القصة الإنسانية وراء العملية
بدأت معاناة برنت عندما كان عمره 13 عامًا فقط. في أحد أعياد الميلاد، تناول قرصًا من مسكن الألم الشائع "إيبوبروفين"، وهو دواء سبق أن تناوله عدة مرات دون مشاكل.
غير أن جسده هذه المرة دخل في تفاعل تحسسي قاتل يُعرف بـ متلازمة ستيفنز–جونسون، وهي حالة خطيرة تسبب تآكل الجلد والأغشية المخاطية، بما في ذلك العينين.
خلال أيام قليلة، فقد برنت بصره تقريبًا بالكامل. دخل في غيبوبة استمرت 27 يومًا، وخرج منها ليجد أن إحدى عينيه قد تلفت تمامًا، بينما الأخرى فقدت الرؤية تدريجيًا رغم عشرات المحاولات الطبية وزرع قرنيات متعددة، لكنها جميعًا باءت بالفشل.
ما هي عملية العين بالسن؟
عملية العين بالسن تُعد من أكثر الجراحات ندرة وتعقيدًا في العالم، حيث لا يُجريها سوى عدد محدود جدًا من الجراحين.
تقوم فكرتها على استخدام سن ناب من المريض نفسه مع قطعة صغيرة من عظم الفك المحيط به.
يتم تفريغ السن ونحتها لتصبح قادرة على حمل عدسة بلاستيكية شفافة تعمل كقرنية صناعية.
العملية تمر بمراحل دقيقة:
-
استخراج الناب من فم المريض مع جزء من العظم.
-
إدخال العدسة في السن بعد تجهيزها لتناسب حجمها.
-
زرع السن مؤقتًا في خد المريض أو تحت الجفن لفترة قد تصل إلى عدة أشهر. الهدف من ذلك أن تتغذى السن بالدم وتندمج مع الأنسجة لتصبح جزءًا حيًا من الجسم.
-
نقل السن بالعدسة إلى العين: بعد التأكد من نجاح الخطوة السابقة، تُفتح العين المصابة وتُزال القرنية التالفة، ثم يُثبت السن في مكانها وتُغطى بأنسجة مأخوذة من الفم، ليصبح مظهرها قريبًا من الطبيعي.
لماذا الناب بالتحديد؟
اختيار الناب له أسباب علمية دقيقة:
-
قوة وصلابة عالية مقارنة بباقي الأسنان.
-
حجمه مناسب لاحتواء العدسة الصناعية.
-
محاط بطبقة من العظم تحافظ على تغذيته بالدم بعد الزرع.
-
كونه من جسم المريض نفسه يقلل بشكل كبير احتمالية رفض الجسم له، على عكس عمليات زرع القرنية من متبرع خارجي.
برنت تشابمان يرى النور من جديد
في فبراير الماضي، أُزيل ناب برنت وجهّزه الأطباء للعملية. وفي يونيو، خضع للمرحلة الثانية حيث زُرع الناب في عينه مكان القرنية التالفة.
ثم جاءت المرحلة الأخيرة في أغسطس، بإضافة التعديلات النهائية وضبط العدسة في مكانها.
النتيجة كانت مذهلة: بعد أكثر من 20 عامًا من الظلام، أعلن الأطباء أن برنت أصبح قادرًا على الرؤية مرة أخرى.
وصف التجربة بأنها أشبه بإعادة اكتشاف العالم من جديد، حيث صار قادرًا على تمييز الضوء واللون والحركة، وهي تفاصيل تبدو عادية للآخرين لكنها بالنسبة له أعظم نعمة.
العين بالسن.. بين العلم والخيال
لا شك أن اسم العملية يثير الدهشة، لكن العلم يؤكد جدواها. العملية تُعرف رسميًا في المراجع الطبية باسم Osteo-Odonto-Keratoprosthesis (OOKP)، وقد طُورت في إيطاليا خلال سبعينيات القرن الماضي.
رغم مرور عقود على ابتكارها، ما زالت تُعتبر نادرة جدًا، نظرًا لصعوبتها ودقتها وكونها حلًا أخيرًا للمرضى الذين فشلوا في جميع الخيارات الأخرى.
الاستخدامات الطبية للعملية
عملية العين بالسن ليست مناسبة لكل حالات العمى، بل تُستخدم في حالات محددة، مثل:
-
المرضى الذين فقدوا البصر نتيجة حروق كيميائية أو حرارية في القرنية.
-
حالات متلازمة ستيفنز–جونسون التي تسبب تدمير سطح العين.
-
عندما تفشل جميع عمليات زرع القرنية التقليدية.
التحديات والمخاطر
رغم نجاحها المبهر، فإن العملية ليست خالية من المخاطر:
-
تحتاج لفريق طبي متخصص ومدرّب على هذه التقنية النادرة.
-
تستغرق مراحلها عدة أشهر من التحضير والمتابعة الدقيقة.
-
قد تحدث مضاعفات مثل العدوى أو فشل العدسة.
-
تكلفة العملية مرتفعة للغاية مقارنة بزراعة القرنية التقليدية.
أهمية القصة في عالم الطب
قصة برنت تشابمان ألهمت الكثيرين حول العالم، ليس فقط لأنها أعادت البصر لرجل بعد عقدين من الزمن، بل لأنها فتحت الأبواب أمام أمل جديد للمرضى الذين يئسوا من الطب التقليدي.
العملية تعكس قدرة الطب الحديث على الابتكار، واستغلال موارد الجسم نفسه لإصلاح أعقد المشاكل.
العين بالسن والأبعاد الإنسانية
بعيدًا عن التقنية والجراحة، تحمل عملية العين بالسن بعدًا إنسانيًا عميقًا. أن يعيش إنسان أكثر من نصف عمره في ظلام دامس، ثم يستعيد بصره فجأة، هو أشبه بمعجزة.
الكلمات التي عبّر بها برنت عن فرحته تُلخص المعنى: "أستطيع أن أرى من جديد، كأنني أتعرف على العالم لأول مرة".
مستقبل العملية وتطورها
رغم ندرتها، يتوقع الخبراء أن تتطور تقنية العين بالسن في السنوات القادمة، ربما لتصبح أقل تعقيدًا وأكثر شيوعًا.
مع تطور الطب التجديدي والطب الحيوي، قد نشهد تحسينات تجعل العملية أسرع وأقل تكلفة وأكثر أمانًا.
خاتمة
عملية العين بالسن تثبت أن حدود العلم تتوسع يومًا بعد يوم، وأن ما كان يبدو خيالًا بالأمس أصبح واقعًا ملموسًا.
قصة برنت تشابمان ليست مجرد خبر طبي، بل رسالة أمل لكل من فقد الأمل. إنها تذكرنا بقيمة النعمة التي نملكها دون أن نشعر بها: نعمة البصر.