اكتشاف 33 جينًا ترتبط بإصابات العقم لدى الرجال
الجينات التي حددها فريق البحث السعودي تمثل أكبر عدد من جينات العقم عند الذكور يجري اكتشافها خلال دراسة علمية واحدة.
يقف العقم حائلًا
أمام تحقيق حلم الإنجاب لحوالي 15% من الأزواج حول العالم، وفق منظمة الصحة العالمية،
التي ربطت العقم بعدم قدرة الزوجين على الإنجاب طوال عام كامل، على الرغم من قيامهما
بالجماع بشكل متكرر، دون استخدام واقٍ ذكري.
ويسبب العقم عند
الذكور ما يقرب من نصف حالات فشل الإنجاب بين الزوجين، ورغم ذلك يفتقر الرجال إلى مسببات
تشخيصية محددة له، وبخاصة فيما يتعلق بالعوامل الجينية، رغم ما طرأ على هذا المجال
من تقدم في السنوات الأخيرة؛ إذ لا يُعرف عن الأسباب الوراثية للمرض سوى القليل. وتعد
التقديرات الحالية لمساهمة الفحوصات الجينية في الكشف عن أسباب عقم الذكور (15%) فقط.
وللعقم الذي يصيب
حوالي 7% من الذكور في سن الزواج أسباب عديدة، فقد يكون نتيجة نقص في أعداد الحيوانات
المنوية، أو لشذوذ في شكلها، أو حركتها، أو أن هناك مشكلة في قنوات التوصيل تمنعها
من الوصول إلى هدفها. كما يمكن لنمط الحياة غير المناسب وللأمراض المزمنة، أن تؤثر
على مستوى خصوبة الرجال.
وتبقى إحدى المشكلات
التي تواجه عملية تشخيص العقم لدى الذكور، حتى الآن، هي عدم تحديد أعداد كبيرة من الجينات
التي ترتبط بالإصابة به. إذ يُعتقد أن هناك حوالي 2000 نوع من الجينات تُشارك في إنتاج
الحيوانات المنوية لدى الذكور.
الأسباب الوراثية
للعقم
وفي محاولة جديدة
للبحث عن الأسباب الوراثية للعقم، اكتشف باحثون في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالمملكة
العربية السعودية، 33 جينًا ترتبط بإصابات العقم لدى الرجال، ما يفتح الباب أمام طرق
تشخيص وعلاجات جديدة لهذا المرض.
وأوضح الباحثون،
في دراستهم، التي نشروا تفاصيلها في دورية جينيتكس إن ميديسين (Genetics
in Medicine) إحدى إصدارات "نيتشر"،
أن الجينات التي حددها الفريق تعد أكبر عدد من جينات العقم عند الذكور التي اكتُشفت
خلال دراسة واحدة.
راجع فريق البحث
1337 بحثًا منشورًا في هذا الشأن، واكتشف أن 4 دراسات فقط، سلَّطت الضوء على 78 جينًا
تحمل مستوى متوسطًا من الأدلة على ارتباطها بالعقم عند الذكور، بمعدل 3 جينات مكتشفة
سنويًّا، وهو معدل بحثي بطيء جدًّا مقارنة بالأبحاث التي سلطت الضوء على أمراض جينية
أخرى مثل الإعاقة الذهنية على سبيل المثال.
التشخيص على المستوى
الجزيئي
فوزان الكريع
-عالِم الوراثة الإكلينيكية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، والباحث الرئيسي
للدراسة- قال: "إن العقم عند الذكور مشكلة شائعة تؤثر على 7% من الذكور حول العالم،
ومع ذلك فهي لا تزال غير مفهومة جيدًا على المستوى الجزيئي. لقد سعينا في هذه الدراسة
إلى التحقق من نتائج الدراسات الجينية في تشخيص عقم الذكور".
وأضاف في تصريحات
لـ"للعلم" أن دراستهم هي الأكبر حتى الآن للبحث عن الجينات المرتبطة بالعقم
لدى الذكور، إذ شارك فيها 285 مريضًا من الذكور الذين يعانون من شكلين مختلفين من العقم.
وكان 237 مشاركًا
يعانون من فقد النطاف غير الانسدادي (NOA) وهو فشل في تكوين الحيوانات المنوية، يؤدي إلى خلو السائل المنوي
لدى الذكور من الحيوانات المنوية، بالإضافة إلى أن الـ48 المتبقين يعانون من فقد النطاف
الانسدادي (SO) الذي يتسبب في أن يكون عدد الحيوانات المنوية أقل من مليون حيوان
منوي لكل ملليلتر واحد.
