وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي, أخبار, ثقافة, اتيكيت, كتب, علوم وتكنولوجيا, مال وأعمال, طب, بيئة

إعلان الرئيسية

الأعمال الشعرية القصصية للشاعرة السعودية زين عبدالله: جسر بين الفن والقيم التربوية للأطفال

كتب/ محمد أبو الوفا

مقدمة: رحلة في عالم زين الساحر

في عالم أدب الطفل العربي، تبرز الشاعرة السعودية زين عبدالله كصوت إبداعي متميز، يجمع بين براعة الصياغة الشعرية والحس التربوي العميق.

من خلال سلسلتها "عالم زين للأطفال"، تقدم عبدالله أعمالاً قصصية شعرية ثنائية اللغة (عربية/إنجليزية)، لا تسعى فقط للتسلية، بل لغرس قيم إنسانية وجمالية في نفوس الصغار.

 

الأعمال الشعرية القصصية للشاعرة السعودية زين عبدالله: جسر بين الفن والقيم التربوية للأطفال


تحلل هذه الورقة ثلاث قصص من إنتاجها: "القطار"، "قطنا الجميل"، و "اللوحة"، لتسليط الضوء على خصائصها الفنية، مضامينها التربوية، وأسلوبها الفريد في مخاطبة عقل وقلب الطفل.

1. تحليل الأعمال الفردية: بين السكك الحديدية، الحدائق، وألوان الطيف

أ. قصة "القطار": صراع الطموح والانتماء

تتناول القصة حواراً داخلياً وخارجياً لقطار بلدة صغير. ينطلق القطار من شعوره بالرضا عن دوره في خدمة أهالي بلدته ونقلهم عبر الوديان، إلى صدمة بمشاهدة قطار آخر ضخم وسريع، مما يولد لديه طموحاً للتغيير وأن يصبح "كبيراً". النص يعالج بإتقان صراعاً نفسياً عميقاً:


  • الطموح مقابل الرضا: رغبة القطار في النمو والشعور بأهميته ("أكبر قدر ممكن، هذا طموحي وسوف أمير").

  • الهوية والانتماء: تذكيره من قبل القطار الكبير بقيمته الفريدة كصديق للبلدة، وحتمية فقدان هذه العلاقة الحميمة إذا تحول إلى قطار سريع ("أنت صديق البلدة ذوها... لو أصبحت قطاراً مثلي تبقى طول الوقت في سير").

  • قيمة المكانة الاجتماعية: إدراك القطار أخيراً أن قيمته لا تأتي من حجمه أو سرعته، بل من ارتباطه العاطفي بخدمة مجتمعه ("أكون قطاراً للبلدة، ولبلدينا أكون فخور").

الأعمال الشعرية القصصية للشاعرة السعودية زين عبدالله: جسر بين الفن والقيم التربوية للأطفال


يستخدم الشاعر التشخيص (Personification) بشكل كامل، مما يجعل القطار كائناً مفكراً وشاعرياً، يسهل على الطفل التعاطف معه. الترجمة الإنجليزية الموازية للنص العربي تسهل نقل المعنى والمشاعر للقراء الصغار غير الناطقين بالعربية.

ب. قصة "قطنا الجميل": أنشودة الرفقة والبراءة

هنا، ينتقل عالم زين من الآلة إلى الكائن الحي، ليرسم بصورة شعرية حية علاقة محبة بين طفل وقطته. القصيدة هي وصف غنائي لعادات القط، مظهره، وشخصيته:

  • التفاصيل الحسية: تصف الحركات ("يقفز، يلعب، ينط")، والمظهر ("ذو اللون الفيروزي")، والعادات ("يطلب دوماً أكلاً فاخراً").

  • علاقة الحب غير المشروط: يصور النص الرعاية المتبادلة (اللعب، التنظيف، توفير مأوى آمن) والمشاعر ("يشتاق إلي ويحزانني").

  • اللغة الموسيقية: الإيقاع الخفيف والقافية المتكررة تعكسان خفة ومرح حياة القط، مما يجعل القصيدة سهلة الحفظ وممتعة للتلاوة.

تمثل هذه القصة الاحتفاء بالبراءة والبهجة اليومية في حياة الطفل، وتعزيز قيمة الرفقة والرحمة تجاه الحيوانات.

الأعمال الشعرية القصصية للشاعرة السعودية زين عبدالله: جسر بين الفن والقيم التربوية للأطفال


ج. قصة "اللوحة": تراجيديا الغيرة وملحمة التسامح

تعد هذه القصة الأكثر تعقيداً من حيث الحبكة الفلسفية. تستخدم استعارة الألوان لتمثيل المجتمع البشري بكل تنوعه وعيوبه.

  • الصراع الدرامي: يبدأ العمل بتعاون الألوان (الأخضر، الأصفر، الأحمر، الأبيض، الأزرق) لرسم لوحة جميلة، بينما يعتزل اللون الأسود غاضباً وحاسداً. يتصاعد الصراع عندما يقرر الأسود، مدفوعاً بالغيرة، تدمير اللوحة ليلاً.

