ما
أجمل المرء حين يتلزم الصمت في أمور تستوجب الصمت.. وما أجمل المرء عندما يضحك في
وجه من ينتظر منك البكاء.. وما أجمل أن تصمت في وجه من ينتظر منك الكلام.. وفعلاً.. غالباً ما تكون أعمار الذين يصمتون أطول من أعمار الذين يتكلمون.. وقال البعض
بما معناه: الصمت هو العلم الأصعب من علم الكلام، يصعب أحياناً تفسيره وهو أفضل
جواب لبعض الأسئلة، وقيل قديماً أن الصمت إجابة رائعة لايتقنها الآخرون، ومما قيل
عنه نذكر:
قال
صلى الله عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو
ليصمت". وقال علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه: "بكثرة الصمت تكون
الهيبة".
وقال
لقمان لولده:" يا بني اذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر انت بحسن
صمتك".
الصمت يولد لدى الآخرين شعوراً بالغيظ الشديد لأنهم يعتبرونه هجوماً مستتراً فتكون الأقوى من دون كلام ولا تعب
يقول كريم الشاذلي الكاتب والمحاضر المتخصص في التنمية البشرية : كثير منا يظن أن الكلمات وحدها هي التي تُظهر نقاط قوته، وتحدد معالم شخصيته، ولا ندرك أن هناك مهارة أكثر سحراً وتأثيراً اسمها (الصمت)!.
الصمت فضيلة
إن
الصمت فضيلة وله في النفوس رهبة وإجلال.. والمرء الذي يؤدب لسانه كي لا ينطلق
مثرثراً، ويلجمه بحنكة وذكاء؛ لهو امرؤ قد فعل الكثير في سبيل امتلاكه القوة.
فكم
من كلمة ألقاها صاحبها في غفلة من عقلة ذهبت بماله أو سمعته.. وربما برأسه
بعيداً!.
الصمت يجعلك تسيطر على من أمامك من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقة
يستطرد
الشاذلى: يُحكى أن لويس الرابع عشر حينما كان شاباً يافعاً، كان يتباهى بقدرته
على الحديث والكلام والجدال؛ لكنه حينما تولى مقاليد الحكم صار أقلّ كلاماً؛ بل
لقد كان صمته أحد أهم أسلحته ومنبعاً من منابع قوّته؛ فمما يروى أن وزراءه كانوا
يمضون الساعات في مناقشة القضايا الهامة ويجلسون لاختيار رجلين منهما لعرضها على
الملك لويس الرابع عشر، وكانوا يمضون وقتاً غير قليل في اختيار من سيرفع الأمر إلى
الملك، وعن الوقت المناسب لهذا الأمر، وبعد أن ينتهوا من النقاش يذهب الشخصان
اللذان تم اختيارهما إلى الملك ويقومان بعرض الأمر عليه بالتفصيل والخيارات
المطروحة، ولويس يتابعهم في صمت مهيب، تغلب عليه روح الغموض.
وبعد
أن يعرضا أمرهما ويطلبا رأي الملك، لا يزيد على أن ينظر إليهما ويقول بهدوء
"سوف أرى" ثم يذهب عنهما. ولا يسمع أحد من الوزراء كلاماً حول ما تم
عرضه؛ بل فقط تأتيهم النتائج والقرارات التي أمضاها الملك. ولقد كان لصمت لويس
الرابع عشر أثر بالغ في إبقاء من حوله في حالة ترقّب دائم لردود أفعاله، وهو ما
ترجمه "سان سيمون" فيما بعد بقوله "لم يكن أحد يعرف مثله كيف يبيع
كلماته، وابتساماته، وحتى نظراته.. كان كل شيء فيه نفيساً؛ لأنه خلق فوارق، ولقد
اتسعت جلالته من ندرة كلماته".
