مجتمع بوست | الذوق سلوك الروح.. (4) ضيافة الأسرة
قال لي أحد
الإخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه. وكان للمضيف ابنٌ شابٌ قد غاب عن المنزل منذ
يومين ولم يتعرف على مكان تواجده مما سبب للأسرة قلقا بالغا.. وقد عرف الضيف
الكريم ذلك ولاحظ وشاهد مبلغ الاضطراب الذي تعيش فيه الأسرة ـ ولكنه لم يبد أي
شعور بالمشاركة الوجدانية، ولم يشارك بأية كلمة مواساة وبعد أن قضى الوقت المناسب
وقمنا نحوه بالواجب غادرنا، ولم يتصل بنا بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا. وهكذا
يقول المثل ( الذي يحب نفسه تكرهه الناس
).
ضيافة الأسرة
قد ينزل عليك
ضيْفٌ ومعه أسرته لأكثر من يوم. ولن تتحمل كثيراً من المشاق إذا كان المنزل فيه
متسع يمنع الحرج الشرعي من الاختلاط أما إذا كان الأمر غير ذلك فإن عقبات كثيرة
تحول دون الوفاء براحة الجميع.
ولعل أكثر
المتاعب تأتي من نوعية الطعام. الذي يقدم للضيوف في هذه الحالة إذ أن البعض لا
يرغب في نوع معين من الطعام، والآخر يحدد نوعا خاصا. والمضيف في هذه الحالة ينفق
بقدر ما تسمح به حالته وليس بيتهُ مطعماً عُموميا يلبي طلبات الجميع، ورسول الله r يقول ".... فمن اشتهى شيئا فليأكله ومن كره فليدع" ودعا
رجل من المسلمين رسول الله r إلى طعام من الخبز والخل فما توقف رسول الله وما امتنع. بل قال
كلمة تليق بمساحة الضيف وتحافظ على شعور المضيف.
فعن جابر t أن النبي r سأل أهله الإدام. فقالوا: ما عندنا إلا الخل. فدعا به فجعل يأكل
ويقول ( نعم. الإدام الخل نعم الإدام الخل ) رواه مسلم وقيل في المثل ( بصلة المحب
خروف ).
كلمات لا بد أن
نعيش مع مدلولها السامي في التربية، وعلى المضيف أن يقدم ما تيسر عنده من طعام ولا
حرج عليه. وعلى الضيف أن يكون على مستوى الأخوة فلا يعتبر ذلك انتقاصا من قدره.
فإذا تكلف المضيف فوق طاقته وظروفه المادية وربما الصحية كذلك عنده أو عند أهله،
فإن هذا التعامل سوف يضيق، ابواب الأخوة وتصبح الزيارات أحمالا وأثقالا تقلل من
مشاعر الحب والإيناس. ورسول الله r يقول لنا ( لا تكلفوا للضيف فتُبغضوه ) والمثل يتجاوب مع الموقف
حين تسمع "اللي يفتح بابنا يأكل لبابنا" "البير الحلو دايما نازح".
وأحيانا يوجه
أخ إلى إخوانه دعوة للغذاء أو العشاء ـ ويفاجأ صاحب الدعوة أن الإخوة الكرام قد
اصطحبوا معهم بعض إخوانهم دون استئذان من صاحب الدعوة الذي يكون قد أعد مائدته على
قدر العدد الذي دعاه متجاوزا بعض الشئ؛ فقد روي الإمام أنس بن مالك أن قوما من أهل
المدينة دعوا رسول الله r إلى طعام له ولأصحابه وهم خمسة فأجاب دعوتهم فلما كان في بعض
الطريق أدركهم سادس فماشاهم فلما دنوا من بيت القوم قال u للرجل السادس إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك
ونستأذنهم! وفي رواية عن أبي مسعود البدري t أنه قال: دعا رجل النبي r لطعام صنعه له خامس خمسة فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال له
النبى r إن تبيعنا فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع قال بل آذن له يا رسول
الله وهكذا يعلمنا رسول الله r ـ هذه الآداب ـ التي تحمي ـ المجتمع ـ المسلم من التسيب وتضبط له
قواعد السلوك.
وفي حالة وضع
الطعام يستحب أن ينتظر الضيوف حتى يبدأ المضيف بدعاء الأكل ( اللهم بارك لنا فيما
رزقتنا وقنا عذاب النار ) فيدعوهم إلى تناول الطعام والإشارة إلى هذا المعنى حين
قال النبي لوط u للقوم الذين هبطوا عليه ] .... فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [ [ سورة الذاريات: 27 ] فهو الذي دعاهم إلى تناول الطعام.
المصدر: كتاب (الذوق سلوك الروح) لـ عباس السيسي
المصدر: كتاب (الذوق سلوك الروح) لـ عباس السيسي