تتزايد الأخبار التي تحدثنا عن الفوائد الطبية لارتداء الحرير وأهمها مكافحة الشيخوخة والحفاظ على النضارة ومنافعه كمقاوم للتجاعيد فضلا عن الفوائد النفسية المنعشة التي يشعر بها كثير ممن يرتدونه.
الحرير أيضا اسم الطريق الذي تحاول الصين الظهور به في عالم المستقبل من خلال إعادة "طريق الحرير" القديم الذي كان جسرا للوصل التجاري بين الشرق والغرب.
طريق الحرير
أود أن أشارككم ما أطالعه مؤخرا عن طريق الحرير (القديم والجديد) لكني أظن أن نقطة البداية هي الرواية التاريخية التي نشرها في روسيا المؤرخ ليف جومليوف عن أول استخدام للحرير في القرن الثاني قبل الميلاد والتي يمكن إيجازها على النحو التالي:
كان الحرير من أوائل سلع المقايضة التي دفعها الصينيون لجيرانهم من البدو في شرق آسيا (وخاصة قبائل "الهون") إذ قامت بين الطرفين معاهدات يمد من خلالها الهون حكام الصين بالخيول مقابل حصولهم على الحرير الذي يبيعوه بدورهم لشعوب أبعد عن الصين نحو الغرب.
كانت الحاجة إلى الحرير في تلك الأيام سببها ما يعانيه الناس من عذاب الطفيليات والحشرات. قبل ألفي سنة لم يكن هناك خلاص من مقاومة هذه الآفات الهائمة سوى ارتداء الملابس الحريرية للتخلص من آلام الهرش الجلدي.
باع بدو الهون الحرير إلى قبائل تعيش إلى الغرب منهم (أشهرهم "صوغديا") الذين كانوا على علاقة تجارية مع الرومان.
في روما القديمة لم تكن هناك منظفات مثل صابون اليوم بل كان الرومان طلبا للنظافة يفركون أجسامهم بالزيت، ثم يكشطون الزيت بالكاشطات المزيلة للوسخ، ثم بعد ذلك يغتسلون في حمَّام ساخن. ورغم هذا لم يكن هناك وسيلة للوقاية من الطفيليات المزعجة لعلية القوم سوى ارتداء الحرير.
كانت الرومانيات الجميلات الفاتنات ذوات النفوذ يطلبن الملابس الحريرية من أزواجهن ومن المعجبين بهن، وكانت هذه الألبسة باهظة الثمن تعادل قيمتها ذهبا.
لعنة الحرير
بالتدريج صار الحرير لعنة، إذ أنفق الرومان الكثير من المال على شرائه من التجار الوسطاء في إيران وسوريا، وقدموه هدايا لزوجاتهم وعشيقاتهم. تأخر الرومان عن دفع رواتب الجنود، فثار الجنود وتمردوا ولقي الأباطرة والنبلاء حتفهم في لهيب التمرد، واستمرت هذه السياسة الرهيبة لمدة مئتي عام (ما بين القرنين الميلاديين الأول والثالث) وساهمت في تدمير روما.
الحرير وإرباك الصين
تسبب الحرير في إرباك الوضع في الصين أيضا. فقد حصل الصينيون مقابل الحرير على السلع الفاخرة من البحر المتوسط (مثل المرجان والطلاء الأرجواني والمجوهرات). كان النبلاء يشترون الحرير من الفلاحين الفقراء ليحصلوا في المقابل على سلع نادرة لإرضاء زوجاتهم ونسائهم.
كان حصول نساء وحريم القصر الإمبراطوري في الصين على الحرير ومقايضته وبالا على تلك البلاد. ففي سبيله تأسس نظام من المحسوبية دفعت فيه الجواري وحريم الإمبراطور بأقاربهن إلى مناصب الحكام والقادة. وبمجرد حصول هؤلاء الأقارب على صلاحيات إدارة منطقة ما كانوا يشرعون على الفور في الضغط على الفلاحين للحصول على المزيد من الحرير لتقديمه رشى لتحقيق النفوذ الأعلى. زاد الظلم في الصين وانتشرت التمردات وحلت بالصين ذات المصائب التي حلت بالرومان بسبب لعنة الحرير.
الفراء يصنع خريطة العالم
الحقيقة أن الحرير أقام وأقعد دولا وحكومات وسيقلده منتج آخر غير متوقع في صناعة خريطة العالم وهو "الفراء" من صيد حيوانات الغابات الشمالية، بعد الحرير سيكون الفراء سلعة رئيسة تجلب الثروة لقبائل سلافية متفرقة بلا نظام ستقف معا لاحقا وتبني دولة شهيرة في عالم اليوم اسمها "روسيا".
لماذا تصدر مؤلفات وكتب جديدة حول تاريخ الحرير وتفسير الحضارة والصراع بين الدول؟
د. عاطف معتمد
