وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي,أخبار,ثقافة,اتيكيت,كتب,علوم وتكنولوجيا,مال وأعمال,طب,بيئة

إعلان الرئيسية

د. وجيه يعقوب يكتب: تجربتي في تأليف معجم مدرسي للطلاب



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فأحمد الله تعالى أن وفقني لإتمام هذا العمل بعد جهود مضنية وشاقة وعمل استمر نحو خمس سنوات متواصلة، إيمانا مني بحاجة دارسي اللغة العربية - وخاصة طلاب المدارس - إلى هذا النوع من المعجمات، الذي يقدم لهم المادة اللغوية مشروحة شرحا ميسرا وسهلا ومعاصرا، بعيدا عن الإطالة والتعقيد وغيرها من الصعوبات التي لا تخلو منها معظم المعجمات القديمة والحديثة. 



دوافع تأليف المعجم

ولقد كان من أهم دوافعي لتأليف هذا المعجم؛ ما يعانيه أبناؤنا الطلاب من مشكلات حقيقية في دراسة اللغة العربية، وكم كان يؤلمني حين أسمع أحد الطلاب وهو يقول: أنا أكره مادة اللغة العربية، أو ما الذي سيعود علي من دراستها، وغير ذلك من الأشياء التي لا تخفى علينا جميعا، وقد لمست بنفسي وأنا أطالع المناهج التي يدرسها أولادي، وما تحتويه من مفردات صعبة مدى ما يعانيه الطلاب؛ بدءا من سوء اختيار النصوص، وعدم مراعاتها لطبيعة العصر والتطور الذي أصاب كل مناحي الحياة بما في ذلك اللغة، وعلينا أن نعترف بذلك، وأن نضعه في الحسبان ونحن نقوم بواجباتنا في التدريس أو في التأليف،.

حال اللغة العربية

علينا أن ننظر في حال اللغة العربية اليوم وأحوال دارسيها نظرة واقعية لا نظرة مثالية استعلائية؛ فحالُ الطلاب، والضعفُ الواضح في تحصيل المادة العلمية، وضعفُ الإقبال على تعلم اللغة العربية، مشكلات حقيقية يجب أن نبحث لها عن حلول حقيقية وجادة، وبدلا من إلقاء اللوم على الطالب والمؤسسات التربوية والتعليمية، علينا أن نخوض غمار التجربة بجسارة، ونقدم خلاصة خبراتنا في هذا الشأن كل بما يستطيع، لماذا نصر على تقليد القدماء والاعتماد على ما أنجزوه لعصورهم، ونحن نعيش في عصر وبيئة تختلف اختلافا كبيرا عن البيئة التي عاشوا فيها؟ لقد سأل أحد الطلاب زميلا لي عندما كان يشرح لهم علامات الإعراب الأصلية والفرعية: ما المقصود بالاسم المرفوع؟ هل هو الاسم الذي نكتبه ونرفعه فوق السطر؟ 

سهولة المعجم

ومع ذلك يصر بعض الزملاء على تدريس مادة النحو للطلاب غير المتخصصين من كتب ابن هشام وابن عقيل وابن يعيش وألفية ابن مالك وابن معط، كما يُحيل طلابه إلى المعاجم القديمة وهم لا يحسنون السباحة ولا الغوص فيغرقون ويختنقون، وهذا هو الانفصام عن الواقع بعينه، وإنكار المشكلة، وعدم الرغبة في التصدي لها وعلاجها! لذلك حرصت أن يتسم هذا المعجم بأقصى درجات السهولة واليسر، بعيدا عن التعقيدات، والصعوبات المفتعلة، والألغاز اللغوية التي يلجأ إليها بعض المؤلفين والتربويين، وتكون سببا في توسيع الهوة بين الدارسين ولغتهم الأم!

