وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي,أخبار,ثقافة,اتيكيت,كتب,علوم وتكنولوجيا,مال وأعمال,طب,بيئة

إعلان الرئيسية

 

يوسف سميح أصمعي.. العثماني المصري الذي أعاد الانجليز اكتشافه

يوسف أصمعي| اكتشفت هذا الرجل بمحض الصدفة وأنا أبحث في تاريخ المسلمين البريطانيين، مبتدئا بتاريخ المجتمع الأول للمسلمين في ليفربول، والذي بدأ بشخص واحد، صار قائدا ومؤسسا لها المجتمع ومؤسساته، منذ أعلن إسلامه عام 1887، إلى نهاية نشاطه عام 1908، ومن ثم عثرت على كتاب حديث صادر عام 2021 بعنوان الإسلام في العصر الفيكتوري Islam in Victorian Liverpool والكتاب هو في الأصل ترجمة ودراسة لكتاب قديم من كتب الرحلات التي دونها يوسف سميح أصمعي (ت: 1942).

يوسف سميح أصمعي.. العثماني المصري الذي أعاد الانجليز اكتشافه


تاريخ ميلاد يوسف سميح أصمعي

الطريف أنني اكتشفت أن هذا الكاتب عثماني مصري، صحيح أنه ولد في أضنة في زمن الدولة العثمانية - وإن كان تاريخ ميلاده غير محدد - لكنه حينما أنهى تعليمه في إحدى مدارسها تم تعيينه لتدريس اللغة العثمانية في إحدى مدارس مدينة طنطا المصرية، ومنذ ذلك الحين استقر في مصر، فعاش وعلم وألف وسافر وعاد إلى مصر والتي مات ودفن فيها، ولكنني للأسف لم أطالع اسمه في أي مصدر تاريخي مصري مما طالعت، وبالتالي فقد كان اكتشافا بالنسبة لي، ولكن في بلاد الانجليز.

عمل يوسف سميح أصمعي

إضافة إلى عمل يوسف سميح أصمعي كمعلم للغة العثمانية، فقد قام بتأليف كتابين حول قواعد اللغة العثمانية وتيسيرها على قراء العربية، أولهما صدر عام 1885. إضافة إلى ذلك فقد عمل بالترجمة، ثم قام بإصدار صحيفة "مصر" باللغة العثمانية عام 1889، ومن ثم أضاف إلى أعماله عملا صحفيا. لكن يوسف أصمعي، كان إلى جانب ذلك رحالة، وله ثلاثة كتب في أدب الرحلات، كتابين منهما عن رحلتين إلى إنجلترا.

مؤلفات يوسف سميح أصمعي

وقد نشر يوسف أصمعي عدة كتب تركية في الدين والسياسة كان قد ترجمها إلى العربية، كما قام بنشر كتاب الزعيم الوطني مصطفى كامل المعنون باسم "المسألة الشرقية"، كما ترجم كتاب شيخ الإسلام في الدولة العثمانية عبد الله جمال الدين بن حسن شمس الدين والذي يدافع فيه عن الحجاب الإسلامي، كما نشر كتابا يدافع فيه عن استخدام الحروف العربية في كتابة اللغة التركية. وكان آخر كتبه في الرحلات هو كتابه عن رحلته إلى صقلية والذي نشره عام 1920.  


سياحات يوسف سميح أصمعي

زار إنجلترا مرتين في الفترة من 1891 إلى 1895، وقد دون رحلته الأولى في شكل تقارير نشرت مجزأة، ثم قام عام 1892 بجمعها في كتاب تحت عنوان "سياحت أصمعي" حيث سافر من القاهرة إلى الإسماعيلية، ثم عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، ثم عبر البحر المتوسط إلى جبل طارق ثم إلى بليموث أحد مدن الشاطئ الإنجليزي، ثم عبر القنال الإنجليزي وبحر الشمال وصولا إلى لندن عبر نهر التايمز، وتناول في كتابه من منظوره العثماني المصري، الذي عاين الاحتلال البريطاني لمصر، الثقافة والعادات البريطانية، ووجه انتقادات حادة إلى البريطانيين، حيث رأى في كتابه أن البريطانيين منافقين ومغرورين، ولديهم نفور عميق الجذور من الإسلام، وانتقد أصمعي كذلك في هذا الكتاب التصوير الخاطئ لتركيا في بريطانيا، منتقدا التصوف الفلكلوري "الأنتيكة"، مؤكدا أن سبب تخلف المسلمين هو إهمالهم وتهميشهم للإسلام السني الصحيح في بلدانهم.


