أضواء على الصالونات الثقافية (1)
مقدمة
ليس
أصعب على النفس من الكتابة في هذا الموضوع المهم في هذه المساحة الضيقة من الصفحات
، لذلك اضطررت إلى الإيجاز الذي قد يبدو أحيانًا إجحافًا ، كما اعتمدت على مبدأ الانتقاء
، وقد يكون المتروك أفضل من المطروق ، وقد يرجع ذلك إلى معرفتي الميدانية بالصالونات
التي عرضتها أكثر من التي تركتها .. وقد جاء الاستهلال تعريفًا "للصالون"
ومكانه في اللغة والواقع .. ثم عرضت لما يمكن أن يكون تمثيلاً لأصل الصالونات وجذورها
في المجالس واللقاءات ، وخصوصًا مجالس سكينة بنت الحسين ، وولادة بنت المستكفي ، ثم
جاء مر الكرام ب الكويت و السعودية ، وكان أكبر الاهتمام بصالونات القاهرة لريادتها
الأدبية والثقافية ، ولمعرفتي بهذه الصالونات ، ومساهماتي فيها أكثر من غيرها ، وكان
أشهر هذه الصالونات ثلاثة : صالون نازلي فاضل ، وصالون مي ، وصالون العقاد .. ثم جاءت
الصالونات الأخرى .
من
المعروف أن كلمة "صالون" كلمة دخيلة على اللغة العربية وأصلها في الأجنبية
"Salle" ، وترجمت في بنيتها العربية "صالة" ، ومعناها : غرفة
ـ بهو ـ قاعة ـ حجرة واسعة .
أما
كلمة"Salon" فتعطي المعاني السابقة في الفرنسية ، وتزيد عليها في المعنى
: ندوة : أي اجتماع للتشاور أو التباحث ومناقشة مسائل متعددة .
وتستعمل
كلمة Salon" " في الإنجليزية بمعنى ـ القاعة أو البهو الواسع لغرض العرض
أو الاستقبال ، أي كمعرض لعرض اللوحات أو التماثيل أو التحف والملابس وغيرها .. وتعني
كذلك الاجتماع الدوري لأدباء ومفكرين ومثقفين للمناقشة في قاعة محددة من قصر خاص ،
أو مبنى خصص لذلك .
أما
كلمة "Saloon" فتعطي المعاني السابقة ، وتزيد عليها مسميات أخرى هي : السيارة
المقفلة التي تسع من أربعة إلى سبعة ركاب ، وكذلك الحان (البار) ، أي مكان بيع الخمور
وشربها .
وفي
فلك التعريفات السابقة تدور المراجع العربية الحديثة : فالصالون "Salon" في معجم
"وهبة" يطلق على الندوة الأدبية : أي اجتماع في قصر من قصور رعاة الفنون
والآداب يتآلف من الأدباء والفنانين والساسة البارزين ، يجتمعون فيه بصفة دورية لمناقشة
المسائل الجارية ، والموضوعات الأدبية .. ويطلق الصالون كذلك على المعرض السنوي العام
الذي يقيمه مجموعة من المصورين تجمعهم فكرة واحدة في فن التصوير
وبناء
على ما ذكرناه سابقًا نخلص إلى الحقائق الآتية :
1)
الكلمة في اللغات الأوروبية كلمة مستحدثة لم يكن لها وجود في القديم .
2)
الكلمة دخيلة على اللغة العربية .. وإن وجد في التاريخ العربي مسميات يمكن ـ مع شيء
من التجاوز ـ إطلاق كلمة "صالون" عليها ، مثل المجلس ، والمنتدى ، والندوة
.. كما يمكن اعتبار الكلمة من الدخيل المعرب ، مثل : بستان ، وديوان ، ولها ما يوافقها
من الوزن الصرفي ، وهو "فاعول" ، وعليه جاءت كلمات قرآنية مثل : طاغوت ،
وناقور ، وكافور ..
3)
وبتحديدنا هذا المصطلح في النطاق الفكري نجد أن مفهومه يأخذ دلالة من الوصف اللاحق
به ، فهناك الصالون الأدبي ، والصالون السياسي ، ويأتي وصف الثقافي ليتسع ـ منفردًا
ـ للتوصيفات السابقة وغيرها ، فهو أشملها جميعًا .
4)
يطلق مصطلح الصالون على "المكان" ، وقد يطلق على "المجتمعين" ،
ولكنه ـ في الأغلب الأعم ـ يطلق على المجتمعين في مكان معين بصفة دورية لمناقشة موضوع
ما .
5)
أشرنا إلى أن الكلمات التي تستخدم مرادفة "للصالون" ندوة ، ومنتدى ، وملتقى
، ولقاء ، ومجلس .
ولكن
الاستعمال العرفي يجعل ثمة فروقًا بينها تكاد تكون في الدرجة لا في النوع ، فروادها
أكثر ، ومكانها أكثر اتساعًا ، وقد يتغير من ندوة إلى أخرى ، وقد يكون مكانًا عامًا
، ولا التزام لدورية عقدها ، أما الصالون فمكانه ـ غالبًا كما ذكرنا ـ قاعة في قصر
، أو بيت خاص لشخصية "ذات حيثية" اجتماعية ، أو ثقافية ، أو سياسية بصفة
دورية : أسبوعيًا ، أو شهريًا ، أو نصف شهري .
المصدر:
كتاب (أضواء على الصالونات الثقافية) لـ د. جابر قميحة