د. وجيه يعقوب يكتب: تجربتي في تأليف معجم مدرسي للطلاب


كما أن معاجم اللغة التي تزخر بها المكتبة العربية؛ ككتاب العين للخليل بن أحمد، ولسان العرب لابن منظور، والصِّحاح للجوهري، وتاج العروس للزبيدي، والمعاجم الحديثة كالمعجم الوسيط والمعجم الوجيز من إصدارات مَجْمَعِ اللغة العربية بالقاهرة، ومُعجم اللغة العربية المعاصرة للدكتور أحمد مختار عمر، بل حتى تلك المعاجم التي أُلِّفت خصيصا للطلاب لا أراها – على شديد أهميتها – مناسبة لهم؛ فهي لا تلبي حاجة الطلاب في المراحل التعليمية والعمرية المختلفة، فقد وُضِعت بالأساس للدارس المُتَمَرِّسِ والمتخصصِ والمُدَرَّبِ على البحث في مثل هذه الأعمالِ الموسوعيةِ، بما يتمتع به من صَبْر وجَلَد ورغبة في الوصول إلى ما يريد، مهما استغرقتْ عمليةُ البحث هذه من وقتٍ وجهدٍ، أما الطالبُ المُبتدِئُ وغيرُ المتخصصِ، فهو بحاجة إلى معجمٍ ذي طبيعةٍ خاصةٍ، تُشْرَح له فيه الكلماتُ بصورة سهلة وميسرة وعصرية، وتُستخرجُ فيه خُلاصةُ ما في المعاجم القديمة بصورةٍ مباشرة تناسب المتغيرات التي شهدها العصر، دون أن ينتقصَ ذلك من دِقَّتِها ومُوَافَقَتِها للمعاجم القديمة في الوقتِ ذاتِه.


 تعريف المعجم المدرسي 

إذا كان المعجم عموما يرتبط بحاجة الدارسين إلى تفسير الكلمات الصعبة وشرح غامضها، فإن المعجم المدرسي يرتبط بحاجة الطلاب والتلاميذ في مراحل التعليم المختلفة إلى شرح المعاني الغامضة والمبهمة التي تتعلق بالمناهج الدراسية، ومساعدتهم في نطق الكلمات، وتصريفها، واشتقاقها، وضبطها بصورة صحيحة، وذلك كله بهدف إثراء رصيدهم اللغوي، ومعرفة الظواهر اللغوية؛ كالتضاد، والمشترك اللفظي، والاشتقاق، وتصريف الأزمنة، وغير ذلك من الموضوعات التي تتضمنها تلك المناهج؛ وهو ما يعني أن المعجم المدرسي ذو طبيعة مختلفة عن المعاجم العامة، أو ينبغي أن يكون كذلك؛ حيث ينصَبُّ الاهتمام فيه على عدد محدود من الألفاظ، وتكون المعالجة فيه للمادة اللغوية مختلفة عن معالجة المعاجم العادية؛ فالمعاجم العادية تحتاج إلى شخص له دربة على البحث فيها، ولديه من الوقت والصبر والقدرة على البحث ما يساعده على الوصول إلى ما يريد، فقد كان مؤلفو المعاجم القديمة يحرصون على تدوين وتسجيل كل شيء، ما له علاقة بما يريد الباحث وما ليس له علاقة، حفاظا على اللغة من الضياع، وعلى هذا الأساس تبقى مادة هذه المعاجم - رغم ضخامتها وتشعبها - عاجزة عن الوفاء بحاجة الطالب أو المثقف المعاصر، وتحتاج إلى غربلة وانتقاء وتنقيح وابتعاد عن التفصيلات غير الضرورية في الشرح. (انظر: د. تيسير عبد الله دراجي: المعجم المدرسي: واقع وآمال، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، العدد الثالث والثلاثون (2)، حزيران، 2014م، ص 410، بتصرف)


إن عدد المواد اللغوية في المعاجم القديمة كبير جدا إذ يتراوح بين 40000 مادة لغوية و120000 مادة لغوية، أو ما يقرب من اثني عشر مليون كلمة، ولا شك أن هذا العدد الهائل من الكلمات، يجعل عملية الفهم والاستيعاب والاستفادة من هذه المعاجم في غاية الصعوبة لدى طلاب المدارس والمراحل التعليمية المختلفة؛ فبحسب الدراسات النفسية والتربوية فإن حصيلة الطفل من الكلمات في مرحلة الطفولة المبكرة من 3 إلى 5 سنوات نحو 1200 كلمة، وفي مرحلة الطفولة المتوسطة من 6 إلى 8 سنوات تصل إلى نحو 2600 كلمة، وفي مرحلة الطفولة المتأخرة من 9 إلى 12 سنة، تكون حصيلة الطفل نحو 3600 كلمة، وفي مرحلة المراهقة من 12 إلى 18 سنة، تكون حصيلته من الكلمات نحو 7200 كلمة فقط! مع وجود تفاوت واختلاف وفروق فردية بين الطلاب بالطبع، وبذلك ندرك أن الإبقاء على الصورة النمطية والتقليدية في تأليف المعاجم لن يكون مناسبا للطالب، بل سيعمل على تشتيت ذهنه وتركيزه، وسيضاعف من الجهد المبذول، وهو ما سيأتي بنتائج عكسية، وربما يكون سببا في انصراف الطلاب عن تعلم اللغة العربية، وبذلك لا مناص من وضع معاجم متخصصة تراعي ظروف هذه الفئات والشرائح على غرار المعجمات المتخصصة في الطب أو الزراعة أو غيرها من الموسوعات؛ إذ لا يلزم الباحث في فرع من هذه الفروع البحث في المعاجم والموسوعات اللغوية التي لا علاقة لها بتخصصه.