كان الكتاب الذي صدر مترجما بالإنجليزية، وهو مصدر المعلومات المتاح لدي عن الكاتب الاكتشاف، هو الكتاب الثاني من كتب رحلات يوسف أصمعي، وقد كانت رحلته التي دونها في كتابه الثاني، مختلفة عن رحلته الأولى - التي يبدو أنها كانت استكشافية بشكل عام – حيث أن تلك الرحلة الثانية التي تمت في عام 1895 كانت تستهدف بالأساس زيارة معهد مسلمي ليفربول Liverpool Muslim Institute الذي كان يقوده عبد الله كويليام، وقد نشرت تقارير رحلته أولا على حلقات في الصحيفة المصرية قصيرة العمر والتي عرفت باسم "بصير الشرق"، والتي كان قد أسسها رشيد بك. ثم صدرت الرحلة كاملة في كتاب عام 1313 هـ/ 1895- 1896 م، والذي صدرت منه على الأقل طبعتين، وبقيت منه نسخة في جامعة أنقرة. 

يوسف سميح أصمعي.. العثماني المصري الذي أعاد الانجليز اكتشافه


من تلك المواقف المتجذرة في الانتماء الديني، والانتماء لقضايا الأمة، سواء ضد الاحتلال البريطاني لمصر، أو مناصرة الحجاب وكتابة اللغة التركية بالأحرف العربية، وبنفس الروح النقدية الحادة التي كتب بها رحلته الأولى لإنجلترا وصل يوسف أصمعي إلى ليفربول في يوليو من عام 1895، وأمضى فيها 33 يوما.  


عندما وصل أصمعي إلى ليفربول، كان معهد مسلمي ليفربول قد ودع لتوه نصر الله خان ولي العهد الأفغاني، الذي دعته الملكة فيكتوريا لزيارة بريطانيا، وزار في آخر إقامته في بريطانيا المعهد، وتبرع له بمبلغ 2500 جنيه إسترليني، وألقى حينها كويليام كلمة قال فيها إن "شمس العقل تندفع بأشعتها على الغرب، بينما يحيط الشرق بظلال التقاليد والخيال"، و"ينبغي اتخاذ خطوات لمتابعة بريطانيا العظمى في مسائل العلوم والفنون الجديدة". وقد رأى أصمعي في هذا أن كويليام يتخذ موقفا سياسيا لصالح الاستثمار الإمبريالي البريطاني في أفغانستان.

واستنتج أصمعي من ثم أن معهد مسلمي ليفربول كان "شيئا وهميا" غير تقليدي، ورأى أن هدف كويليام الاستراتيجي إنما كان تعزيز موقعه كسلطة دينية وسيطة ("شيخ الإسلام للجزر البريطانية") بين الإمبراطورية البريطانية، ومحمياتها المسلمة ورعاياها، والدول الإسلامية المستقلة، وأهمها التي كانت المقاطعات العثمانية. 

يوسف أصمعي و"مسلمو ليفربول"

وبالروح التي جاء بها أصمعي، وباستنتاجه الذي وصل إليه انطلاقا من هذه الروح بأن مشروعات ومجتمع مسلمي ليفربول هو شيء وهمي، وكيان يستعمل كأداة بريطانية ضد الدولة العثمانية، حفل تقرير أصمعي عن رحلته والذي حمل عنوان "مسلمو ليفربول" بانتقادات دينية وسياسية حادة لهذا المجتمع ولعبد الله كويليام قائده، كما تبنى كثيرا من الاتهامات الموجهة إليهم وإليه في الصحف البريطانية وفي المجتمع المحلي المعادي آنذاك. 

وهي الانتقادات والاتهامات التي ناقشها الباحثون الذين قاموا بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية وكتابة دراسته التقديمية الضافية التي وصلت إلى 66 صفحة، والتي يمكن أن تستنتج منها أن الكثير من تلك الانتقادات والاتهامات إما نابعة من الروح العدائية التي أتى بها يوسف أصمعي من مصر حيث الاحتلال البريطاني، ومن سياق تاريخي عدائي بين الإمبراطورية البريطانية والدولة العثمانية من جانب، ومن عدم تقديره لظروف المجتمع المسلم الوليد والتي تختلف بالكلية عن ظروف أي مجتمع مسلم في بلاد الأغلبية المسلمة، أو البلاد التي تتمتع بتقاليد إسلامية راسخة. 

يوسف سميح أصمعي.. العثماني المصري الذي أعاد الانجليز اكتشافه


والغريب في شأن هذا الكتاب، أن عبد الله كويليام ظل يحظى بتأييد السلطان عبد الحميد الثاني حتى بعد طباعته، وأن السلطة العثمانية حينها ما لبثت أن قامت بحظر الكتاب.

في العموم، أظن أن حياة يوسف سميح أصمعي وتراثه الفكري يستحق دراسة علمية من أحد طلاب أقسام الدراسات العثمانية في مصر، حيث عاش معظم حياته ومات، مع أخذ الدراسة التقديمية التي وضعها الباحثون في مقدمة ترجمة كتاب أصمعي عن ليفربول في الاعتبار. 

ولكن يبقى السؤال، من هو عبد الله كويليام، وما قصة أول مجتمع للمسلمين في ليفربول وفي بريطانيا؟ هذا ما سنعرض له في مقال آخر إن شاء الله.

د. مجدي سعيد

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button