قبل نحو 7 عقود, وتحديداً عام 1960م تمت طباعة المصحف المرتل في أسطوانات داخل جمهورية مصر العربية لأول مرة في تاريخ الإسلام ..
الدكتور لبيب السعيد عليه رحمة الله كان صاحب الفضل في فكرة الجمع الصوتي للقُرآن الكريم, حيث اقترح عليه رحمة الله مشروع (الجمع الصوتي للقُرآن الكريم)، على وزير الأوقاف آنذاك الشيخ "أحمد عبد الله طعيمة"، تسجيل القرآن الكريم مُرتلا، وشكا له من أنَّه أمضى عدة سنوات محاولاً تنفيذ المشروع بصورة فردية بعد أن رأى تقاعس العديد من المسؤولين وعدم اهتماماهم بهذا المشروع القُرآني الفريد، ولكن بلا جدوى ..
يقول
الشيخ طعيمة في مذكراته "صراع السلطة" أنه استدعى الشيخين سيد سابق
(صاحب فقه السنة) ومحمد الغزالي (صاحب كتاب فقه السيرة) إلى مكتبه، وكانا مسؤولين في
الوزارة، حينئذ وطلب منهما مناقشة السعيد في مشروعه. يؤكد: "جاء رأيهما بأنه جدير
بالتنفيذ فنفذته فوراً"..
أول تسجيل صوتي للقران الكريم
ويؤكد
"طعيمة": بأن ذلك "كان أول تسجيل صوتي للقرآن الكريم في العالم بعد
جمع القرآن فب عهد سيدنا عثمان بن عفان، رضى الله عنه" ..
وقد شغل «طعمية» وزارة الأوقاف المصرية في الفترة
من تاريخ: 24 أكتوبر 1959م حتى عام 1961م،
وفى عهده تم إنجاز هذا المشروع من خلال الوزارة.. غير أن الدكتور الراحل "لبيب السعيد" كان صاحب فكرته، حسبما
يؤكد الوزير "طعيمة" في مذكراته، بالرغم من أنه لم يكن من العاملين في الأوقاف،
وقت عرض مشروعه على الوزير، حيث الدكتور "لبيب" وقتها يشغل منصب المراقب
العام بمصلحة الاستيراد، ومنتدبا للتدريس أستاذاً بكلية التجارة جامعة عين شمس ..
وقد
انتقل (رحمه الله) إلى وزارة الأوقاف ليشرف على تنفيذ المشروع، أما بداية تفكيره فيه
فكان في عام 1958م، بتقديمه مذكرة إلى الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم،
وكان رئيسها، وتضمنت المذكرة حيثيات فكرته وهى، أن أهم وسيلة لنقل القرآن الكريم عبر
الدهور، كانت ومازالت روايته وتلقينه مباشرة ومشافهة بين الشيخ المُقرئ والتلميذ المتعلم،
وهذا هو المعتمد عند علماء القراءة؛ لأنَّ في القراءة ما لا يمكن إحكامه إلا عن طريق
السماع والمشافهة ..
ومتابعة للتطور، وتأكيداً لطريقة النقل الشفوي وتطويراً
لها، يمكن الآن الاتجاه إلى تسجيل القرآن الكريم تسجيلاً صوتياً، ولعلَّ هذا الأسلوب
أن يكون هو أصلح أساليب العصر، وأكثرها تيسيراً على المسلمين في تلقى الكتاب العزيز،
مُجوداً وَمْتلُوّاً بمختلف القراءات" ..
وأضاف الدكتور "لبيب" بأن: "الحاجة ماسَّة
إلى هذه الوسيلة بالنسبة للدول الإسلامية غير العربية أمس الحاجة حيث ستساعد ناشئتها
على حُسن تلقي القُرآن عبر الاستماع إلى كبار القُرَّاء المُتقنين، وانتشار القرآن
بفضل هذه الوسيلة سيكون أوسع، وطلابه سيكونون أكثر، والمصحف المسموع سيكون سببا لزيادة
توثيق العلاقات بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها" ..
علماء فن التجويد والقراءات
واقترح
الدكتور "لبيب" أن يقوم على التلاوة علماء فن التجويد والقراءات، والقراء
المهرة من أصحاب الأصوات الجيدة والأداء المتقن، وأن تختارهم لجنة لها خبرتها في القرآن
الكريم وعلومه، يُشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللُّغوية والثقافية،
ورحب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر حينئذ، ودعا (ثلاثة) من أشهر القراء
والعلماء للبدء بالتسجيل وهم، الشيخ محمود خليل الحصري للتسجيل برواية "حفص عن
عاصم"، والشيخ مصطفى الملواني للتسجيل برواية "خلف عن حمزة"، والشيخ
عبدالفتاح القاضي رئيس لجنة مُراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، لتسجيل قراءة "أبى
جعفر برواية ابن وردان"، على أن يشرف على التسجيل..
ويؤكد
الشيخ طعيمة في مذكراته أن الشيخ "الحصري" تطوع بتسجيل القرآن كاملاً بلا أي أجر ..
فضل ودور الفنان محمد فوزي في تسجيل القرآن الكريم
ومن
الأمور المهمة التي ذكرها الشيخ طعيمه فى تلك المذكرات هي أن مصنع الأسطوانات الذى
كان يملكه الفنان محمد فوزى له فضل كبير على المشروع.. حيث يقول الشخ طعيمة: "كانت
الأسطوانات تُرسل للخارج لصنع النسخة الأصلية التي يتم الطبع عليها، ولم تكن شرائط
التسجيل ظهرت بعد.. فقرر الفنان محمد فوزى أن تدفع الوزارة ثمن التكلفة الفعلية للأسطوانات
دون أي ربح يحصل عليه.. وفى يوم السبت 28 من شهر الله المحرم عام 1380هـ الذي وافق
23 يوليو 1960م بدأ توزيع المصحف المرتل لأوَّل مرة في تاريخ الإسلام"..
ويؤكد
"أحمد طعيمة": "كان لتسجيل القرآن المرتل صوتياً آثار بعيدة المدى،
فقد حرصت جميع محطات الإذاعات الإسلامية على إذاعته في برامجها، حتى أن الاهتمام أثار
الأمريكان، فجاءني السفير الأمريكي زائراً في الوزارة طالباً نُسختين من الأسطوانات
لمكتبة الكونجرس" ..