مريام أديلسون: القوة الخفية وراء المشهد السياسي الأمريكي الإسرائيلي
خلفية عن حياة مريام أديلسون
وُلدت مريام أديلسون Miriam Adelson (اسمها قبل الزواج مريام فاربشتاين) في 10 أكتوبر 1945 في تل أبيب، فلسطين الانتدابية، لأبوين نجيا من الهولوكوست بعد فرارهما من بولندا قبل الحرب العالمية الثانية.
درست في مدرسة "هيبرو ريال" لمدة 12 عاماً، وحصلت لاحقاً على درجة البكالوريوس في علم الأحياء الدقيقة وعلم الوراثة من الجامعة العبرية في القدس، ثم درجة الطب بامتياز من كلية الطب في جامعة تل أبيب.
عملت كضابط طبي في الجيش الإسرائيلي، وتخصصت لاحقاً في علاج الإدمان حيث شغلت منصب رئيسة الأطباء الباطنيين في قسم الطوارئ بمستشفى روكاش (هداسا) في تل أبيب.
انتقلت إلى جامعة روكفلر في نيويورك عام 1986 كطبيبة مشاركة متخصصة في إدمان المخدرات، ونشرت العديد من الأوراق العلمية في هذا المجال.
التقت برجل الأعمال شيلدون أديلسون في موعد أعمى عام 1989، وتزوجا في عام 1991. بعد وفاة زوجها في عام 2021، أصبحت المالكة الرئيسية لشركة لاس فيغاس ساندز، وتبلغ ثروتها حوالي 40.5 مليار دولار، مما يجعلها من بين أغنى الأشخاص في العالم. تمتلك أيضاً صحيفة "إسرائيل هايوم" الأكثر انتشاراً في إسرائيل، وتشغل منصب الناشر لها.
النشاط السياسي والدعم المالي
التحول إلى قوة سياسية
بدأت مريام أديلسون نشاطها السياسي بعد زواجها من شيلدون أديلسون، حيث تحول دعمها تدريجياً من المرشحين الديمقراطيين إلى الجمهوريين. ومع حكم "المواطنون المتحدون" في عام 2010، الذي سمح بالإنفاق السياسي غير المحدود، زادت أديلسون بشكل كبير من حجم تبرعاتها السياسية.
أصبحت أكبر مانحة في الانتخابات الأمريكية لعام 2012، حيث تبرعت بمبلغ 46 مليون دولار، وهو ما يعادل مجموع تبرعات أكبر 15 مانحة أنثى مجتمعات.
الدعم غير المسبوق لدونالد ترامب
تُعد مريام أديلسون واحدة من أبرز الداعمين الماليين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فقد قدمت مع زوجها أكبر تبرع لحملة ترامب الانتخابية في عام 2016، وحفل تنصيبه، وصندوق دفاعه ضد تحقيق مولر، وحملة 2020. في دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تبرعت أديلسون بمبلغ 106 ملايين دولار لدعم حملة ترامب، مما جعلها ثالث أكبر مانحة لهذه الحملة.
جدول يوضح تبرعات مريام أديلسون لدونالد ترامب عبر السنوات
| العام | المبلغ (بالدولار الأمريكي) | الغرض من التبرع |
|---|---|---|
| 2016 | 20 مليون | الحملة الانتخابية |
| 2018 | 113 مليون | المرشحين والمجموعات الجمهورية في الانتخابات النصفية |
| 2020 | 75 مليون | لجنة Preserve America السياسية |
| 2024 | 106 مليون | الحملة الانتخابية |
العلاقة الشخصية بترامب
كرم ترامب مريام أديلسون بمنحها "وسام الحرية الرئاسي" في عام 2018، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. كتبت أديلسون عن ترامب قائلة: "يجب أن يحصل على دعم واسع" بين اليهود الأمريكيين والإسرائيليين، بل وذهبت إلى القول إن ترامب يستحق "سفر ترامب" في الكتاب المقدس بسبب دعمه لإسرائيل.
