السيكوباتية هي اضطراب في الشخصية يتسم بنقص شديد في التعاطف أو الشعور بالذنب، مع ميل شديد نحو ممارسة السلوك المتهور والمحفوف بالمخاطر. وقد تم النظر لسنوات طويلة إلى السيكوباتية على أنها شخصية سلبية تماما وغير قادرة على التكيف، مع ارتباطها الشديد بالسلوك الإجرامي والخلل الاجتماعي.
وبالتالي كانت دراسة الشخصية السيكوباتية تتم في المصحات النفسية والسجون، وكان أول من وضع ملامحها بوضوح هو الطبيب النفسي الأمريكي هيرفي كليكي في كتابه The Mask of Sanity عام 1941، مؤكدًا أنها شخصية ساحرة للغاية ظاهريًا، لكنها في الحقيقة شديدة الأنانية مع جوهر معادي للمجتمع بشدة. إذ استمد رؤيته هذه من الأشخاص الذين رآهم في مراكز الطب النفسي، وهو نفسه من أطلق على القاتل المتسلسل تيد بندي صفة المختل العقلي أو السيكوباتي.
في السنوات العشرين الأخيرة ومنذ بداية الألفية الثالثة تحديدًا، ظهر مجموعة من أطباء علم النفس الذين طرحوا فكرة "السيكوباتيين الناجحين". وهم أشخاص لديهم ميول سيكوباتية مخيفة لكنهم قادرين في الوقت ذاته على البقاء بعيدًا عن المشاكل مع النجاح في استثمار هذه السمات بطريقة أو بأخرى.
هل فعلًا توجد سمات محددة للسيكوباتيين الناجحين؟
في الحقيقة لم يتوصل العلماء إلى إجماع بشأن سمات السيكوباتية الجيدة أو الناجحة، ولم يحددوا بدقة الفرق بينها وبين الشخصية العدائية للمجتمع أو التي توصل بصاحبها إلى السلوك الإجرامي. لكن يوجد عمل جماعي لإعادة تأهيل مفهوم السيكوباتية.
أدى هذا المفهوم للنظر إلى السيكوباتية بشكل مختلف، وفتح أبوابًا جديدة أمام الباحثين، فلم يعودوا بحاجة للعمل في السجون لدراسة السكيوباتية، وأصبح بإمكانهم التعامل مع الأشخاص العاديين في المجتمع المحيط بهم، وفحصهم بحثًا عن سمات معينة، والتدقيق في كل من السلوك والطبيعة البيولوجية أيضًا سواء على مستوى الشكل أو التعرض للأمراض أو غيرها.
ما هي سمات السيكوباتي الناجح من وجهة النظر الحديثة؟
قد ترفض مثل كثيرين غيرك ربط فكرة النجاح بالسيكوباتية، ففي دراسة أُجريت على 1000 شخص عام 2021 رفض الكثير منهم ربط عبارات إيجابية مثل الجرأة والقيادة وغيرها بالأشخاص السيكوباتيين، وفضّلوا بدلًا من ذلك وصفهم بعبارات مثل العدوانية وكسر القواعد والإدمان. لكن يوجد بعض السمات المحددة للسيكوباتي الناجح في العصر الحديث، أهمها:
الجرأة.. سمة أساسية للشخصية السيكوباتية
تعد الجرأة من السمات الإيجابية لدى كل الناس على الإطلاق، ولكن يعتقد علم النفس الحديث بقيادة مجموعة من العلماء مثل كريستوفر باتريك ولويز والاس أنها من أكثر السمات الموجودة في الشخص السيكوباتي الناجح. إذ يؤكدون أن السيكوباتية هي مزيج مركب من مجموعة سمات متفاعلة، وفيما يتعلق بالجرأة، فيمكن التعبير عنها بأنها سمة في شخص لا يخاف بسهولة مع التمتع بالكثير من الحزم والقدرة على الهيمنة على الآخرين. وتلك الصفات متوفرة جميعها في الشخصية السيكوباتية.
بالطبع لاقت هذه النظرية الكثير من الاعتراض بناء على المفاهيم السابقة للشخصية السيكوباتية، ولا يظن العلماء أن الجرأة اختلال عقلي أو سيكوباتية. لكنها بالتأكيد تتضمن قدرًا كبيرًا من التخلي عن الذات وحب المخاطرة، وهو ما يجعل الشخص السيكوباتي قادر على التفوق للغاية في المناصب القيادية تحديدًا.
