة العمال والطلاب وكبار السن، وتقليل الانبعاثات الكربونية في المدينة.
3. متاجر غذاء مملوكة للمدينة
من الأفكار الأكثر جرأة في برنامجه: إنشاء سلاسل متاجر بقالة تابعة للحكومة المحلية، تقدم المنتجات بأسعار منخفضة وجودة عالية، لتقليل الاعتماد على الشركات الكبرى التي تحتكر السوق.
4. ضرائب تصاعدية وتمويل عادل
يقترح زهران ممداني فرض ضرائب أعلى على أصحاب الدخل الكبير والشركات العملاقة لتمويل هذه المبادرات الاجتماعية، في محاولة لتحقيق التوازن بين الطبقات وتحسين الخدمات العامة.
زهران ممداني.. المرشح التقدّمي الذي يغيّر قواعد اللعبة
يُعتبر زهران ممداني من رموز التيار التقدّمي داخل الحزب الديمقراطي، وقد حاز دعم فئات واسعة من الشباب والمهاجرين والناشطين الاجتماعيين.
حملته الانتخابية اعتمدت على التمويل الجماهيري الصغير (Small Donors) بدلاً من تبرعات رجال الأعمال، مما عزز صورته كـ"مرشح الشعب" الذي يقف ضد نفوذ المال في السياسة.
ورغم المنافسة الشرسة مع شخصيات معروفة مثل أندرو كومو، تمكن ممداني من حصد ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية، ليصبح أول مسلم يقترب من الفوز بعمدة نيويورك.
انتقادات ومواقف مثيرة للجدل
واجه زهران ممداني خلال حملته عدة انتقادات، أبرزها:
- 
قلة الخبرة التنفيذية مقارنة ببعض منافسيه القدامى.
 - 
تعرضه لهجوم إعلامي بعد الكشف عن إقامته في شقة مدعومة بالإيجار رغم دخله الجيد.
 - 
اتهامات سياسية بمحاولته تمرير أجندة "اشتراكية"، وهو ما نفاه قائلًا إنه يدافع فقط عن "عدالة توزيع الفرص والثروات".
 
كما أثارت بعض مواقفه من قضايا الشرق الأوسط نقاشًا واسعًا، خاصة في أوساط الجالية اليهودية بنيويورك، إلا أنه أكد أن حملته تركز على شؤون المدينة الداخلية وليس السياسة الخارجية.
زهران ممداني.. رمز التعددية في أمريكا الجديدة
ترشّح زهران ممداني يمثل أكثر من مجرد سباق انتخابي؛ فهو يعكس تحوّلًا ثقافيًا عميقًا في الولايات المتحدة، حيث تتقدم أصوات المهاجرين والمسلمين نحو مواقع القرار.
ففوزه المحتمل سيجعل منه أول عمدة مسلم وأول عمدة من أصول جنوب آسيوية في تاريخ نيويورك، المدينة التي لطالما كانت عنوانًا للتنوع والاندماج الثقافي.
خاتمة: من الهامش إلى مركز القرار
سواء فاز زهران ممداني بمنصب العمدة أم لا، فإن ترشّحه نفسه شكّل حدثًا فارقًا في تاريخ نيويورك الحديث.
لقد أثبت أن السياسة الأمريكية لم تعد حكرًا على فئة بعينها، وأن أصوات المهاجرين باتت قادرة على تغيير مسار المدن الكبرى.
إنه نموذج لجيل جديد من السياسيين الشباب الذين يجمعون بين الجرأة والإنسانية، ويسعون لإعادة تعريف مفهوم القيادة في القرن الحادي والعشرين.


