وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي, أخبار, ثقافة, اتيكيت, كتب, علوم وتكنولوجيا, مال وأعمال, طب, بيئة

إعلان الرئيسية

 جيل الألفية وصراع 'تأجيل الرشد': هل نحن حقاً نرفض الكبر؟


إذا ألقيتَ نظرة على إعلانات الشقق، أو تابعتَ نقاشات العائلة في المناسبات، أو حتى تصفّحتَ وسائل التواصل الاجتماعي، فمن المحتمل أنك ستلمس ذلك السؤال المعلق في الهواء: "متى ستصبح راشداً؟"

جيل الألفية - أولئك الذين وُلدوا بين منتصف الثمانينيات ونهاية التسعينيات - يجد نفسه في قلب هذه العاصفة. 

نحن الجيل الذي تربى على أحلام "ستكون ما تريد"، ليجد نفسه أمام عالم تتزاحم فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى ظهور ما يُسمى "تأجيل الرشد" أو "المراهقة الممتدة". لكن السؤال الأهم: هل هذا التأجيل هو قرار واعٍ برفض الكبر، أم هو نتاج ظروف فرضت نفسها؟

ما هو "تأجيل الرشد" بالضبط؟

تأجيل الرشد هو ظاهرة اجتماعية نفسية تُشير إلى تأخر الشباب في تحقيق المعايير التقليدية للبلوغ والاستقلالية، مثل: 

الاستقلال المالي التام، امتلاك مسكن خاص، تكوين أسرة، والاستقرار الوظيفي طويل الأمد. إنه ليس مجرد "تمرد" على فكرة النضج، بل غالباً ما يكون مساراً مختلفاً وممتداً نحو تحقيق تلك المعايير تحت ضغوط غير مسبوقة.

لماذا يؤجل جيل الألفية الرشد؟ الأسباب وراء الظاهرة

1. العبء الاقتصادي: الجدار الأول

لا يمكن فصل الحديث عن تأجيل الرشد عن الواقع الاقتصادي. ارتفاع تكاليف المعيشة، أزمة السكن العالمية، وعدم توفر فرص عمل مستقرة بمرتبات تتناسب مع الطموحات والتكاليف، كلها عوامل تجعل من "الاستقلال المالي" هدفاً بعيد المنال. 

كثيرون يلجأون للعيش مع العائلة لفترات أطول كخيار اقتصادي ضروري، وليس كرفض للمسؤولية.

2. ثقافة الإنجاز والمقارنة: القلق الوجودي

نشأ هذا الجيل في عصر "المقارنة السريعة" عبر وسائل التواصل. الرغبة في تحقيق "مسار الحياة الناجح" (Career, Marriage, House) بترتيب مثالي تخلق ضغطاً هائلاً. 

عندما يبدو الوصول إلى تلك الصورة المثالية مستحيلاً، يتحول الخيار إلى تأجيل الرشد أو إعادة تعريف النجاح نفسه.

3. التعليم والديون: بداية متعثرة

يخرج كثيرون من الجامعات محملين بقروض تعليمية، ليدخلوا سوق عمل يتسم بالتنافسية الشديدة وعدم الاستقرار. 

هذه البداية المثقلة بالديون تؤجل تلقائياً خطط الادخار والاستثمار لتحقيق المعايير التقليدية للرشد.

4. التحول في القيم والأولويات

هنا نصل إلى لب السؤال: هل نحن نرفض الكبر؟
للإجابة، يجب أن نفرق بين رفض "المسؤولية" وبين رفض "النموذج التقليدي" للرشد. بالنسبة للكثيرين، لم يعد الرشد يعني بالضرورة الزواج في سن الـ25 أو امتلاك منزل. 

قد يعني الرشد بالنسبة لهم السفر، استكشاف الذات، الاستثمار في خبرات جديدة، أو التركيز على بناء حياة مهنية مرضية أولاً. 

إنه ليس رفضاً للنضج، بل هو إعادة تعريف للرشد نفسه ليناسب قيماً جديدة تركز على التحقق الذاتي والمرونة النفسية.

"تأجيل الرشد": هل هو مشكلة أم مرحلة طبيعية جديدة؟

يمكن النظر للظاهرة من زاويتين:

  • زاوية القلق: يُنظر إليها على أنها أزمة تهدد استقرار المجتمع، وتخلق جيلاً عالقاً بين المرحلتين، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب.

  • زاوية التكيف: يُنظر إليها على أنها استجابة ذكية وواقعية لظروف اقتصادية واجتماعية صعبة. قد يكون هذا "التأجيل" فرصة لاكتساب مهارات أكثر، وفهم الذات بشكل أعمق قبل اتخاذ قرارات مصيرية.

ماذا بعد؟ نحو "رشد مرن"

ربما حان الوقت للاعتراف بأن معايير الرشد التقليدية لم تعد تناسب تعقيدات العصر. ربما نحتاج للحديث عن "الرشد المرن" أو "الرشد المتدرج"، حيث يتم تحقيق معايير الاستقلال على مراحل، وليس كحزمة واحدة في سن محدد.


الرشد قد لا يكون "وصولاً" إلى محطة ثابتة، بل هو رحلة من المسؤوليات المتزنة، حيث يتحمل المرء مسؤولية خياراته، يبني استقلاليته المالية بقدر المستطاع، ويطور وعيه العاطفي والاجتماعي، حتى لو كان لا يزال يسكن في غرفته القديمة.

الخلاصة

جيل الألفية لا يرفض الكبر. بل يواجه صعوبة في الوفاء ببنود العقد الاجتماعي القديم الذي كُتب في حقبة اقتصادية وثقافية مختلفة. 

ما يحدث هو تأجيل الرشد التقليدي، لكنه في المقابل قد يكون سعياً نحو نموذج نضج أكثر مرونة ووعياً، يتعلم فيه الفرد أن يحمل مسؤولية نفسه في عالم لا يوفر له كل أدوات النجاح التقليدية.

السؤال ليس "متى ستكبر؟"، بل "ما الذي يعنيه أن تكون راشداً في عالم اليوم؟".
والإجابة، ربما، تختلف من شخص لآخر.

ناقشنا:

  • هل تشعر أنك تؤجل معايير الرشد التقليدية؟ هل هذا بسبب الظروف أم خيار شخصي؟

  • برأيك، ما هي علامة الرشد الحقيقية في زماننا هذا؟

  • شاركنا تجربتك في التعامل مع ضغوط "الوصول" في سن معينة.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button