   فكرة قديمة متجددة

وبطبيعة الحال، لم يكن هذا الأمر غائبا عن بال علماء اللغة والمعلمين منذ زمن مبكر؛ فقاموا بتلخيص تلك المعاجم الموسوعية، على غرار ما صنع أبو بكر الرازي في مختار الصِّحَاح، والفيومي في المصباح المنير، والمعجم الوسيط والوجيز من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمحيط والوافي والرائد والمنجد وغيرها من المعاجم التي راعت طبيعة هذه الفئات والمناهج التعليمية.


وفي العقود الأخيرة، صدر العديد من المعاجم المدرسية أكثرها في بلاد الشام، وأول ما يلفت النظر فيها أنها تعتمد على الجهود الفردية والذاتية وليس على العمل المؤسسي، وأنها – في الغالب - كانت تلخيصا للمعاجم التراثية القديمة؛ لذلك حافظ أصحابها ومؤلفوها على المتن القديم، ولم ينظروا فيما استُّجِد من ألفاظ وكلمات عصرية في الغالب، كما حافظ أكثر المؤلفين على الترتيب الألفبائي الجذري، وهو ما ينطوي على صعوبات في البحث بالنسبة للطلاب الذين لا يعرفون المعارف الكافية في قواعد الاشتقاق والتصريف، كما أن تجربة كل مؤلف تكاد تكون معزولة عن تجارب من سبقوه من المؤلفين، وبالتالي لا يُفيد المؤلف من الخبرات السابقة، كما أن هذه المعاجم لا تخضع لتقييم لجان علمية متخصصة، لذلك لا تخلو من وجود أخطاء وتكرار. (المرجع السابق: بتصرف)

تلافي العيوب والقصور

وحتى اليوم لا توجد تجارب مؤسسية مهمة في صناعة المعجم المدرسي – على أهمية ذلك لتلافي العيوب والقصور الذي أشرنا إليه – باستثناء تجارب قليلة جدا؛ منها ما قامت به بلدان المغرب العربي مجتمعة، ثم ما قامت به تونس والمملكة العربية السعودية وسوريا؛ وقامت هذه المعاجم على تدوين ما يعرف بالرصيد اللغوي؛ وهو الحد الأدنى من الكلمات التي يجب أن يعرفها الطالب، وقد رُتبت المادة اللغوية في هذه المعاجم بحسب حروف الكلمة لا بحسب الجذر اللغوي، ولم يتسن لي الاطلاع على هذه التجارب باستثناء التجربة السورية، ولا شك أن العمل المؤسسي رغم البطء الذي يصاحبه - إذا تلافى القائمون عليه المشكلات التي أشرنا إليها – سيكون أكثر دقة وإحاطة وإلماما بما يحتاجه الطالب! 

 الجديد في هذا المعجم 

كانت النية متجهة أن يصدر هذا المعجم في ثلاثة أجزاء منفصلة؛ أحدها للمرحلة الابتدائية، والآخر للمرحلة الإعدادية، والثالث للمرحلة الثانوية، لكنْ لأسباب تتعلق بالطباعة وصعوبة تنفيذ ذلك في الوقت الراهن قررنا أن يصدر المعجم في مؤلَّف واحد كبير، على أن نسعى في المستقبل بإذن الله تعالى لإفراد كل مرحلة بمعجم خاص يناسب طلاب هذه المرحلة، لما في ذلك من نفع ومصلحة لهؤلاء الطلاب، وقد أفدت كثيرا بطبيعة الحال من التجارب السابقة التي أتيح لي الاطلاع عليها، وراعيتُ في تصنيفِ هذا المعجمِ جملة من الإجراءات والضوابط التي تضمنُ للطالبِ سهولةَ البحث فيه، والوصولَ لهدفه بسهولةٍ ويسرٍ، ومن هذه الإجراءات:

