بداية، أتوجه بجزيل الشكر والامتنان والعرفان، إلى حضرة الأستاذ
الفاضل الدكتور رضوان مرابط، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، على تشريفكم لي، بدعوتكم
الكريمة لحضور فعاليات هذه الاحتفالية الكبرى، بأحد رموز الثقافة والفكر والأدب والدبلوماسية
والسياسة والنضال في الوطن العربي، فضيلة الدكتور عبد الولي الشميري. الشكر والتقدير
موصولان لجميع القائمين على هذه الاحتفالية الكبرى، وعلى رأسهم الأخت الفاضلة،
الشاعرة الدكتورة لويزابولبرس.
كما أغتنم هذه المناسبة الاحتفائية الجميلة، لأعرب لكم جميعا عن
مدى سعادتي بالحضوربين هذه الثلة الطيبة من المفكرين والباحثين والجامعيين
والأدباء والطلبة، في رحاب هذه المعلمة الأكاديمية التاريخية الرائدة، التي عودتنا،
منذ إنشائها،على نشرالمعرفة والتنوير والحداثة والمعرفة، وإشاعة قيم الحوار والمحبة
والتسامح، وترسيخ ثقافة المحبة والوفاء والاعتراف.
لا أخفيكم، أن جامعتنا الموقرة، قد منحتني اليوم، مشكورة، فرصة
جميلة ودالة، لأقترب من أفق إنساني وفكري وإبداعي عربي رحب، وأنخرط في عالم
إنسان نادر، أعتز اليوم بصداقته وأستاذيته وبالتعرف عليه، بما يشهد به للدكتور عبد
الولي الشميري، من مواقف وحضور إنساني ووطني ومعرفي وأدبي وأكاديمي وسياسي وازن، وقد
سبقته سيرته العطرة، وموسوعيته، وتآليفه المتراكمة، إلى عديد من البلدان والمحافل
والمؤتمرات والجامعات والملتقيات العربية والدولية، كما شكلت كتاباته وتآليفه وأبحاثه
وإبداعاته، موضوع تلقيات وأبحاث وأطاريح ودراسات مختلفة، في هذا البلد أو ذاك...
لا أخفيكم أن زيارة الدكتور عبد الولي الشميري لمدينة فاس، ذكرتني بزيارة سابقة، قام بها الدكتور طه حسين لهذه المدينة نفسها، سنة 1958، وقد وجدتها زيارة لا تختلف كثيرا عن زيارة الدكتور عبد الولي الشميري، رغم المسافة الزمنية المهمة الفاصلة بين الزيارتين، سواء من حيث القيمة الفكرية والأدبية لهذين العلمين، أو على مستوى ما حظي به كل واحد منهمامن اهتمام وترحيب، داخل معلمتين جامعيتينرائدتين وكبيرتين بفاس (جامعة القرويين) و(جامعة سيدي محمد بن عبد الله).
فإذا كانت لقاءات الدكتور طه حسين ومحاضراته بفاس، قد شهدت حضور
ومساهمة أدباء وشعراء مغاربة، كالشاعر محمد الحلوي والأستاذ محمد الفاسي، وغيرهما
من رجالات الفكر والأدب في المغرب، فها هو الدكتور عبد الولي الشميري، اليوم، في
رحاب واحدة من أعرق الجامعات المغربية بعد "جامعة القرويين"، مرحبا
بسيادته بين ثلة من خيرة المفكرين والباحثين والأدباء.
وإذا كان عميد الأدب
العربي الدكتور طه حسين، هو من جاء إلى فاس محتفى به، فإن عميد الأدب المغربي،
الدكتور سيدي عباس الجراري، أطال الله في عمره، هومن قدم إلى فاس، مشكورا،
للاحتفاء بأخيه الدكتور عبد الولي الشميري.
وكما حضر شاعرالمغرب الكبير محمد الحلوي، إلى "جامعة
القرويين"، ليقدم تحيته الشعرية الشهيرة لطه حسين، تحضر بيننا اليوم خنساء
المغرب، الشاعرة الكبيرة أمينة المريني، بقصيدة مسك، وفاءلشاعرنا الكبير، في جامعة
سيدي محمد بن عبد الله. وتلك هي فاس، التي عودتنا جامعاتها، على مر التاريخ، على
استضافة النوابغ والشعراء والأعلام، من البلاد العربية، بحضور أمثالهم من النوابغ والشعراء
والأعلام المغاربة.