  • العواقب والعزل: تتفاعل الألوان بحزن وغضب، وتعزل الأسود في "ظلام الليل"، رمزياً وجسدياً.

  • التحول والخلاص: تمر الأسود بمرحلة ندم وتأمل ("كنت الغادر"، "كنت مريضاً بمرض الغيرة"). ثم يطلب الصفحة، وتتقبل الألوان اعتذاره، ليعود للتعاون معهم في إكمال لوحة جديدة، حيث يجد مكانته الحقيقية كإطار يبرز جمالها ("لكم اللوحة ولي الإطار").

القصة هي درس مكتمل في الأخلاق

فهي لا تظهر فقط عواقب الغضب والغيرة التدميرية، بل تؤكد على قيم الاعتراف بالخطأ، والتسامح، والتعاون، وتقبل الاختلاف. الفقرة الختامية المخصصة لـ "الفائدة من القصة" تُظهر النية التربوية الصريحة للكاتبة.

2. الخصائص الفنية والأدبية المشتركة

  1. الثنائية اللغوية (العربية/الإنجليزية): هذه السمة الأساسية توسع دائرة التأثير، وتجعل الأعمال جسراً ثقافياً. الترجمة ليست حرفية فحسب، بل تحاول نقل الجوهر الشعري والإيقاعي، مما يساعد الطفل العربي على تعزيز لغته الإنجليزية والعكس.

  2. الشكل الشعري السردي: تقدم زين عبدالله القصص في شكل مقاطع شعرية (أبيات) ذات إيقاع وقافية، مما يسهل على الطفل حفظها وترديدها، ويحول القراءة إلى نشاط مسلي وجماعي.

  3. التشخيص والاستعارة: سواء كان القطار المتأمل أو القط المشتاق أو الألوان المتشاجرة، تستخدم الكاتبة التشخيص لجعل المفاهيم المجردة (الطموح، الغيرة، الرفقة) ملموسة ومفهومة للطفل.

  4. البنية الحوارية: تعتمد القصص بشكل كبير على الحوار (بين القطارين، بين الطفل وقطته ضمناً، بين الألوان والأسود)، مما يجعل السرد حيوياً ويقرب الشخصيات من القارئ.

  5. التكرار والتوازي: يتكرر حضور فريق العمل (د. نبيل الصالحي للمراجعة، أ. محمد الصالحي للتصميم)، مما يؤكد على الجودة والاحترافية في الإنتاج، وهو أمر مهم في أدب الأطفال.

3. المضامين التربوية والقيمية: بناء الإنسان

تتجاوز أعمال زين عبدالله السرد البسيط لتغوص في بناء منظومة قيمية متكاملة:

  • قبول الذات والآخر: (القطار) تقبل دورك الفريد، (اللوحة) تقبل الاختلاف وضرورة كل عنصر في المجتمع.

  • التعاون والتسامح: (اللوحة) هما الركيزتان لبناء أي عمل جميل ناجح.

  • الرحمة والمسؤولية: (قطنا الجميل) الرفق بالحيوان والاهتمام به.

  • التفكير النقدي واتخاذ القرار: (القطار) موازنة الإيجابيات والسلبيات قبل التغيير.

  • الاعتراف بالخطأ والندم: (اللوحة) وهي خطوة أساسية للنضج العاطفي.

4. أسلوب زين عبدالله المميز: الشاعرة المربية

تمتلك زين عبدالله قدرة فريدة على الاختزال الشعري للمواقف المعقدة. فهي تحول درساً في التسامح إلى ملحمة مصغرة بين الألوان، وتحول الصراع الداخلي بين الطموح والاستقرار إلى حوار فلسفي بين قطارين. 

لغتها العربية فصيحة لكنها ملائمة للأطفال، لا معقدة ولا سوقية، مع محافظة على الجمالية اللفظية. 

اختيارها لمواضيع قريبة من بيئة الطفل (القط، اللوحة الفنية، وسائل النقل) يجعل الرسالة أكثر تأثيراً.

خاتمة: نحو أدب طفل عربي راقٍ وشامل

تُمثل أعمال زين عبدالله في سلسلة "عالم زين للأطفال" نموذجاً ملهماً لأدب الطفل العربي المعاصر. 

فهي ترفض التسطيح، وتقدم مادة ثرية تخاطب عقل الطفل ووجدانه بلغة فنية عالية. من خلال المزج الذكي بين الشعر والقصة، وبين العربية والإنجليزية، وبين الترفيه والتوعية، تنجح في صنع عالم سحري يحمل في طياته دروساً للحياة. 

هذه الأعمال ليست مجرد قصص تُقرأ، بل هي أدوات تربوية تساهم في تشكيل جيل واعٍ، متسامح، يقدر الجمال ويعرف قيمته في المجتمع، مما يجعل زين عبدالله واحدة من الرائدات اللواتي يثرين المكتبة العربية بعمل يحمل بصمة جمالية وأخلاقية واضحة.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button