كما وصفت ترامب بأنه يمثل "القرابة، الصداقة، الشجاعة، انتصار الحقيقة"، معتبرة أن "الإسرائيليين واليهود الفخورين يدينون لترامب بالامتنان".
التأثير على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
كانت عائلة أديلسون تسعى منذ أكثر من عقد إلى نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. بعد انتخاب ترامب، تحقق هذا الهدف في عام 2018، مما يشير إلى التأثير الكبير الذي تمتلكه أديلسون على صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية.
يُعد هذا النقل أحد الإنجازات البارزة التي يشير إليها مؤيدو أديلسون كدليل على فعالية دعمها السياسي.
الضم والاستيطان في الضفة الغربية
تشير التقارير إلى أن أديلسون ربطت دعمها لترامب في حملة 2024 بمسألة ضم إسرائيل للضفة الغربية. وفقاً لملف في مجلة نيويورك، اقترحت أديلسون أنها قد تريد من ترامب أن يدفع لضم الضفة الغربية المحتلة إذا فاز بفترة ثانية.
وقد أنفقت أديلسون 25 مليون دولار لدعم كلية الطب في جامعة أرييل في مستوطنة بالضفة الغربية، قائلة إن هذه الهدية ستساعد في "تعزيز المستوطنين في يهودا والسامرة"، وهي مصطلحات تلمح إلى أن الضفة الغربية وعدت لليهود من قبل الله.
بالإضافة إلى ذلك، تبرعت أديلسون بمبلغ 6 ملايين دولار لمنظمة "هاشومير هاحاداش"، وهي ميليشيا تطوعية تضع حراساً أمنيين ومتطوعين زراعيين في مزارع المستوطنين في الضفة الغربية عبر مؤسسة أديلسون بين عامي 2019 و2022. هذا الدعم المالي المباشر للمستوطنات يعكس التزام أديلسون العميق بمشروع الاستيطان الإسرائيلي.
التأثير على الخطاب السياسي
بعد التبرع بمبلغ 100 مليون دولار لحملة ترامب في عام 2024، لاحظ الكثيرون تحولاً في خطاب ترامب تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة. فبعد أن كان انتقادياً لقيادة إسرائيل في الأشهر الأولى للحرب، تحول ترامب إلى مهاجمة إدارة بايدن والادعاء بأن الديمقراطيين يعملون على عرقلة جهود الحرب الإسرائيلية.
وخلال المناظرة مع نائبة الرئيس كامالا هاريس في سبتمبر 2024، قال ترامب إن هاريس "تكره إسرائيل".
الأنشطة في إسرائيل ومؤسسة أديلسون
صحيفة "إسرائيل هايوم"
تشغل مريام أديلسون منصب الناشر لصحيفة "إسرائيل هايوم"، وهي الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل. تمتلك الصحيفة ميولاً يمينية واضحة، وكانت لسنوات عديدة داعمة رئيسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن أديلسون تقضي مؤخراً وقتاً أطول في إسرائيل مقارنة بالولايات المتحدة. هذا الوجود الإعلامي يمكن أديلسون من تشكيل الرأي العام الإسرائيلي وتوجيهه بما يخدم أجندتها السياسية.
برنامج "بزرايت إسرائيل"
تُعد أديلسون من أبرز الداعمين لبرنامج "بزرايت إسرائيل"، وهو برنامج يجلب اليهود الشباب من جميع أنحاء العالم إلى إسرائيل مجاناً في محاولة لتقوية ارتباطهم بالبلد. مع زوجها، كانت أكبر مانح للبرنامج، حيث تبرعا بأكثر من 250 مليون دولار لبزرايت إسرائيل بحلول عام 2015. تعرض البرنامج لانتقادات من قبل مجموعات يهودية تقدمية بتهمة دفع الدعاية الإسرائيلية وتلميع صورة الاحتلال للأراضي الفلسطينية.