كيف تمتلك مقاليد القوة
تجعلهم حائرين في تفسيرها.. وهو الحل الأفضل أمام المشاكل الزوجية التافهة
في
كتابه "كيف تمتلك مقاليد القوة" يؤكد "روبرت جرين" أن البشر
آلات تفسير وتوضيح، ولديهم شعور قوي بحتمية معرفة ما تفكّر به، وأنه كلما كانت
كلماتك قليلة ومركّزة؛ فإنك سوف تغلق من أمامهم أبواب كثيرة للتفسير والتحليل،
وستجعلهم يتهيّبونك بشكل كبير.
يقول الشاذلى : لعلك قد تعارضني يا صديقي بحجة أن الكلام وسيلة تواصل وتعارف، وأننا يجب
أن نكون أكثر تفاعلاً مع المجتمع الذي نعيش فيه، وأن الغموض قد ينفّر من حولنا
الآخرين بحجة أننا متكبرون لا نودّ الحديث معهم.
وهذا
صحيح في حالة الصمت المطبق المستفز؛ لكنني هاهنا أخبرك ببساطة بمعلومة في غاية
الأهمية وهي: "الكلمات التي تخرج من الفم لا يتم إرجاعها، والقول الذي تطلق
سراحه لن يمكنك العودة فيه مرة أخرى".
والرسول
صلى الله عليه وسلم يخبر معاذ بن جبل رضي الله عنه بأن أخطر الأشياء التي تلقي
بالناس في سعير جهنم هو ما يخرجه المرء من بين شفتيه، ويجري به لسانه.
السيطرة على الكلمات
وينصح
كريم الشاذلى المرء بأن يحاول بشتى الطرق أن يسيطر على كلماته، وألا يثرثر بشيء
ليس ذو قيمة أو لا يعرف أبعاده.. فالإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول
"تكلموا تُعرفوا؛ فإن المرء مخبوءٌ تحت لسانه؛ فإذا تكلّم ظهر"؛ فكأنه
يوضح لي ولك بأن معالم شخصية المرء منا تتشكل في ذهن الآخر حسب ما يسمعه من
كلامنا؛ وذلك لأن كلامك بطبيعة الحال هو تعبير عما يجول بنفسك.
فإذا
ما استطعنا السيطرة على اللسان، والتحكّم فيما يخرج منه، وإغلاقه تماماً إذا ما
تشكّكنا في فيما قد يأتي به من نتائج، سنكون قد فعلنا الشيء الكثير.
تعلّم الصمت:
يقول
كريم الشاذلى أن ثمة أوقات يكون فيها الصمت هو الخيار المثالي، وإطباق الفم هو
الحل الأمثل، منها:
-
الغضب: تزيد نسبة زلل المرء عند الكلام عندما يكون غاضب أو حانق؛ فالغضب حالة من
الجنون، وأخطر ما فيه أن كلامنا وقتها يُحسب علينا، وقد يكون حجة تقام علينا
وتديننا. وكظم الغيظ أمر بالغ الصعوبة؛ لكنه يتأتي بالتعوّد وتمرين النفس واحتساب
الأجر، رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصحك أن "لا تغضب ولك الجنة"، أضف
إلى ذلك أن الشخص الذي يقيد غضبه ويروّضه شخص يحوز على إعجاب الناس وتقديرهم؛
فضلاً عن الأجر المرتجى من رب الناس.
-
الاستهزاء والسخرية: تقول حكمة العرب "لا تجادل الأحمق فيخطئ الناس في
التفريق بينكما"؛ حينما يتجه النقاش إلى وضع ساخر متهكم؛ فإن عدم التمادي
والوقوف هو أفضل ما يمكنك فعله، لا ترد السخرية بسخرية مماثلة أو التهكم باستهزاء،
ولكن استدعِ قوة حلمك وصمتك وفكر فيما يقال، وفيما ستجنيه من السكوت عن الرد
والتمادي في هذا الحديث.
-
استكشاف المحيط: سواء كنت في عملك أو بيتك أو في رحلة ما، ستحتاج في أوقات كثيرة
أن تصمت، وتخرج الكلمات ببخل شديد، كي يتسنى لك معرفة ما الذي يدور، وتقرير ما يجب
عليك فعله.
