إن إذاعة "صوت العرب" لم تكن مجرد إذاعة بين الإذاعات العربية فحسب, إنما كانت لسان العرب وصوتهم الأعلى, وإيقاعهم الحار, ومعزفهم الشجي, كما كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي صوتاً للنفير وحُدَاء للاستقلال في عدد من الأقطار العربية, لذلك كانت هاجساً ولسان حال لكل القوى المناضلة ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي, ورأس رمح في وجه الصهيونية في أوج استيلائها على أرض فلسطين, ولقد نقلت إذاعة "صوت العرب" أهداف حركة 23 تموز (يوليو) وقد نجحت في الاستئثار بمسامع المواطن العربي في ريفه, ومدينته, وسهله, وجبله, وفاقت إذاعة "صوت العرب" كل الأصوات العروبية, وتميزت إذاعة "صوت العرب" بفنٍ إذاعي ملتهب, واستطاعت أن تجبر أبناء المدن والبوادي العربية على اقتناء أجهزة الراديو .
إن إذاعة "صوت العرب" تفعيلاً لدورها القومي كانت تخصص لكل قطر عربي مكبلٍ بقيود الاستعمار برنامجاً يُلقي من خلاله زعماء المقاومة وشعراؤها وفصحاؤها خطاباتهم لجماهيرهم لرفع درجة الحماسة والاستبسال, حتى كانت بعض الأنظمة تخشى من تأثيرها على الشعوب المتطلعة للانفتاح, فتمنعها وتحرم على مواطنيها الاستماع لمذياع "صوت العرب", بل إن بعض الأنظمة العربية كانت تفرغ كل إمكانياتها وطاقاتها في تعقب ومعاقبة من يستمعون إليها, ومن تلك الأنظمة المنغلقة بلادي اليمن التي كانت في أَمسِّ الحاجة لسماع صوت الأحرار الثوار الذين كانوا يطلقون نداءاتهم وقصائدهم الموجهة لشعبهم, وفي طليعة أولئك الشاعر الشهيد (محمد محمود الزبيري), والأستاذ المناضل الكبير (أحمد محمد نعمان), ومن ورائهم أصوات أخرى, وما زالت نبرات أصواتهم محفورة في ذاكرة الآباء منذ كانوا يتحلقون حول أحد أجهزة الراديو القديمة في القرى سراً؛ ليتابعوا من خلال "صوت العرب" حداء قافلة الثورة ونفير الزحف الثائر بصيحات مجلجلة تستنهض الهمم لتحرير جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني, وشمال اليمن من حكم الإمامة المنغلق.