وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي,أخبار,ثقافة,اتيكيت,كتب,علوم وتكنولوجيا,مال وأعمال,طب,بيئة

إعلان الرئيسية

 

"وحوى يا وحوى".. "رمضان جانا".. "أهلاً رمضان".. هذه الأغانى الشعبية القديمة هى أول إشارة – قبل الهلال- على ظهور شهر الصوم الكريم فى الإذاعات والفضائيات العربية، وعلى الرغم من أنها أعمال غنائية تنتمى إلى عصر الأجداد، إلا أنها مازالت حية ومسموعة فى أذهان وآذان الأحفاد!

 

"وحوى يا وحوى" و"رمضان جانا"

والسؤال الذى يطرح نفسه هو : لماذا لا تظهر أغانى رمضانية جديدة على نفس المستوى من الشهرة والجماهيرية فى أيامنا المعاصرة، فهل أجدبت قريحة الشعراء العرب فلم تعد قادرة على كتابة أغانى معاصرة لرمضان، أم أن الجميع يكتفى "بالموجود" والسلام؟

 

الناس يقبلون على الأغانى الرمضانية لأنها تذكرهم بطفولتهم وخروجهم بالفوانيس فى الشوارع والحارات وهم يرددون تلك الأغانى، أضف إلى ذلك أن هذه الأغانى التراثية بدأت قوية، فاستمرت قوية، وقد حاول الشعراء تقليد هذا التراث على مر الأزمنة لكنهم إستهلكوه من كثرة ما قلدوه ففشلوا فشلاً ذريعاً وبقى الأصل لأنه أصيل وغير قابل للإندثار، ومع ذلك نحن فى حاجة بالفعل- إلى البحث عن صيغ غنائية جديدة للتعامل مع الشهر الكريم، وهذا نقطة مهمة جداً يجب أن توضع فى حسبان الشعراء المعاصرين.

 

ولكن لماذا لا تظهر أغان رمضانية معاصرة إذن؟

المبدع يفكر فى المدى الطويل لإستمرار عمله الإبداعى، لأنه تعرف أن هذه الأعمال "موسمية" لا تذاع إلا يوماً أو يمين فى العام، فلماذا إذن يتعب نفسه فى تأليف أغنية لن يحقق من ورائها أمله المنشود فى النجاح، هذه واحدة، أما السبب الآخر لعزوف الشعراء المعاصرين عن هذا اللون الغنائى الرمضانى فهو المكافآت والأجور التى لا توازى ما يتقاضاها المطربون والمطربات فى الأغانى العاطفية مثلاً، فعائد الأغانى الرمضانية المادى ضئيل جداً، لا يرقى للمجهود الذى سيبذله الشاعر لكتابة الأغنية المعبرة عن الشهر الكريم.

 

القديم والجديد

وقد يكون السبب هو النظرة إلى أغانى رمضان على أنها مرتبطة بالطفل، وهذه صفة أخرى أن الأعمال موجهة لعقلية الأطفال، مما يجعل الكثيرين من الشعراء يبتعدون عن ممارسة هذا اللون، أما الكاتب المتخصص فى أدب الطفل فلا تشغله القضية مع الأسف الشديد.

 

فكيف يمكن أن نترك تراثاً رمضانياً للأجيال القادمة؟

نحن نريد التضحية ونكران الذات من شعرائنا العرب حتى نستطيع أن نصنع شيئاً جديداً، ونتجاوز ما سبق من أغانى رمضانية، ولكن الذين تعاملوا مع هذا اللون الإبداعى إحتذوا الأنماط السابقة، ولم يحاولوا الوصول إلى صيغ فنية جديدة تتجاوز هذه العمال، واذكر أن أغانى الطفل تظل تتردد طويلاً ويقبل عليها الناس بشغف شديد، ثم تظهر ألوان جديدة هذه الأيام تجعل الناس ينسبون الأعمال الماضية ويقبلون على الجديد، ولا يهمنى مردود هذه الأغانى التربوى قدر إهتمامى بأنها شدت الناس، وإستطاعت أن تتجاوز الماضى بصيغ فنية جديدة إذن لو استطاع شاعر عبقرى أن يقدم هذه القيمة الجميلة من أغان رمضانية حديثة حتى تثبت فى أذهان الناس، أعتقد أنه بذلك يكون قد أدى خدمة جليلة للأدب وللمجتمع فى وقت معاً.