تراوحت أعمار المشاركين
من 24 إلى 64 عامًا (المتوسط 37.4 عامًا). وجرت دراسة 285 مشاركًا من الرجال الذين
لا يعانون من مشكلات في الخصوبة، كمجموعة ضابطة.
وخضع المشاركون
في الدراسة لفحص تسلسل الإكسوم (ES)، وهي تقنية جينومية لتسلسل جميع مناطق ترميز البروتين للجينات في
الجينوم، بهدف إنشاء أساس وراثي للعقم عند المرضى الذكور.
ومن المأمول أن
يؤدي الفهم الكامل للبيولوجيا الجزيئية وراء العقم عند الذكور، جنبًا إلى جنب مع زيادة
تطبيق الطب الجيني، إلى تحسين طرق تشخيص العقم عند الرجال وعلاجه.
واكتشف الباحثون
أن 69 مشاركًا (24.2 بالمئة) عانوا من خلل في جين واحد (Monogenic
Forms) أدى إلى الإصابة بالعقم.
وفي أثناء فحص
الكروموسومات، ظهر لدى حوالي 10% من المرضى دليلٌ على الانحراف الكروموسومي المرتبط
بالعقم عند الذكور عند البشر. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أن 33 جينًا مرشحًا
مرتبطة بيولوجيًّا بعملية إنماء الخلايا الجنسية (Germ Cells) التي تنتج الأمشاج والحيوانات المنوية
لدى الذكور، ويمكن أن تؤدي الأخطاء في تمايز الخلايا الجنسية إلى العقم.
من جانبه، قال
"الكريع": "تمثل الجينات الـ33 المرشحة candidate
genes التي حددناها في
هذه الدراسة، إلى حد بعيد، أكبر عدد من جينات العقم عند الذكور التي اكتشفتها دراسة
واحدة". وأوضح أنه "لوضع الدراسة في سياقها الصحيح، هناك فقط حوالي 40 جينًا
مرتبطًا بفقد النطاف غير الانسدادي وفقد النطاف الانسدادي لدى البشر حتى الآن، وبالتالي،
تضاعف دراستنا تقريبًا الجينات المرتبطة بهذا النمط من العقم".
وأشار إلى أن مرضى
العقم يفتقرون عادة إلى إجراء الفحص الجيني بحثًا عن المتغيرات في هذه الجينات، ما
يترك أكثر من 90 في المئة منهم دون سبب محدد للعقم، وهو ما يؤكد أهمية التشخيص الجزيئي،
لذلك نسعى بشدة للتطبيق السريري لعلم الجينوم في عيادات الفحص.
وعن أهمية الاكتشاف،
اعتبر أن الجينات المكتشفة تساعد بشكل كبير في تحقيق هدف توفير التشخيص الجزيئي لـ(NOA) و(SO)، نظرًا إلى أننا ضاعفنا عدد الجينات
المرشحة المرتبطة بهما تقريبًا.
وسائل منع حمل
للرجال
واعتبر "الكريع"
أن أحد الجوانب المهمة التي أبرزتها الورقة البحثية هو أن اكتشاف جينات جديدة للعقم
عند الذكور، يمكن أن يسرّع بشكل كبير من العثور على أهداف دوائية جديدة لتطوير وسائل
منع الحمل للرجال في المستقبل.
وأشار إلى أنه
"لا ينبغي لأحد أن يُغفل الإمكانيات التي تحملها هذه الاكتشافات الجينية لتصميم
وسائل منع الحمل الذكورية الجديدة. على سبيل المثال، عندما نجد أن طفرة في الجين الذي
يشفر مستضدًّا خاصًّا برأس الحيوانات المنوية يتسبب في حدوث العقم، سيكون هذا هدفًا
ممتازًا لتطوير جسم مضاد مُعادل يستهدف هذا المستضد لتعزيز خصوبة الذكور بشكل فعال
وآمن.
خطوة مهمة
من جانبها، قالت
إيناس مازن، أستاذ الوراثة البشرية والغدد الصماء بالمركز القومي للبحوث: إن الدراسة
تعتبر خطوة مهمة في رحلة البحث عن الأسباب الوراثية وراء العقم عند الرجال.
وأضافت لـ"للعلم"،
أن الأهمية الرئيسية لهذا النوع من الأبحاث هي تحديد السبب الكامن وراء العقم، لأن
عددًا كبيرًا من هذه المشكلات المعقدة غالبًا ما تُترك دون سبب محدد، لذلك فهي مهمة
بالنسبة للمرضى، على الأقل لأنهم يجدون بعض الارتياح في معرفة سبب مرضهم، حتى لو لم
يجدوا له علاجًا.
