"خير الناس أنفعهم للناس"؛ مقولة بسيطة، لكنها غيّرت حياة رجل واحد، فغير هو حياة الملايين. هذا الرجل هو امتياز سليمان، الطبيب الجنوب أفريقي الذي ترك مهنته الطبية ليؤسس منظمة إغاثية أصبحت اليوم الأكبر في أفريقيا، والمعروفة باسم هبة المانحين – Gift of the Givers.
قصته ليست مجرد سيرة ذاتية، بل هي ملحمة إنسانية ملهمة عن العطاء، الإيثار، والقدرة على تحويل الشغف بخدمة الناس إلى مؤسسة عابرة للحدود والأعراق والأديان.
من هو امتياز سليمان؟
وُلد الدكتور امتياز سليمان عام 1962 في شمال غرب جنوب إفريقيا، وانتقل إلى مدينة ديربان وهو في الثانية عشرة من عمره ليكمل دراسته هناك. التحق بكلية الطب في جامعة ناتال وتخرج عام 1984 طبيباً ناجحاً.
لكنه بعد ثماني سنوات فقط من ممارسة الطب، وجد أن رسالته الحقيقية ليست في غرفة العمليات، بل في ساحات الإغاثة ومساعدة المحتاجين، حيث شعر أن مهنته وحدها لا تكفي لتحقيق رؤيته الإنسانية.
اللقاء الذي غيّر مجرى حياته
في أغسطس 1992، التقى سليمان بالشيخ الصوفي التركي الذي وجّه له نصيحة ستصبح حجر الأساس لحياته الجديدة. قال له:
"اخدم الناس بالحب واللطف والرحمة، تذكر أن كرامة الإنسان هي الأهم، ولا تفعل ذلك بدافع الأنا بل بدافع الإنسانية".
كانت تلك الكلمات بمثابة وصية أبدية، جعلت سليمان يترك مهنته الطبية ليؤسس منظمة إنسانية تحمل روح العطاء بلا مقابل.
![]() |
امتياز سليمان.. الطبيب الذي ترك مهنته ليؤسس أكبر منظمة إغاثية أفريقية |
تأسيس منظمة هبة المانحين Gift of the Givers
عام 1992، أطلق امتياز سليمان منظمة Gift of the Givers من مكتب صغير وبمساعدة شخصين فقط. لكن ما بدأ كمبادرة بسيطة، تحوّل مع مرور السنين إلى أكبر منظمة إغاثة إنسانية في أفريقيا.
اليوم، تضم المنظمة:
-
120 موظفاً دائماً داخل جنوب أفريقيا.
-
550 موظفاً عبر العالم.
-
آلاف المتطوعين في مجالات الإغاثة الطبية والإنقاذ.
إنجازات المنظمة عبر العالم
عملت هبة المانحين في أكثر من 47 دولة حتى الآن، وقدّمت مساعدات إنسانية في أزمات وحروب وكوارث طبيعية.
من أبرز إنجازاتها:
-
إدارة أكبر مستشفى في شمال سوريا.
-
تقديم الدعم الطبي والإغاثي في غزة والضفة الغربية.
-
فتح مكاتب دائمة في زيمبابوي، ملاوي، الصومال، اليمن، تركيا وسوريا.
-
التوسع مؤخراً في غرب أفريقيا ومالي.
هذه الإنجازات جعلت اسم امتياز سليمان رمزاً للعمل الإنساني العابر للحدود.
فلسفة العطاء عند امتياز سليمان
ما يميز سليمان ليس فقط حجم المساعدات التي قدمها، بل الروح التي يغرسها في فريقه:
-
العطاء بلا انتظار مقابل.
-
التركيز على الكرامة الإنسانية قبل أي شيء.
-
تقديم الخدمة لكل إنسان بغض النظر عن دينه أو عرقه أو طبقته الاجتماعية.
-
نشر رسالة مفادها أن الإنسانية فوق كل انتماء.
أثر امتياز سليمان على العمل الإنساني في أفريقيا والعالم
أعاد سليمان تعريف معنى الإغاثة في القارة الأفريقية، حيث أثبت أن المبادرات المحلية يمكن أن تتحول إلى مؤسسات عالمية مؤثرة. لقد ألهم آلاف المتطوعين للعمل في الميدان، ورفع صورة أفريقيا كقوة قادرة على العطاء لا مجرد متلقٍ للمساعدات.
لماذا قصة امتياز ملهمة لنا؟
لأنها تعلمنا:
-
أن العمل الإنساني لا يحتاج إلى ثروة بل إلى إرادة صادقة.
-
أن التخلي عن المسار التقليدي أحياناً يفتح أبواباً أوسع للإنجاز.
-
أن العطاء لا يعرف ديناً أو عرقاً.
-
أن فرداً واحداً يمكن أن يغير حياة ملايين البشر.
خاتمة
قصة امتياز سليمان ليست فقط عن طبيب ترك مهنته، بل عن إنسان جعل من حياته تجسيداً لعبارة: خير الناس أنفعهم للناس.
من خلال هبة المانحين، أثبت أن العطاء لا حدود له، وأن الإنسانية تظل اللغة المشتركة التي توحّد العالم، مهما اختلفت الأديان والألوان والثقافات.
المصدر/ د. مجدي سعيد