يقول الشاعر أحمد سويلم: صعوبة إبداع أغان رمضانية جديدة بأصالة الأغانى التى نحفظها منذ الطفولة عن ظهر قلب، لأن أغانى الماضى فيها الكثير من الحس الشعبى، الذى لا يمكن أن يتكرر بنفس الجودة، فنحن نفتقد النمط الشعبى فى ظل ظروفنا الحضارية الحالية، وربما كان الموقف المعادى للتراث فيما أسميناه "بالحداثة وما بعدها" له الأثر الفاعل فى الإعراض عن كل ما هو تراثى، لتدخل هذه الأغنية الرمضانية فى مجال الرفض، ليبتعد عن إبداعها الشعراء المعاصرين لأنها "غير حداثية"‍!

 

كما أن التليفزيون يرفض الجديد من هذه الأعمال الإبداعية التى ترحب بالفصحى والعامية فى إبداعاتها الشعرية، ويتهافت على برامج تافهة تكاد تحتقر كينونية الإنسان ولا تقدم له قيمته، خلاصة القول إننا نفتقد الجو الروحانى فى رمضان، فى زحمة هذه الأعمال التليفزيونية الرخيصة للفكر والعقل والقلب وليس من السهولة إضفاء صبغات جديدة على أغانى رمضان الروحية وسط هذا الكم الكبير من التهريج وفقدان التوازن.

 

خارج الزمن

ومن جانبها تقول الشاعرة إيمان بكرى: أنا أؤمن أن الفنون والإبداع يولدان خارج الأزمنة، وما دفعنى للقول بذلك هو أن الأغنية الشعبية التى كانت تعكس سمات مرتبطة بوجداننا وعقولنا وميراثنا الحضارى تغيرت إلى سمات تهاجم هذه القيم وتدمر أصالتنا من خلال أعمال هابطة وتقنية إعلامية فرضت نفسها على كل الأذواق، فأصبحنا محاصرين داخل هذا الهبوط العام، ولا يوجد رغم ذلك عقول تحاول أن تضيف جديداً، وكأن الزمن قد توقف، وأصبحت الأزمنة القادمة غير حقيقية.

 

وهل لك تجربة شخصية مع الأغانى الرمضانية؟

كتبت فعلاً أكثر من أغنية رمضانية بصيغ جديدة، حيث فكرت فعلاً فى كتابة أغانى رمضانية ذات ذوق حديث يوافق العصر الذى نعيشه ووافقت عليها لجنة النصوص، ولكن رفض تنفيذها لوجود "البديل" من الأغانى الرمضانية القديمة فقد إكتفوا "بالموجود" حتى لا يتحملوا عبء إخراج عمل جديد ولا أعرف ما الهدف من وراء ذلك؟ إنها عقول راكدة لا تفكر أن تضيف شيئاً، فمعظم المسئولين الإعلاميين العرب مجرد أشخاص يفكرون جدياً فى كيفية الإستفادة من مواقعهم سواء كانت أدبية أو ثقافية، دون الإلتفات إلى تطوير أو تجديد، أذكر أيضاً أننى قدمت أغنية جديدة لعيد الأم وعشرة أدعية لشهر رمضان، ووافقت عليها لجنة النصوص فى التليفزيون المصري وحصلت فعلاً على أجرى "وقبض" الملحن والفرقة الموسيقية أجرهما وأجرنا الأستوديو، وسجل المطرب سمير الإسكندرانى الأدعية بصوته، ولحن حلمى بكر وعبد العظيم محمد وغيرهم من كبار الملحنين هذه الأغانى، ومع ذلك لم تظهر هذه الأغانى والأدعية إلى النور حتى الآن.

 

وترى إيمان بكرى أن: هناك إهمالاً مقصوداً على حد قولها- من كتيبة من المثقفين العرب تتعمد إخفاء أى عمل جيد، فى حين أن هناك أعمالاً معروضة على شاشات الفضائيات الحكومية تمر من الأبواب الخلفية، رغم أن كلماتها غير مناسبة تماماً، إلا أنهم "يستسهلون" مادة الموضوع ولا يريدون أن يوجعوا دماغهم!