وفى
رده على من يري أن الصمت قد يعد دليل ضعف واستكانه ، وقد يغرّ الطرف الآخر
بالتمادي والتطاول، يقول لاشاذلى : الأمر يجب أن يخضع لتقدير المرء.. إنني أطالبك
بالصمت في مواقف لن يرفعك فيها الكلام قيد أنملة؛ بل قد تدان به، أما إذا كان
الموقف موقف أخذ وردّ، ونقد وتوضيح؛ فيكون كلامك الهادئ هو المطلوب.
إن
ما أودّ الذهاب إليه حقاً هو إلجام اللسان عن فضول الكلام، وجعل العقل رقيباً
دائماً عليه؛ فيفكر قبل أن يقول، ويزن الأمور قبل أن يدلي بدلوه.
إن
ما أريده هو الاتزان، وأي جنوح عن تطبيق قواعد الحياة قد يأتي بتأثير عكسي؛ فهل من
الحكمة مثلاً أن نصمت حينما يتطلب الأمر تقديم شكر أو مواساة.
هل
من اللائق السكوت وعدم التعبير عن مشاعر الحب والتقدير والامتنان.. هل يصح الصمت
عند مواجهة اتهام يحتاج إلى إبراز حجة، وتفنيد مزاعم.
بالطبع
لا.. إننا نتكلم إذا ما أخبرنا العقل أن الكلام مرجوّ هاهنا ونصمت إذا ما تطلّب
الأمر الاحتماء خلف ابتسامة دافئة مبهمة.
فـوائد الصمت
-
الصمت يمنحك طاقه قويه للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على
أجابتك.
-
الصمت يجعلك تسيطر على من أمامك من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقة تجعلهم
حائرين في تفسيرها .
-
الصمت المصحوب ببعض الحركات والإيماءات يرغم من أمامك على البوح بما داخله فيقول
أكثر مما يريد فعلا
-
الصمت يولد لدى الآخرين شعوراً بالغيظ الشديد لأنهم يعتبرونه هجوماً مستتراً فتكون
الأقوى من دون كلام ولا تعب
-
الصمت هو الحل الأفضل أمام المشاكل الزوجية التافهة
-
الصمت في المواقف الصعبة يولد الاحترام بعكس الصراع و الجدل الذي يولد التنافر
والحقد
-
الصمت يدمر أسلحة من تتشاجر معهم ويجردهم من القدرة على مواصلة الكلام
-
الصمت يعلمك حسن الاستماع الذي يفتقده الكثيرون
-
الصمت فن حاول إتقانه ولن تفشل أبدا في تحقيق ما تريد في أي وقت وفي أي موقف
قالوا عن فن الصمت:
-
الصمت فن عظيم من فنون الكلام. وليم هنريت
-
لابد أحياناً من لزوم الصمت ليسمعنا الآخرون. جلاسكو
-
لأننا نتقن الصمت حملونا وزر النوايا. غادة السمان
-
إذا قلت المحال رفعت صوتي وإذا قلت اليقين أطلت همسي. أبو العلاء المعري
-
يجدر بالمرء أن يتوقف عن الكلام حين يهز المستمع إليه رأسه موافقاً من دون أن يقول
شيئا. هنري كيسنجر
-
لا ترفع يدك على المرأة إلا إذا كنت تعلم أن شفتيك عاجزتان عن تحقيق مأربك. الشاعر
بايرون
-
لن تكون متحدثاَ جيداَ حتى تتعلم كيف تحسن الإصغاء. كريستوفر مورلي
-
الموسيقى والباليه والمعارض الفنية كلها فنون من الصمت. فأنت ترى وتنصت ولا تقول
شيئاً. إنها أروع حالات الصمت والتأمل. أنيس منصور
-
الصمت أكثر ثراءاً من الكلام، نحن نتكلم حينما يفيض بنا الصمت. أحمد تيمور
ومن الشعر:
-
وقال لقمان:
الصمت
زين والسكوت سلامة * فإذا نطقت فلا تكن مهذارا
ما
إن ندمت على سكوتي مرّة * لكن ندمت على السكوت مرارا