العمل تحت الضغط والحزم في اتخاذ القرارات
يمكن أن تفيد بعض سمات السيكوباتية في وظائف تتطلب التوازن والهدوء مع التمركز حول الذات والافتقار للومها. وهو الأمر الذي تحتاج إليه الكثير من الشركات في تعيين المدراء التنفيذيين تحديدًا. فلا حاجة إلى مدير يُظهر الكثير من التعاطف أو يصعب عليه اتخاذ القرارات العنيفة أو السريعة. بالإضافة إلى مهامه في التواجد طوال الوقت والعمل تحت ضغوط كبيرة.
على سبيل المثال: أُجريت دراسة عام 2016 للموظفين في وكالة إعلانات أسترالية. وجدوا فيها أن كبار المدراء التنفيذيين سجلوا درجات أعلى من الموظفين المبتدئين على مقياس السلوكيات المرتبطة بالسيكوباتية مثل؛ الظهور بشكل ساحر ولطيف للغاية في البداية مع الهدوء والتوازن، ولكن في الوقت ذاته لوحظ تمركز كبير حول الذات مع افتقارها للرحمة والتعاطف.
السرعة والاندفاع في الأعمال البطولية
يوجد أعمال معينة مثل؛ مطاردة المجرمين وإنقاذ الناس من الحرائق والغرق أو حتى الخضوع لتجارب جديدة. كل ذلك يتطلب قدرًا من التهور الذي يضعه بعض العلماء حاليًّا ضمن صفات السيكوباتيين الناجحين. ففي دراسة أُجريت عام 2018 وُجد أن ضباط الشرطة في مواقع الجرائم الخطيرة سجّلوا درجات أعلى بكثير من المدنيين في مقياس السيكوباتية، بما في ذلك الجرأة والشجاعة وعدم الخوف والتخلي عن الذات.
السحر والجاذبية
مدير المبيعات هي وظيفة مطلوبة جدًّا في هذا العصر، إذ تتطلب شخصية جذابة وساحرة تستطيع السيطرة على من أمامها. لذا طُلب إعلان لهذه الوظيفة يتطلب بشكل صريح شخصًا لديه السمات الإيجابية للسيكوباتيين. فمثل هذه الوظائف تتطلب فهمًا عميقًا لنفسية الجمهور، والقدرة في الوقت ذاته على التقرب منهم وإقناعهم مع ثقة شديدة في النفس.
إذًا هل كل شخص ناجح هو سيكوباتي؟
لكي نجيب على سؤال هل كل شخص ناجح هو سيكوباتي؟ لابد من إعادة تعريف السيكوباتية، ففي الواقع هي ليست صفة براقة في حد ذاتها ولا عبارة مُشينة، بل هي مجموعة سمات متنوعة في الشخص يمكن دعمها بالتدريب والتربية.
تقول والاس أنه بمجرّد تصنيف السيكوباتية على أنها اضطراب يتسم بالعنف الشديد سيتم تلقائيًّا رفض كل السمات الإيجابية المرتبطة بالموضوع، ولكن العلماء في العصر الحديث لا يستطيعون تجاهل كل السمات الجيدة الأخرى في السيكوباتيين. ولكن المشكلة الأكبر هنا أن الباحثين الذين يحاولون دراسة السمات الإيجابية للسيكوباتية ليس لديهم نسختهم الخاصة ولا المرجعية التي يحددون على أساسها النماذج العنيفة من تلك القادرة على التكيف بالفعل.
ولمعالجة هذه الفجوة ساعدت لويز والاس المحاضرة في علم النفس الشرعي في جامعة ديربي بإنجلترا في إنتاج مقياس السيكوباتية الناجحة، وهو اختبار من 54 سؤالًا متنوعا لتحديد وتقييم السمات السيكوباتية في عموم الناس وليس في المرضى النفسيين، وهو لا يزال يخضع للتقييم لمعرفة مدى انتشار السمات السيكوباتية في الأشخاص الذين يشغلون مناصب قيادية أو في السُلطة.
فأبحاث السيكوباتية الناجحة لا تزال تتخبط في الظلام، ولكن ما يجب أن ندركه الآن هو أن ليس كل شخص سيكوباتي قد يكون خطرًا، بل قد يكون عليك في بعض الأحيان تنمية بعض سمات السيكوباتية فيك مثل الثقة والحزم وقبول المخاطرة لتتمكّن من النجاح.