وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي, أخبار, ثقافة, اتيكيت, كتب, علوم وتكنولوجيا, مال وأعمال, طب, بيئة

إعلان الرئيسية

الكيميتية أو كيميت

إعداد / محمد أبو الوفا

في السنوات الأخيرة برز على الساحة المصرية مصطلح «الكمايتة» (أحيانًا تُكتب: الكيميتية أو كيميت)، وهو تعبير يستخدم لوصف تيارات وقوى ثقافية وقومية تدعو إلى تعريف الهوية المصرية عبر مرجعيات الحضارة الفرعونية أو اسم مصر القديم "كيميت".


المصطلح يحمل أحيانًا دلالات ثقافية غير سياسية، وفي أحيان أخرى يتحول إلى تسمية لتيارات يمينية أو قومية متطرفة تثير الجدل داخل المجتمع. في هذا التقرير نبحث عن حقيقتهم: من هم؟ ما دوافعهم؟ وما شكل خطابهم وتأثيره؟ 


من هم "الكمايتة"؟ — تعريفات متداخلة

ليس هناك مؤسسة مركزية أو قيادة موحدة تطلق على نفسها رسميًا اسم «الكمايتة»؛ المصطلح أكثر مرونة ويستخدم للإشارة إلى مجموعات وأفراد يعبّرون عن رؤية قومية-مصرية تركّز على التراث الفرعوني (اسم مصر القديم "كيميت") وتضعه كمرجع رئيسي للهوية الوطنية. 


بعض من يُصنفون تحت هذا المصطلح هم أفراد يهتمون بالتراث والآثار (حركة ثقافية/دينية تعرف بالكيميتية بمعناها الأوسع كإحياء دين مصر القديمة)، وآخرون لديهم مكونات أيديولوجية قومية مع نزعات علمانية أو عنصرية حسب المواقف.

 

في الخطاب الإعلامي والاجتماعي أصبح اسم «الكمايتة» يشمل طيفًا واسعًا: من محبي الحضارة والهوية المصرية إلى مجموعات تنتهج خطابًا «أنا مصري مش عربي» وترفض الانتماء العربي أو التركيز على الإسلام/المسيحية كمرتكز أساسي للهوية، وصولًا إلى عناصر يمينية متطرفة تدعو إلى نقاء عرقي أو تهمّش فئات معينة. 

هذا التشتت يجعل من الصعب التعامل مع "الكمايتة" كوحدة متجانسة. 


دوافعهم: بين بحث الهوية والرفض السياسي والاجتماعي

يمكن اختصار دوافع من يصفون بأنهم «كمايتة» أو الذين يُحمَل عليهم هذا الوصف في ثلاث مجموعات رئيسية متداخلة:

  1. بحث عن هوية وطنية متجذرة في التاريخ:
    يشعر بعض الشباب بأن الانتماء العربي أو الديني لا يعبر كفاية عن خصوصية مصر التاريخية. لذلك يلجأون إلى اسم "كيميت" والحضارة الفرعونية كمصدر فخر وهوية مغايرة للخطاب العربي الحديث. هذا البُعد ثقافي في المقام الأول وقد يبدأ كهوس تراثي أو اهتمام علمي بالآثار. 

  2. رد فعل على التحولات الاجتماعية والسياسية:
    في فترات الأزمات أو الإحساس بانهيار مؤسسات أو انزياح في الخطاب الوطني، يظهر بحث عن «نظريات بديلة» تحدد هوية تستعيد الماضي كحل وظيفي للخلافات الحاضرة. إذ يرى البعض أن التركيز على الهوية التاريخية يساعد على إعادة ترتيب الأولويات السياسية والاجتماعية. 

  3. قوام متطرف (عند فئات محددة):
    توجد جماعات صغيرة داخل هذا الطيف تتبنى روايات عن «نقاء عرقي» أو أهداف استبعادية تجاه اللاجئين أو الأقليات، وتستعمل رموزًا فرعونية لتبرير شعارات قومية ضيقة. هذه الفئات هي مصدر القلق الأكبر لأنها قد تنتقل من الخطاب الرقمي إلى أعمال ميدانية أو عنف رمزي. 


خطاب "الكمايتة": سمات وعناصر بارزة

يمكن تلخيص أهم ملامح خطاب هذه التيارات فيما يلي:

  • التمجيد الفرعوني والتمركز حول كيميت: استخدام رموز الحضارة المصرية القديمة (الرموز، الأسماء، الأساطير) كمرجع لسردية وطنية بديلة. 