وتابعت "مازن"
أنه من السابق لأوانه الحديث عن علاجات للعقم، تعقب معرفة جينات جديدة مسببة للمرض
وتحديدها، لكن هذه الخطوة مفيدة على مستوى التشخيص، وتمهد لدراسات وافية في المستقبل،
قد تُستخدم لإيجاد حلول علاجية.
واتفقت معها ولاء
علام، الباحث المساعد في علوم الجينوم، في جامعة زويل، قائلةً: إن الدراسة جيدة ونتائجها
ذات قيمة كبيرة، ويمكن أن تشكل قاعدة مستقبلية لإيجاد حلول تشخيصية لمشكلات العقم عند
الرجال.
وأضافت لـ"للعلم"،
أن الجين البشري في صورته الطبيعية يكتب بتتابع معين، لكن الجين غير الطبيعي، أو الذي
يعاني من طفرة، يكون أحد أجزائه مختلفًا ويسبب خللًا في وظائف هذا الجين، ينجم عنه
الإصابة بالأمراض وراثية المنشأ ومنها العقم.
وعن أهمية نتائج
البحث، تابعت "علام" أن الاستعانة بتطبيقات علم الجينوم لتشخيص العقم عند
الذكور يمكن أن تُسهم بشكل كبير في فهمنا لهذه المرض، والعيوب التي تصيب الجينات المسؤولة
عن إنتاج الحيوانات المنوية.
وأشارت إلى أن
اكتشاف الجينات المسببة للعقم، يعتبر بمنزلة لبنة لبناء قاعدة بيانات لتحديد الجينات
المسببة للعقم، واستخدامها فيما بعد لتحسين عملية تشخيص أسباب عدم الإنجاب لدى الرجال؛
لأن معظم أسباب العقم لا تزال غير معروفة حتى الآن.
ولفتت الانتباه
إلى أن جميع المشاركين في الدراسة ينتمون إلى منطقة جغرافية واحدة وهي السعودية، واعتبرت
أن هذا ربما يشكل قصورًا يمكن أن يؤثر على دقة نتائج الدراسة؛ لأن هذا النوع من الدراسات،
لا بد أن يُجرى على أشخاص يعيشون في بلدان متعددة وبيئات متنوعة اجتماعيًّا واقتصاديًّا
وجغرافيًّا؛ حتى نجزم بصحة النتائج.
كما أشارت إلى
أن الجينات المكتشفة في الدراسة تحتاج إلى إجراء دراسة (Functional
Model) على مجموعة من الفئران
المهندسة وراثيًّا، بحيث تعاني من هذه الطفرة الوراثية؛ لتأكيد علاقتها الوثيقة بالعقم
عند الذكور.
وعقّب "الكريع"
بأن الجينات المكتشفة المرشحة تحتاج بالفعل إلى دراسات مستقبلية لتأكيد النتائج بشكل
مستقل.
وأضاف أنه على الرغم من عدم إمكانية ترجمة أي من
الاكتشافات التي تم التوصل إليها في هذه الدراسة على الفور إلى علاجات للعقم، إلا أن
هذا قد يتغير في المستقبل؛ لأننا سنفهم بيولوجيا الجينات بشكل أفضل.
وأضاف أن مواصلة
مثل هذا النوع من الأبحاث توسع فهمنا لأسباب العقم، والآليات الجزيئية التي تتحكم في
إنماء الخلايا الجنسية، كما أن التوسع في استخدام علم الجينوم في مجال طب المسالك البولية
يقود إلى تحسين عملية تشخيص مشكلات العقم عند الذكور.
وتابع أنه بعد
أن أظهرت الدراسة الفوائد الكبيرة لفحص تسلسل الإكسوم في التشخيص الجزيئي لمرضى العقم
عند الذكور، نهدف إلى اعتماد هذا الفحص كاختبار سريري روتيني في مركزنا الطبي لجميع
مرضى العقم من الذكور، مضيفًا أنهم يأملون أيضًا أن تحفز نتائجهم الاهتمام بين الزملاء
في هذا المجال للانضمام إلى جهودنا لإجراء دراسات مماثلة على مجموعات أكبر من الذكور
المصابين بالعقم، لاكتساب رؤى أعمق للأساس الجزيئي لهذه المشكلة الطبية المهمة.
المصدر: scientificamerican