صالح الجعفراوي: قصة الشهيد الفلسطيني الذي حوّل الكاميرا إلى سلاح مقاومة
صالح الجعفراوي | حين تصبح الكاميرا سلاحًا
في قلب العدوان والحصار، ووسط غبار الحرب التي لا تنتهي في غزة، برز الشاب الفلسطيني صالح الجعفراوي كصوتٍ حرّ لا يعرف الصمت. جمع بين الصحافة والمحتوى الرقمي ليصنع من الكاميرا درعًا للمظلومين وسلاحًا للحقيقة.
استشهد الجعفراوي في أكتوبر 2025 بعد رحلة قصيرة في الزمن، لكنها غنية بالعطاء والإلهام. من بين الركام والدماء، ظل صوته يوثّق ويشهد، حتى صار رمزًا للصحافة المقاومة في فلسطين والعالم العربي.
من هو صالح الجعفراوي؟ النشأة والبدايات
ولد صالح الجعفراوي في غزة عام 1997، ونشأ في بيئة مثقلة بالحصار والمعاناة اليومية. منذ صغره، أدرك أن معركة الفلسطيني ليست فقط بالسلاح، بل بالكلمة والصورة أيضًا.
تخرج في الجامعة الإسلامية في غزة عام 2019 بشهادة في الصحافة والإعلام، وبدأ مسيرته المهنية كمراسل ومصور ميداني. استخدم هاتفه وكاميرته لتوثيق القصص التي لا تصل إلى وسائل الإعلام الكبرى: قصص الناس البسطاء، الذين يعيشون رغم الألم.
مسيرة إعلامية من قلب الميدان
صالح الجعفراوي المؤثر الرقمي والصحفي الميداني
مع اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، تحوّل الجعفراوي إلى أحد أبرز الوجوه الإعلامية الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي.
كان يبث مقاطع مصورة من قلب الأحداث، تظهر الدمار والضحايا والبطولة في آنٍ واحد. وسرعان ما تجاوز عدد متابعيه المليون على إنستغرام وتويتر ويوتيوب.
لم تكن مقاطع صالح الجعفراوي مجرد أخبار عاجلة، بل كانت قصصًا إنسانية نابضة؛ أطفال يضحكون رغم الخوف، أمهات يطبخن وسط الأنقاض، ومواطنون يعيدون بناء حياتهم بالإصرار لا باليأس.
رسالة الأمل وسط الرماد
رغم المآسي التي كان يوثّقها، أصرّ صالح الجعفراوي على بث الأمل من خلال محتواه. كان يقول دائمًا إن “الحياة في غزة أقوى من الموت”.
كان يهدف إلى إظهار أن الفلسطينيين ليسوا مجرد ضحايا، بل أصحاب إرادة وصمود. ومن هنا، استحق أن يُلقب بين متابعيه بـ “صوت غزة الأصيل”.
التهديدات ومحاولات إسكات الحقيقة
نشاط صالح الجعفراوي الواسع جعله هدفًا مباشرًا لحملات التشويه والتهديد.
اتهمته صفحات إسرائيلية ووسائل إعلام موالية للاحتلال بأنه ينتمي إلى “الجناح الإعلامي لحماس” أو أنه “يستخدم محتوى مفبركًا”، في محاولة لتقويض مصداقيته.
لكن الجعفراوي كان يردّ بابتسامة قائلاً:
“أنا لا أهاجم أحدًا، أنا فقط أُظهر الحقيقة، والحقيقة وحدها تُخيفهم.”
ومع تصاعد شعبيته، وردت تقارير عن إدراجه ضمن قوائم الاستهداف من قبل الجيش الإسرائيلي، شأنه شأن العديد من الصحفيين الفلسطينيين.
تفاصيل استشهاد صالح الجعفراوي
في مساء 12 أكتوبر 2025، وبينما كان يوثّق قصفًا إسرائيليًا جديدًا في جنوب غزة، استهدفت غارة جوية المنطقة التي كان يتواجد فيها.
نُقل إلى مستشفى المعمداني جثمانًا هامدًا، ليُعلن عن استشهاد صالح الجعفراوي رسميًا.
