الدِيماجوجِيّة
(Demagogy) من اليونانية "dēmagōgos" = شعب
"dēmos"، قيادة
"agōgos"، أي أنها تعني
قيادة الشعب، وتسمى أيضا الدَهْمَاوِيّة أو الدَهْمَانيّة أو الغَوْغَائِيّة.
الدِيماجوجِيّة
هي إستراتيجية لإقناع الآخرين أو الشعب عامة، عن طريق المشاعر والعواطف، وبالاستناد
إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة، وغالبا ما كانت تشير إلى إستراتيجية سياسية للحصول على
السلطة والكسب للقوة السياسية من خلال خطابات شعبية يوجها السياسيون والزعماء والحكام
لاكتساب تأييد الشعب اعتمادا على مخاوفه وتوقعاته المسبقة، وذلك عادة عن طريق الخطابات
والدعاية الحماسية، مستخدمين المواضيع القومية والشعبية ومحاولين استثارة عواطف الجماهير
واللعب على مشاعره وآماله وطموحاته، من أجل الوصول إلى الحكم أو الاستمرار فيه.
والديماجوجي
(Demagogue) هو شخص غالبا يتمتع بـ"كاريزما"
أو شخصية قوية، يستطيع بها اجتذاب الناس لأفكاره وأقواله، ويسعى لضمهم إلى صفه عن طريق
الوعود الكاذبة والتملق وتشويه الحقائق، ويؤكد كلامه مستندا إلى شتى فنون الكلام وضروبه
وكذلك الأحداث سواء الحقيقية منها أو المزيفة، ولكنه لا يلجأ إلى البرهان أو المنطق
أو الدليل، لأن إثارة البرهان يمكن أن يبعث على التفكير وأن يوقظ الحذر، والكلام الديماجوجي
مبسط ومنحرف، ويعتمد على جهل سامعيه وسذاجتهم واللعب على عواطفهم، وهذا الديماجوجي
قد يكون سياسيا أو حاكما أو إعلاميا أو كاتبا أو حتى فنانا.
ربما
يكون أشهر زعيم ديماجوجي في التاريخ هو أدولف هتلر، زعيم ألمانيا النازية، والذي استغل
شعور الشعب الألماني بالانكسار والحزن والغضب بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية
الأولى، ليثير الشعور القومي الألماني ويحيي النعرة الوطنية والفخر بالجنس الآري المتفوق
على بقية الأجناس، ليقيم دولته النازية ويخوض بها غمار الحرب العالمية الثانية.
أيضا
سار على نهجه الزعيم الفاشي موسوليني في إيطاليا، والجنرال فرانكو في إسبانيا، وفي
بلادنا العربية سار على نهج هؤلاء زعماء عرب مثل جمال عبد الناصر وأنور السادات وصدام
حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي، وإن اختلفت درجة ديماجوجية كل منهم، حسب مدى كاريزمته
وقوة شخصيته وقدرته على إقناع شعبه بأفكاره ومبادئه، وعلى اختلاف الزمان والمكان والأفكار
والآمال والطموحات كل في عصره.
حاول
السيسي في بداية ظهور على الساحة عندما كان وزيرا للدفاع، وأثناء تجهيزه لانقلابه العسكري،
استخدام الديماجوجية لجذب الشعب إلى صفه، وذلك عندما طلب من الشعب "أن يمنحه تفويضا
أو يعطيه أمرا لمحاربة الإرهاب المحتمل"، والذي كان الإعلام وقتها يلوح به للشعب
المصري ويخيفه ويثير فزعه به.
ولكن
لأن السيسي تنقصه كثيرا كاريزما هتلر وموسوليني وعبد الناصر والسادات وغيرهم من الزعماء
الكاريزميين، فقد أوكل بعد نجاح إنقلابه الخطاب الديماجوجي إلى الإعلام ثم إلى الدراما
التليفزيونية، والتي تدق كل باب من أبواب بيوت الشعب المصري، خاصة في رمضان.