  • نقد الانتماء العربي والإسلامي-الوطني بالشكل التقليدي: بعض الدعايات تحمل جملًا مثل "أنا مصري مش عربي" أو تشكك في روايات تاريخية عن الفتح والهوية، ما يولّد استقطابًا. 

  • اللجوء إلى وسائل التواصل لنشر محتوى مُختزل ومتنازع عليه: صفحات وفيديوهات وقنوات يوتيوب تنتشر فيها تحليلات تاريخية مشوهة أو تحريضية، وتستخدم الخطاب العاطفي لاستقطاب شباب غير راسخين فكريًا. 

  • مزيج من العلمانية والرجعية: بعضهم يتبنى مواقف علمانية في المسائل الدينية، بينما يحمل في الوقت نفسه رؤى تقليدية أو عنصرية في مسألة "الانتماء العرقي". هذا الخلط يزيد من صعوبة تصنيف التيار سياسياً.  الكمايتة

علاقتهم بالمؤسسات والمشهد العام

في الواقع لا توجد علاقة منسقة وموثقة رسميًا بين جميع من يُدرج تحت هذا المصطلح والمؤسسات الرسمية. 

لكن ظهور الحملات والصفحات وموجات النقاش أثار ردة فعل مؤسساتية ومجتمعية:

 وسائل الإعلام تحذر من التطرف، ومنظمات المجتمع المدني تراقب خطاب الكراهية، والجمهور منقسم بين من يعتبرهم مدافعين عن الهوية ومن يعتبرهم مخاطر تستهدف النسيج المجتمعي. 

بعض المواد الإعلامية تشير إلى استغلال جماعات ومصالح للخطاب أحيانًا لصالح أجندات سياسية أو اجتماعية محددة. 


لماذا يثيرون الجدل؟ مخاطر وتأثيرات محتملة

  1. تفتيت وحدة النسيج الاجتماعي: خطاب «أنا مصري مش عربي» أو السعي إلى استبعاد مجموعات (لاجئين، مهاجرين، سُكان ذوي أصول غير متجانسة) يخلق توترات اجتماعية. 

  2. التشويه التاريخي: تبسيط التاريخ واستخلاص استنتاجات عن نقاء عرقي أو أن حضارة معيّنة ملك فئة محددة قد يؤدي إلى سرديات عنصرية. 

  3. التحول إلى عنف رمزي أو فعلي: على الرغم من أن أغلب المنتمين غير منظمين ولا يدعون للعنف صراحة، فإن تحويل الخطاب إلى خطاب كراهية قد يمهد لممارسات تمييزية أو عنف ضد أفراد أو مجموعات. 


كيف نقرأ الظاهرة بشكل موضوعي؟

  • لا نعمم: وجود مجموعات تتبنى أفكارًا قومية لا يعني أن كل من يستخدم كلمات مثل "كيميت" أو "كمايتة" يشارك في خطاب تمييزي. كثيرون مجرد عشاق لتراثهم ولا يملكون مشروعًا سياسياً. 

  • التفريق بين الثقافة والسياسة: حب الآثار والحضارة يحتاج إلى فصل عن الروايات السياسية التي توظف الرموز التاريخية لغايات لحظية.

  • الرقابة المدنية والنقاش العام: الصحافة، الأكاديميون، ومدوّنو التاريخ لديهم دور في تفنيد المعلومات المغلوطة وتقديم سردية تاريخية دقيقة ومتوازنة؛ كما على منصات التواصل مسؤولية الحد من خطاب الكراهية. 



خاتمة وتوصيات قصيرة

الـ«كمايتة» ظاهرة مركبة: فيها من هو ثقافي وولائي لتاريخ مصر القديم، وفيها من هو سياسي وقومي وربما متطرف. 


المهم في التعامل معها أن نعيد إنتاج المعرفة التاريخية الدقيقة، ونميز بين امتلاك فخر حضاري ومشاريع إقصائية، وأن نعالج أسباب التوجّه نحو روايات الهوية البديلة — كالفراغ السياسي أو الإحساس بفقدان الكرامة الاجتماعية — عبر سياسات شاملة للتكافل والهوية والتعليم. 


كما يجب أن يظل النقاش العام مدنيًا وموضوعيًا ويواجه خطاب الكراهية بقوانين ومبادرات توعوية.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button