آخر كلماته قبل دقائق من استشهاده كانت مؤثرة:
“حتى لو متنا، الصور ستبقى تشهد على ما جرى.”
وبالفعل، بقيت تلك الصور، وبقيت كلماته شاهدة على أن الحقيقة لا تُقتل.
ردود فعل النشطاء والدول والمنظمات على استشهاد الجعفراوي
1. الحزن الشعبي والحداد في غزة
عمّ الحزن أرجاء القطاع فور انتشار نبأ استشهاده. خرجت مسيرات رمزية، ورفعت صوره على الجدران والصفحات الرقمية.
نقابة الصحفيين الفلسطينيين نعت الشهيد قائلة:
“صالح الجعفراوي لم يكن مجرد صحفي، بل كان ضميرًا حرًّا نقل معاناة غزة للعالم بعدسته الصادقة.”
كما نشرت عشرات الصفحات الفلسطينية والعربية مقاطع أرشيفية له وهو يبتسم وسط الدمار، لتتحول ابتسامته إلى رمز للمقاومة الإعلامية.
2. التفاعل العربي والدولي
تصدر وسم #صالح_الجعفراوي مواقع التواصل في العالم العربي، حيث نعاه آلاف النشطاء والصحفيين.
الصحفية اللبنانية ديما صادق كتبت:
“رحل الجعفراوي، لكن عينه التي رأت الحقيقة ستبقى ترينا الطريق.”
في تونس والأردن ولبنان، أقيمت وقفات تضامنية رمزية، رفع فيها المشاركون لافتات كتب عليها:
“العدسة لا تُقتل.”
العديد من المنصات الإعلامية العربية والدولية بثّت تقارير عن استشهاده، مؤكدين أنه “دفع حياته ثمنًا للحقيقة”.
3. بيانات الإدانة الدولية
-
منظمة مراسلون بلا حدود (RSF): أدانت استهدافه وطالبت بتحقيق دولي في مقتل الصحفيين بغزة.
-
لجنة حماية الصحفيين (CPJ) في نيويورك: وصفت اغتياله بأنه “تذكير مأساوي بأن الحقيقة أصبحت هدفًا في الحروب الحديثة”.
-
وزارة الخارجية القطرية: عبّرت عن “إدانة شديدة” لجريمة استهدافه، مؤكدة أنه “نموذج للصحافة الحرة التي تواجه الظلم بالحقيقة”.
-
كما صدر بيان من الأمم المتحدة أعرب عن “قلق بالغ تجاه استمرار قتل الصحفيين في غزة”، في إشارة واضحة إلى حادثة استشهاده.
إرث صالح الجعفراوي وأثره الإنساني
لم يكن صالح مجرد شاب فلسطيني موهوب، بل أصبح رمزًا عالميًا للإعلام المقاوم.
تحوّل اسمه إلى مصدر إلهام لجيل كامل من الصحفيين والنشطاء الذين يؤمنون بأن الصورة يمكن أن تكون سلاحًا أقوى من الرصاصة.
سيبقى إرث صالح الجعفراوي علامة مضيئة في تاريخ الصحافة الفلسطينية، تمامًا كما بقيت ذكرى شيرين أبو عاقلة ورُشدي السراج ويوسف أبو حسين.
فقد أثبت أن الصحفي لا يحتاج إلى منصة عالمية ليُسمع صوته، بل يكفي أن يمتلك الشجاعة ليقول: “هذه هي الحقيقة”.
من العدسة تبدأ المقاومة
استشهاد صالح الجعفراوي ليس نهاية قصة، بل بداية لوعيٍ جديد حول دور الصحافة في زمن الاحتلال والحصار.
لقد أثبت أن الكلمة قد تفتح جبهات لا تُرى، وأن العدسة يمكن أن تُحدث زلزالًا في الضمير العالمي.
رحل الجعفراوي، لكن صوره تبقى تتكلم، وابتسامته تذكّرنا دائمًا أن الحرية تُكتب بالضوء، وأن الصحافة الحرة هي الوجه الآخر للمقاومة.