وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي, أخبار, ثقافة, اتيكيت, كتب, علوم وتكنولوجيا, مال وأعمال, طب, بيئة

إعلان الرئيسية

 

نقطة نيمو.. أبعد مكان على وجه الأرض عن الحضارة البشرية

نقطة نيمو .. سر النقطة الأكثر عزلة في كوكبنا 

في عالمنا المترامي الأطراف، حيث تنتشر المدن والموانئ والطرق البحرية والجوية، قد يظن البعض أنه لم يعد هناك مكان مجهول أو بعيد عن متناول البشر. لكن الحقيقة أن كوكب الأرض ما زال يخفي بين ثناياه مواقع غامضة وأسرارًا مثيرة. ولعل أبرزها وأكثرها جذباً للخيال هو نقطة نيمو (Point Nemo)، والتي تُلقّب أحيانًا بـ"مقبرة الفضاء" أو "قلب العزلة". هذه النقطة البحرية تقع في جنوب المحيط الهادئ، وتُعد أبعد مكان عن أي يابسة أو تجمع بشري على سطح الأرض.

ما يزيد غرابة هذه النقطة أنها تقع في منتصف مثلث متساوي الأضلاع تقريبًا، تشكّله سواحل ثلاث جزر نائية، تبعد كل واحدة منها مسافة تقارب 1600 كيلومتر، وهي:

  • جزيرة دوكوس في الشمال (جزء من جزر بيتكيرن البريطانية).

  • جزيرة موتو نوي قرب جزيرة إيستر شرقًا.

  • جزيرة ماهر في القارة القطبية الجنوبية جنوبًا.

هذا المثلث الجغرافي يجعل من نقطة نيمو أبعد نقطة بحرية عن أي يابسة، حتى أن أقرب البشر إليها في أوقات كثيرة ليسوا على الأرض، بل هم رواد محطة الفضاء الدولية الذين يمرون على بعد نحو 400 كيلومتر فقط فوقها.

ما هي نقطة نيمو؟

تُعرّف نقطة نيمو بأنها "قطب المحيط الذي يتعذر الوصول إليه"، أي أبعد مكان في المحيطات عن أي أرض مأهولة أو غير مأهولة. تم تحديد موقعها بدقة لأول مرة عام 1992 على يد المهندس والباحث الكندي هربرت تيخنر باستخدام برامج حاسوبية متطورة لرسم الخرائط.

الإحداثيات الجغرافية الدقيقة لنقطة نيمو هي:
48°52.6′ جنوبًا و123°23.6′ غربًا.

ويُقدّر بعدها عن أقرب يابسة بما يقارب 2688 كيلومترًا، أي أكثر من المسافة الفاصلة بين القاهرة ولندن. هذا البعد الهائل جعل منها مكانًا شبه معزول عن تأثير البشر، حيث لا تصلها السفن التجارية إلا نادرًا، ولا يمر بالقرب منها أي مسار للملاحة الجوية تقريبًا.

مثلث نيمو المتساوي الأضلاع

من أبرز الحقائق الجغرافية المثيرة أن موقع نقطة نيمو ليس عشوائيًا، بل يقع في قلب مثلث متساوي الأضلاع تشكله ثلاث جزر بعيدة جدًا:

  1. جزيرة دوكوس (Ducie Island) شمالًا: وهي جزيرة مرجانية غير مأهولة تقع ضمن جزر بيتكيرن البريطانية.

  2. جزيرة موتو نوي (Motu Nui) شرقًا: وهي أصغر الجزر القريبة من جزيرة إيستر الشهيرة (جزيرة الفصح)، التابعة لتشيلي.

  3. جزيرة ماهر (Maher Island) جنوبًا: جزيرة صغيرة وغير مأهولة تقع على أطراف القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا).

هذه الجزر الثلاث تبعد عن نقطة نيمو حوالي 1600 كيلومتر بشكل متساوٍ تقريبًا، مما يجعل النقطة في منتصف مثلث متوازن الأطراف. ولهذا السبب تُعرف بأنها أكثر موقع متوازن العزلة في العالم.

الحياة في نقطة نيمو.. فراغ شبه كامل

قد يتساءل البعض: هل توجد حياة بحرية في نقطة نيمو؟
الجواب: الحياة هناك شحيحة جدًا. فالبعد عن مصادر المغذيات، والتي تأتي عادة من اليابسة والأنهار، يجعل المنطقة فقيرة بالموارد الحيوية. لذلك، لا تعيش في هذه المياه سوى أنواع قليلة من الكائنات المجهرية مثل البكتيريا البحرية وبعض الطحالب المتكيفة مع البيئات القاسية.

وقد وصفتها بعض الدراسات بأنها "صحراء مائية"، حيث أن كثافة الكائنات الحية فيها تعد من الأدنى على مستوى محيطات الأرض.