لعل
أكبر وأوضح مثال على هذه "الدراما الديماجوجية" هو مسلسل الاختيار، بدأ من
الجزء الأول وتصاعدا حتى الوصول إلى قمته في الجزء الثالث الذي يعرض حاليا.
ففي
المسلسل عامة، تلعب الدراما على مشاعر المصريين من جهة الأمن والأمان الموعودين، والتخويف
من الإرهاب، والتذكير بالدمار والخراب الذي أصاب البلاد العربية المجاورة والمحيطة
بمصر، نتيجة ثورة الشعوب على حكامها.
لكن
الاختيار 3 هذه السنة، لا يلعب فقط على الأمن والإمان، بل يجسد دراميا للمصريين العدو
الوهمي الذي نصبه السيسي للمصريين على أنه عدوهم الحقيقي والوحيد، وهم الإخوان المسلمين،
فيخلط الأحداث الحقيقية بالدراما، ويخلط الحقائق بالأكاذيب، ويقدم السيسي في صورة القائد
المغوار والبطل الجبار المخلص لوطنه وشعبه، وفي نفس الوقت هو الزوج المثالي والأب الحنون
والابن البار والزميل المخلص والصديق الوفي، أي أنه باختصار الشخص المثالي والزعيم
النموذجي، والرجل المناسب الذي ظهر في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، ليخلص مصر
وشعبها من الخطر الذي كان يحدق بها.
نموذج
آخر من "الدراما الديماجوجية" هو مسلسل "بطلوع الروح"، والذي يلعب
أيضا على مشاعر الخوف والفزع من الإرهاب العالمي المنظم، المتمثل في "داعش"،
التي اخترقت البلاد العربية والإسلامية لتقتل وتخرب وتدمر باسم الدين الإسلامي، وهو
مسلسل يربط الإسلام تماما بالتطرف والكراهية والعنف ورفض الآخر والقسوة والاتحراف الخلقي
والديني أيضا.
مسلسل
ديماجوجي آخر، في رأيي المتواضع، هو مسلسل "فاتن أمل حربي"، الذي كتبه إبراهيم
عيسى، وراجعه فقهيا سعد الدين الهلالي، وكلنا نعرف من هو إبراهيم عيسى ومن هو سعد الدين
الهلالي، والمسلسل يلعب على مشاعر وعواطف النساء، اللاتي يتعرضن لمشاكل في الزواج والطلاق
وحضانة الأطفال، وعلى مشاعر النساء عامة واللاتي يعتقدن أنهن مضطهدات ومقهورات من الرجال،
ويغذي المسلسل هذا الشعور لديهن، ويحيله إلى سبب ديني، وهو أحكام الشريعة الإسلامية
التي تنتصر للرجل على حساب المرأة، وإلى رجال الدين الإسلامي المتخلفين الناقلين الحافظين
للتراث القديم المتهالك، بلا فهم ولا وعي ولا تفكير.
الديماجوجية،
عامة، سواء كانت سياسية أو إعلامية او درامية، قد تسود وقد تنتصر أحيانا ولبعض الوقت،
ولكن ليس غالبا ولا لكل الوقت، فغالبا ما تستفيق الشعوب من غيبوبتها مع التكرار المتواصل
والممل والساذج لأساليب الديماجوجية، وتكتشف أن كل أو معظم هذا الخطاب الديماجوجي كان
مبنيا على الوهم والكذب والخداع، وأن الهدف منه لم يكن أبدا مصلحة ولا منفعة الشعب،
بل كان الهدف منه هو مصلحة الشخص الديماجوجي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية
أو الإعلامية أو حتى الفنية، فينصرف الشعب، أو معظمه، عن هؤلاء الديماجوجيين الكاذبين
المزيفين.
ولنا
في التاريخ قصص ودروس وحكم، لو كتبت بالإبر على آماق البصر، لكانت عبرا لمن اعتبر.