لا شك أن ظهور الشبكة
العنكبوتية/ الدولية للمعلومات "الإنترنت" كان من أعظم ثورات التاريخ؛ إذ
قرَّبت المسافات ودمجت الشعوب حتى تحقق الحلم القديم بصيرورة العالم "قرية صغيرة"؛
ولتأثيرها الهائل والسريع فى الرأى العام ومن ثم التغيير، وتنامى دور الفرد، وقدرتها
على التنشئة الاجتماعية متخطية الوسائل التقليدية التى تراجعت أمامها بشدة.
ولم تبق، على ما
أعلم، حتى الآن أمة من الأمم إلا واستثمرت هذه الثورة فى نهضتها التعليمية والثقافية،
وفى تطوير اقتصادها وفتح آفاق معرفية جديدة فى شتى المجالات، وفى التواصل مع الآخرين؛
ما جعل هذا الفضاء غير المحدود ملتقى الشعوب على تباعدها واختلاف ألسنتها وألوانها؛
إذ حسب إحصاءات 2021 فإن (62%) من سكان العالم يستخدمون «الإنترنت» بمواقعه المتعددة،
ما يعادل (4,8) مليار إنسان، وهذه النسبة تتزايد بصورة كبيرة، فقد قفزت نحو مليارين
فى سنتين اثنتين، ففى عام 2019 لم تكن النسبة تتعدى (45%) من سكان المعمورة بما يعادل
(3,5) مليار مستخدم.
ولو انتقلنا إلى
بلادنا العربية سنجد أن نحو (140) مليون عربى يستخدمون الشبكة بنسبة (54%) من إجمالى
سكان العرب، وهى النسبة الأكبر للعرق فى العالم، وقد تصدرت دول عربية (السعودية، ثم
مصر، فالإمارات والمغرب) قائمة الدول فى «مدة استخدام الإنترنت» بل تجاوزت المدة القصوى
المتعارف عليها دوليًّا (ثلاث ساعات يوميًّا للفرد) فسجلت المملكة السعودية مثلًا
(4,5 ساعة) للفئة العمرية من (16- 64 سنة). أما فى المحروسة ففى تصريح وزارى سمعناه
مؤخرًا بلغ عدد مستخدمى الشبكة نحو (50) مليون مصرى، أى نصف عدد السكان تقريبًا. فماذا
يفعل العرب على الشبكة؟
الحقيقة: حافظ العرب
على ريادتهم، ولسنوت طويلة، فى زيارة المواقع الإباحية، فلم ينافسهم فى ذلك دولة واحدة،
حتى أمريكا التى تأتى فى مقدمة كل شىء جاءت دائمًا فى المرتبة الثانية بعد العرب. أما
الصدارة المحلية فتتنازعها، مثل فرق كرة القدم: مصر والمغرب، وتأتى بعدهما فى مراتب
متغيرة: لبنان، العراق، السعودية. وفى الإحصاءات التفصيلية التى لا مساحة لعرضها كوارث
فيما يخص النساء فى البلاد التى تبدو محافظة وفى الصغار دون السن.
ألا يحق لنا كعرب
أن نستغل هذا الفضاء الذى لا حدود له ولا تنتهى عجائبه ولنا فيه هذا الحضور الكبير،
وكما استغله الآخرون، فى التطوير والنهضة؟ وما الذى يمنع من أن يكون هذا الحضور مفيدًا؟
إن هناك معركة حامية الآن -قد تكون مفتعلة- فيما يسمى «البرلمان» حول منع «المواقع
الإباحية»، وهناك من الرسميين من يدافع عن بقائها مسبقًا؛ مرة بحجة صعوبة غلقها فنيًّا
مع كثرة تكاليف الغلق [لم يصعب عليهم غلق 600 موقع إخبارى بعد الانقلاب]، ومرة أخرى
حسب قول أحدهم: بالاعتماد على وعى الشعب!
إن العالم من حولنا يعمل بجد لإحلال الأنظمة التعليمية
عن بُعد محل الأنظمة التقليدية وتعليم المقاعد والقاعات، وهناك آلاف من جامعات (الجيل
الرابع) التى تعتمد هذا الأسلوب انتظمت صفوفها خصوصًا بعد أزمة «كورونا». وما ينطبق
على التعليم ينطبق على الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة والعلاقات الدولية إلخ.
أمامنا إذًا فرص هائلة لتفعيل الإدارة الإلكترونية وتحويل مؤسساتنا «الكسيحة» إلى مؤسسات
فائقة الجودة..
وهناك من «التطبيقات» الرائعة ما حل محل أبنية وموظفين؛
حيث ينجز هذا التطبيق أو ذاك فى ساعة واحدة
ما ينجزه ألف موظف بيروقراطى فى أيام، ناهيك عن التخلص من تلك الوجوه الكئيبة التى
تشبه أنظمتها السياسية. ولن نذهب بعيدًا فإن لدينا «جروبات» فى كل الأحياء، أراها نواة
لعمل شعبى ممتاز لو تم الاعتراف بها من الجهات الرسمية، لكن يظل الاستبداد عائقًا أمام
النهوض والتطوير؛ إذ هناك مئات القيود التى تمنع التعاون أو القيام بأى إصلاح أو عمل
جماهيرى مفيد.
وما قيل فى السطور
السابقة يُقال فيما يخص «الدعوة الإسلامية» التى للعرب نصيب فيها؛ فلا زال نصيب الدعوة،
على وجه العموم، هزيلًا مقارنة بالديانات الأخرى؛ إذ تستحوذ على عُشر ما تستحوذ عليه
المسيحية التى تبتلع (62%) من الصفحات الدينية على «الإنترنت». وإلى الآن لم نسمع عن
مواقع عربية رسمية موثوقة ترد الهجوم على الإسلام الذى تشنه آلاف المواقع المعادية،
بل رأينا موانع وقيود بالجملة أمام مبادرات شعبية لتبنى هذا الدور وتصحيح صورة الإسلام
على الشبكة التى تموج بالأفكار التى يعادى جلها الإسلام والمسلمين.
لقد صارت «الإنترنت»
منافسًا للمنبر وللكتاب، والمسلم الذى كان يجد مشقة قبلها فى الوصول إلى داعية واحد
يصله الآن حتى مخدعه ومن دون جهد ألف داعية يختار من بينهم من يشاء. ويمكن للعرب المسلمين
التصدق على دينهم ببعض أوقاتهم فى عرض أفكار الإسلام والتى غابت حتى عن بعض المسلمين،
ويمكنهم إبداع أعمال ومنصات تحتوى مجالات الدعوة كافة من أعمال بر، ومكافحة عُرى، وتوجيه
الشباب والنشء، وتمهيد الطريق أمام من ضلوه أو تنكبوه، وإرشاد الحائرين إلى فضل وعظمة
هذا الدين.