توجد ظاهرة أو حالة غريبة يعرفها الأطباء
والعاملون في مجال الرعاية الصحية، تسمى "Recommendoma"، وهي كلمة غير موجودة في اللغة الإنجليزية أساساً، وبالتالي
لا يوجد لها مقابل أو ترجمة مباشرة في اللغة العربية.
الكلمة تتكون من مقطعين، الأول هو "Recommend" أي "يُوصي"، والثاني هو "oma" أي نمو أو ورم، فتعني الكلمة المشاكل التي قد تحدث أو تتزايد عند علاج مريض "موصى عليه"، مثل الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء، أو أي مريض آخر قام أحد معارف الطبيب بالتوصية عليه لعلاجه، سواء في المستشفى الذي يعمل به أو في عيادته الخاصة مثلا.
فمثلا قد يحدث أن يصف طبيب لأحد هؤلاء المرضى الموصى عليهم دواءً، فلا يحدث هذا الدواء التأثير العلاجي المطلوب أو يسبب للمريض أعراضاً جانبية غير مألوفة ولا تحدث كثيراً مع هذا الدواء، أو مثلاً قد يقوم جراح بإجراء عملية جراحية بسيطة أو كبيرة لأحد المرضى الموصى عليهم، ويفاجأ الطبيب بحدوث مضاعفات غير متوقعة لهذا المريض بعد العملية، أو قد يحدث أن يدخل أحد هؤلاء المرضى مستشفى ما لأن أحدا من معارفه قد أوصى عليه أحد الأطباء أو أحد أفراد الطاقم الطبي من العاملين في المستشفى ليشرف عليه بنفسه في المستشفى، ويفاجأ الجميع بحدوث تدهور غير متوقع في حالة المريض.
لهذا يتوجس خيفة كثير من الأطباء من علاج
الأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف، وقد يوصوا بأطباء آخرين للقيام بهذا، وخاصة مع
الجراحين وبالذات إذا كان العملية مهمة أو حرجة أو صعبة، ويفضلون قيام جراحين آخرين
بهذه المهمة، مع إشرافهم أو تواجدهم وإبداء نصائحهم في حالة المريض.
منذ 20 عاماً تقريباً، أصيبت زوجتي في حادث
سيارة كبير وتهمشت عظام أحد قدميها، وكان لا بد من إجراء عملية جراحية لعلاج كسور قدمها،
فذهبت لصديقي العزيز وزميلي الفاضل د. عادل العدوي، أستاذ جراحة العظام البارع ووزير
الصحة فيما بعد، وطلبت منه أن يجري العملية الجراحية، حاول د. عادل الاعتذار عن عدم
إجراء العملية، ربما خوفا من موضوع الـ "Recommendoma" المعروف، لكني أصررت على أن يقوم هو بالذات بإجراء العملية،
وكانت عملية صعبة وتحتاج إلى مهارة كبيرة وخبرة طويلة، فقبل د. عادل مشكوراً وبسبب
إلحاحي أن يقوم بإجراء العملية، والحمد لله نجحت نجاحاً كبيراً وبدون حدوث أية مضاعفات
أو مشاكل أو "ريكوميندوما"، بفضل الله عز وجل وبمهارة وعلم وخبرة د. عادل.
أنا شخصياً، ورغم أنني أؤمن "قليلا"
بموضوع الريكوميندوما، إلا إنني غالباً لا أرفض أن أقوم بعلاج الأهل والمعارف والأصدقاء
والزملاء، أو من يقومون بالتوصية عليهم لدي، لعدة أسباب، منها أنني اعتقد أنه يجب عليَّ،
وعلى أي طبيب، أن يعالج أي شخص يطلب العلاج، سواء كان قريبا أو بعيدا، ومنها أيضا أنني
"أحرج" أن أرفض طلب أي مريض أو أي شخص أن أقدم له العلاج، سواء كان قريبا
أو بعيدا أيضا.
وقد يكون منها أيضاً أنني طبيب أمراض جلدية،
وهي أمراض معظمها، والحمد لله، ليست خطيرة، وعلاجاتها وأدويتها "غالباً"
إن لم تفيد فلن تضر، إلا طبعاً في بعض الأمراض القليلة وبعض العلاجات والأدوية التي
تتطلب عناية كبيرة في التعامل معها.
وهكذا، وكما نرى أن فرص حدوث الريكوميندوما
مع أطباء الأمراض الجلدية المحظوظين قليلة جدا، والحمد لله على هذا.
أتمنى لجميع الأصدقاء دوام الصحة والعافية
من جميع الأمراض، وألا يتعرضوا أبدا لأية مضاعفات أو مشاكل في حالة علاجهم لا قدر الله،
وألا يتعرضوا لظاهرة الريكوميندوما الغريبة والمحيرة.
د. هانى سليمان
استشاري
الأمراض الجلدية