مقبرة الفضاء في أعماق نيمو

من الحقائق الغريبة عن نقطة نيمو أنها تُستخدم من قبل وكالات الفضاء كمكان للتخلص من الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية المنتهية الصلاحية. يُطلق على هذا الموقع اسم "مقبرة الفضاء".

فبفضل بعدها الشديد عن اليابسة والسفن، تُعتبر نقطة نيمو الموقع المثالي لإسقاط الحطام الفضائي، مثل:

  • بقايا الأقمار الصناعية.

  • أجزاء محطات الفضاء.

  • مركبات الشحن الفضائية.

ومن أشهر ما تم إسقاطه هناك محطة الفضاء الروسية السابقة "مير" عام 2001، وأجزاء متعددة من المركبات التابعة لمحطة الفضاء الدولية.

نيمو.. الاسم المستوحى من الأدب

قد يتبادر إلى الأذهان فيلم الرسوم المتحركة الشهير "البحث عن نيمو"، لكن اسم نقطة نيمو يعود في الأصل إلى الأدب الكلاسيكي. فقد استُمد من شخصية القبطان نيمو في رواية "عشرون ألف فرسخ تحت البحر" للكاتب الفرنسي جول فيرن.

الاسم هنا لم يكن صدفة، إذ إن شخصية القبطان نيمو عُرفت بحبها للغموض والعزلة في أعماق البحار، وهو ما يتوافق تمامًا مع موقع هذه النقطة المنعزلة.

أقرب بشر إلى نيمو.. في الفضاء!

واحدة من أغرب الحقائق التي تثير الفضول أن أقرب بشر يمرون فوق نقطة نيمو ليسوا على سطح الأرض، بل هم رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية (ISS). فبينما يبعد أقرب ساحل عنها حوالي 1600 كيلومتر، تمر المحطة الدولية على ارتفاع يقارب 400 كيلومتر فقط فوقها.

هذا الأمر جعل الكثيرين يصفون نقطة نيمو بأنها الموقع الذي يجعل الأرضيين أبعد عنك من رواد الفضاء.

لغز الأصوات الغامضة بالقرب من نيمو

في عام 1997، التقطت أجهزة المراقبة الصوتية التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية (NOAA) صوتًا هائلًا وغامضًا في أعماق المحيط بالقرب من نقطة نيمو. أُطلق على هذا الصوت اسم "الانفجار" (The Bloop).

في البداية، ظن البعض أن هذا الصوت ربما يكون صادراً عن مخلوق بحري عملاق غير مكتشف. لكن الدراسات اللاحقة أشارت إلى أنه ناجم على الأرجح عن كسر الجبال الجليدية تحت سطح البحر. ورغم ذلك، لا يزال الغموض يحيط بهذه المنطقة، ويجعلها مسرحًا للخيال العلمي والقصص الأسطورية.

الأهمية العلمية لنقطة نيمو

رغم عزلتها الشديدة، تمثل نقطة نيمو مختبرًا طبيعيًا مهمًا لعلماء المحيطات والبيئة، حيث يمكنهم دراسة:

  • تأثير العزلة على التنوع البيولوجي.

  • المياه العميقة النقية البعيدة عن التلوث البشري.

  • التغيرات المناخية عبر متابعة التيارات البحرية في هذه المنطقة.

  • تأثير الحطام الفضائي الذي يسقط في المحيط.

هذه الدراسات تساعد في فهم أوسع لدور المحيطات في التوازن البيئي العالمي.

نقطة نيمو والسياحة المستحيلة

رغم أن بعض المغامرين يحلمون بزيارة نقطة نيمو، إلا أن ذلك يكاد يكون مستحيلاً للأشخاص العاديين. فالمكان يفتقر لأي جزر مأهولة قريبة، والمسافة الهائلة عن اليابسة تجعل الوصول إليه يتطلب سفن أبحاث متخصصة أو رحلات بحرية طويلة تستغرق أسابيع.

وبسبب ظروفها البيئية القاسية، لا يمكن الحديث عن سياحة تقليدية هناك. لكن ذلك لم يمنع من أن تصبح نقطة نيمو وجهة للخيال الأدبي وأفلام المغامرة.

الخاتمة: سر العزلة الأكبر على الأرض

تظل نقطة نيمو واحدة من أعجب المواقع الجغرافية على كوكب الأرض، فهي ليست مجرد إحداثيات على الخريطة، بل رمز للعزلة والفراغ والهدوء المطلق. في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا ويتسع فيه العمران، تذكرنا هذه النقطة بأن كوكبنا لا يزال يخفي أماكن لم تطأها أقدام البشر إلا نادرًا.

سواء نظرنا إليها كمقبرة للفضاء، أو صحراء مائية، أو مثلث متساوي الأضلاع من الجزر النائية، تبقى نقطة نيمو شاهدًا على أن الطبيعة ما زالت أكبر من أن يحيط بها الإنسان كليًا. وربما يكمن جمالها الحقيقي في هذا الغموض الذي يلفها، والذي سيظل يثير خيال العلماء والكتّاب والمغامرين لعقود قادمة.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button