 

ولكن ماذا عن الفضائيات العربية الخاصة؟

هذه القنوات مجرد جزر مغلقة على أشخاص بعينهم فى كل قناة، والغريب أن نجد من يردد أن القنوات الفضائية متسعة للجميع، ومحتاجة إلى مواد كثيرة للتقديم، لذا كان الإعتقاد أنها من الممكن أن ترحب بمثل هذه الأغانى الرمضانية ذات الصيغ الجديدة، ولكن ما يحدث أن المبدع يعامل فيها معاملة سيئة وكأنه مواطن من الدرجة السادسة.

 

تهجين التراث

أما الشاعر الطبيب أحمد تيمور فيقول: إن لكل أمة مهما كانت متقدمة أغانيها الشعبية الخاصة بها، فلماذا ننكر على أنفسنا أن نحتفى بطريقتنا الإجتماعية والدينية فى مناسباتنا أمام هذا التيار الجارف من الأغانى الحسية التى إنتشرت فى قنواتنا وفضائياتنا العربية، والتى تروج للغة الجسد فتتحدث بإسم العاطفة زوراً وبهتاناً‍.

 

فهناك فرق شاسع بين اللغة الحسية التى تنتشر إنتشار الأثير فى سمائنا العربية والأغانى الرمضانية الروحية التى نحن إليها، فما أحرانا إذن أن نقوم بإحداث التوازن المطلوب بإضافة أغانى رمضانية بصيغ جديدة إلى الأغانى الشعبية القديمة، لنتصدى لهذه التيارات والإيقاعات الحسية التى تهدم الروح، والتراث بطبيعة الحال قابل للتطوير والتجديد.

 

يرى البعض أن تجديد التراث يعنى "تهجينه" فما هو رأيك؟

أتفق فى الرأى مع من يعتبرون التراث الذى أبدعه الشعب على مدى عقود طويلة اعظم فى التعبير عن أشواقنا الروحية الدينية مثل أغانى رمضان الشعبية التى يتغنى بها الأطفال والشباب، ولكن إضفاء صبغة جديدة عليها تتبنى الفضيلة وإنقاذ الحس الدينى والروحى من هجمات أغانى لغة الجسد ضرورة لا يغنى عنها تراثنا الشعبى القديم وحده، ولهذا لابد من تطويره بمنتهى الفهم والحرص.

 

 

الشعر .. عرض وطلب

إن القضية "عرض وطلب" من الطراز الأول، بمعنى أن الأغنية الشعبية وأخص الرمضانية التى نتحدث عنها كانت موجودة فى أزمنتنا السابقة لتلبى الإحتياجات الشعبية البيئية، وعندما جاءت الفنون الحديثة كان من الطبيعى أن يحل المذيع والتليفزيون محل هذه الأغانى الشعبية فما حدث هو تغيير وإحلال، إنه إيقاع الحياة وسنتها التى لا دخل للتمنى فيها، والنتيجة هى عدم الإلتفات لأغانى الرمضانية الشعبية فى الوقت الحاضر.

 

أما بالنسبة لما نتحدث عنه من إضفاء صبغة جديدة على هذه الأغانى الشعبية، فلابد أن نعرف أن ذلك لن يضفى عليها صفة "الشعبية"، بمعنى أنها تصبح "مثلا أغان ثقافية"، لأن الأغانى الشعبية ومنها الرمضانية- تتوالد ذاتياً حتى تلبى إيقاع الحياة المعاش، كما تنمو ببطء شديد وهدوء وما يحدث فيها من تطوير يكون لخدمة العمل الشعبى نفسه، بمعنى أن قصة "أبو زيد الهلالى" مثلاً عندما يأتى مطرب شعبى قديم ويريد تطويرها نجده يغير فى التعبيرات دون المغزى والبناء، ثم يأتى الجيل القادم ويطور بنفس الطريقة.


وهكذا تكون الإضافات هدفها جذب انتباه الناس، أما أن تطالب بأغانى رمضانية جديدة وبأن نضفى عليها صفة الشعبية، فهذا ما يرفضه التراث الشعبى والحس العام، وعلى كل لك أن تصفها "بأغان ثقافية" فتكون شيئاً جميلاً تنقذنا من الأغانى التى تكتب كلماتها بالجسد، ويتم إذاعتها فى شهر رمضان المبارك من كل عام.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button