العلاقة مع نتنياهو والسياسة الإسرائيلية
كانت عائلة أديلسون من أوائل الداعمين لبنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية عام 1996 لرئاسة الوزراء. ومع ذلك، قاطعت أديلسون وزوجها نتنياهو وزوجته سارة حوالي عام 2019. وتعتقد أديلسون أن سارة نتنياهو تملك تأثيراً غير مناسب على القرارات السياسية لبنيامين وتعتبرها مريضة نفسياً.
الجدل حول تمويل السياسة والتأثير الأجنبي
انتقادات للتأثير على السياسة الأمريكية
يواجه النشاط السياسي والمالي لمريام أديلسون انتقادات واسعة، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية لصالح إسرائيل. يشكك الكثيرون في مدى شرقية أن يكون لمواطنة مزدوجة (أمريكية-إسرائيلية) هذا القدر من التأثير على صنع القرار في الولايات المتحدة، خاصة عندما يتعارض مع المصالح الأمريكية المعلنة أو جهود السلام في المنطقة.
الدعاوى القضائية والخلافات
في عام 2020، تمت تسمية أديلسون كمدعى عليها alongside نتنياهو، ترامب، AIPAC، وآخرين في دعوى قضائية رفعت في محكمة مقاطعة واشنطن العاصمة تدعي "إزالة الجنسية و... كما واجه زوجها الراحل شيلدون دعوى قضائية بقيمة 34 مليار دولار في عام 2016 لدعمه التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.
الرؤية السياسية والأيديولوجية
الموقف من القضية الفلسطينية
تعكس كتابات أديلسون وتصريحاتها موقفاً متشدداً تجاه القضية الفلسطينية. فبعد هجوم 7 أكتوبر، نشرت مقال رأي في فوربس إسرائيل وإسرائيل هايوم، ذكرت فيه أن "activists, ultra-progressives and career agitators...should be dead to us". هذا التصريح يعكس رؤيتها الثنائية للعالم التي لا تترك مجالاً للوسطية أو الحلول التوفيقية.
العلاقة مع التيارات المحافظة الأمريكية
تمكنت مريام أديلسون من بناء تحالفات قوية مع التيارات المحافظة الأمريكية، مستفيدة من تقاطع المصالح بين اليمين المسيحي في أمريكا واليمين الإسرائيلي.
من خلال منح "جائزة أديلسون مدافع عن إسرائيل" من قبل منظمة صهيونية أمريكا، استطاعت أديلسون تعزيز هذه التحالفات وتكريس التزامها المطلق بدعم إسرائيل.
تقييم التأثير والإرث
تمثل قصة مريام أديلسون حالة فريدة لتشابك المال والسياسة والهوية في العلاقات الدولية. من طبيبة متخصصة في علاج الإدمان إلى واحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً في المشهد السياسي الأمريكي-الإسرائيلي، تمكنت أديلسون من توظيف ثروتها الهائلة لتعزيز رؤيتها السياسية والأيديولوجية.
أبرز محطات تأثير مريام أديلسون:
تأثير مباشر على السياسة الأمريكية: من خلال دعمها المالي الضخم، نجحت في التأثير على قرارات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
دعم المشروع الاستيطاني: melalui التبرعات المباشرة للمؤسسات والمستوطنات في الضفة الغربية.
تشكيل الرأي العام: من خلال امتلاكها صحيفة "إسرائيل هايوم" ودعمها لبرنامج "بزرايت".
بناء التحالفات السياسية: عبر رعاية الشخصيات السياسية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة.
يبقى السؤال الأهم: إلى أي درجة يمكن لثروة فردية أن تشكل سياسة دولة عظمى وتوجهها لخدمة أجندة محددة؟
قصة مريام أديلسون تقدم إجابة مثيرة للتفكير حول طبيعة القوة في النظام السياسي المعاصر، حيث يمكن للتمويل السياسي غير المقيد أن يخلق قنوات تأثير متوازية تتحدى الآليات الديمقراطية التقليدية.
مع استمرار تطور دور أديلسون في المشهد السياسي، يبقى تأثيرها على مستقبل الصراع العربي-الإسرائيلي والعلاقات الأمريكية في المنطقة موضوعاً يستحق المتابعة والتحليل الدقيق.