- ترتيب مواد المعجم بحسب حروف الكلمة لا بحسب الجِذْرِ اللغوي كما هو مُتَّبَعٌ في المعاجم القديمة وكثير من المعاجم الحديثة؛ فكلمة (استنفار) لا يُبحَثُ عنها في حرف النون مادة (نفر) بعد تجريد الكلمة من حروف الزيادة، وإنما يُبحث عنها في حرف الألف وبحسب ترتيب حروفها، ولا يخفى ما ينطوي عليه هذا الترتيبُ من تيسيرٍ على أبنائنا الطلابِ والدارسين في المراحل الأولى من التعليم، وإنْ نشأ عنه بعض المشكلات التي تحتاج إلى حلول ومنها: التكرار.

- التمييز بين الاسم والفعل؛ وذلك بوضع الاسم بين علامتي تنصيص مسبوقا بأداة التعريف، مع مراعاة ضبط الكلمة ضبطا دقيقا، وهذه الطريقة تساعد الطالبَ على التمييزِ بسهولةٍ بين الاسمِ والفعلِ قبل الشروع في القراءة. 

- عدم الإسراف في الشرح؛ بل الاقتصار على إيضاح المعنى بأقل الكلمات، والاكتفاء بالمعاني المستخدمة للكلمة، أو على الأقل المعاني التي يحتاج إليها الطالب، مع الإشارة إلى وجود معان أخرى للمفردة يمكن الرجوع إلى القاموس العادي لمعرفتها إنْ لزم الأمر.

- الاهتمام بالأمثلة التي توضح معنى الكلمة؛ إذا كان من الصعوبة على الطالب فهمها مجردة؛ ومثال ذلك: كلمة (السَّارِيَةُ)، حيث تعني: العمود الذي يُنصَب عليه الشراع في السفينة، كما أن سارية العَلَم هي قائمه، والسارية كذلك مؤنث الساري، تقول: لائحة سارية أي مستمرة وممتدة المفعول، وأمراض سارية: منتشرة ومُعْدِية، والسارية كذلك هي السحابة الممطرة بالليل، وكل هذه الوجوه لا تُفهم فهما صحيحا إلا بوضعها داخل جملة وسياق يُوَضِّح معناها ويساعد على فهمها.

- التوسع في ذكر استعمالات المفردات بمعناها الحقيقي والمجازي، وربما يعين ذلك الطالب في فهم النصوص الأدبية وتذوقها؛ فالصَّخْرَةُ في معناها الحقيقي: هي الحجر العظيم الصُّلْب، أما في الاستخدام المجازي فيقال: فلان ينحت في الصخر: أي يُجْهِدُ نفسه ويحاول القيام بأمر صعب، وفلان ثابت كالصخر: أي أنه قوي لا يتزعزع، وقلب كالصخر: أي قاس ومتحجر، وهكذا، ولا شك أن هذا الأمر يصقل ذائقة الطالب، ويساعده على فهم النصوص الأدبية، وينمي قدرته التعبيرية وثروته اللغوية.

خدمة للغة القرآن الكريم

وبعد؛ فهذا جهدي وهذا ما تَيَسَّرَ لي بَذْلُه في هذا المعجم، أقدمه خدمة للغة القرآن الكريم، ولأبنائنا الطلاب خاصة، تذليلا للصعاب الحقيقية التي يعانونها، وأرجو أن أكون قد وُفِقتُ في مسعاي هذا، حيث لم أدخر جهدا ولا طاقة في سبيل إتمام هذا العمل وخروجه على هذا النحو، أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل، وأن يكون خالصا لوجهه الكريم، وأسأله تعالى أن يغفر لي تقصيري وزللي، فهو في النهاية جهدٌ فرديٌّ انتدبت نفسي للقيام به واقتطعت من وقتي وراحتي وسط مشاغلي الكثيرة لسد ثغرة قائمة واستكمال نقص ضروري، من أجل تقديم لغتنا في قالب سهل وعصري ومحبب للطالب.

 بقلم: د. وجيه يعقوب السيد 

الأستاذ بقسم اللغة العربية – كلية الألسن – جامعة عين شمس 


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

Back to top button