سيرة تعلم
هكذا، إذن، أجدني
أمام سيرة مختلفة لرجل مختلف، يحظى بوضع اعتباري استثنائي داخل بلده وخارجه، بما
يجعل منها "سيرة تعلم"، تستحق أن تدرس وتلقن، لتتخذهاالأجيال المتعاقبة قدوة
ومثلا أعلى، اعتبارا لثرائها وزخمها وفرادتها ونكهتها، في تعدد محطاتها وتشعبها،
على مستوى العمل الوطني والعسكري والسياسي والنيابي والمحلي والاجتماعي
والتربوي والصحي والأمني والأكاديمي والإداري والدبلوماسي، وغيرها من المحطات التي
ترعرع داخلها أديبنا الكبير، وعمل فيها، وانشغل بها، وناضل من أجلها، فكان له أثره
الخاص وبصماته المشهود له بها،داخل بلده اليمن وخارجه.
هذا الحضور المشرف، هو ما يجعل من سيرة الرجل درسا عميقا في حب
الوطن، والوفاء، والصبر، والإرادة، والالتزام، والإخلاص، والتفاني، والتضحية،
والعطاء، وهو ما يفسر طبيعة الاهتمام اللافت والمتواصل بسيرة الدكتور عبد الولي
الشميري، في أبعادها البيوغرافية والكتابية النادرة، وبتآليفه، في تعددها وتنوعها،
وتوزعها بين الإبداع الشعري والبحث التاريخي والسياسي والنقد الأدبي والتراجم
والسير والرحلات، عدا ما يشهد به لكاتبنا الكبير من جهود متضافرة في خدمة الثقافة
والإبداع، من خلال عديد من المؤسسات والمنتديات والجمعيات الثقافية، المنتشرة على
امتدد الوطن العربي وخارجه، وهو ما يجعل الثقافة العربية اليوم، على الأقل من خلال
المؤسستين الثقافيتين الرائدتين للدكتور عبد الولي الشميري، بكل من صنعاء "مؤسسة
الإبداع للثقافة والفنون والآداب"، والقاهرة، "منتدى المثقف
العربي"، وقد أصبحتا معا جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحركة الثقافية العربية، تبقى
مدينة له بأفضاله وإنجازاته، وبجهوده المضيئة في نشر الثقافة والعلم والتنوير،
والتحفيز على القراءة، وإشاعة المعرفة، وتشجيع الأدباء الشباب، بمثل ما يشهد له كذلك
بأدواره الدبلوماسية، على مستوى ربط جسور التواصل والأخوة، في أبعادها الإنسانية
والحضارية والثقافية والدبلوماسية، بين الشعبين اليمني والمغربي، وبين اليمن وغيره
من الأقطار العربية والأجنبية.
ولا غرابة في ذلك، فكاتبنا الكبير، يعرف بانشغاله المستميت بالقضايا
الوطنية والعربية والإسلامية، فهو الشاعر المسكون بالعروبة حتى النخاع، كما وصفته
الشاعرة الدكتورة لويزا بولبرس، في إطار احتفائي آخر جميل، فهي قضايا استغرقت إبداعاته
الشعرية ودراساته وأفكاره، في شكل ثيمات وأسئلة مهيمنة، نذكر منها ثيمات: الوطن
والعروبة والحياة والحب والحرب والفروسية والهوية والموت والوجود والمكان والمرأة
والغربة والحنين والحزن والمدينة والصحراء والطفولة، وغيرها.
ويحظى المغرب بنصيب وافر من المحبة والتقدير والإبداع، في وجدان
شاعرنا، وفي قصائده واهتماماته وحواراته، كما في تعابيره عن مشاعره الصادقة تجاه
بعض المدن المغربية، مبرزا عمقها الحضاري وجمالها وأصالتها، بقدر ما تحضر فلسطين
في كتاباته الإبداعية، وفي مقالاته ودراساته، من منطلق وفاء مشتهى لفلسطين، والتزام
ثابت بقضيتها، وحب لأرضها المغتصبة.
على هذا النحو، إذن، تتعدد المحطات المشرقة والمشرفة في سيرة كاتبنا
الكبير، بشكل يصعب معه، في مقام كهذا، لملمة جميع صورها، ما يجعل منها سيرة ذاتية
وثقافية وأدبية مختلفة، في تشظيها وامتدادها البيوغرافي، بدءا من محطة النشأة
والتكوين، وها هي تواصل اليوم امتدادها فينا بكل شموخ وعنفوان، وهو ما يدفعنا نحن إلى
التساؤل، بكل إعجاب وتقدير، كيف أسعف الوقت والجهد هذه الشخصية الفذة، أطال الله
في عمرها، لكي تباشر كل هذه المهام والوظائف والأعمال الإنسانية والوطنية
والأكاديمية والثقافية والسياسية والدبلوماسية والنضالية والاقتصادية والاجتماعية
والجمعوية والعسكرية والإعلامية والإبداعية والقيادية والعائلية والرحلية والرقمية،
وغيرها، في حيز زمني قياسي، وفي سياق عربي صعب، بشكل يجعلنا أمام سيرة مستعصية
وآسرة ومغايرة لما تعودنا على قراءته من سير الأعلام والنوابغ.
فلو
ارتأى الدكتور عبد الولي الشميري لملمة مختلف محطات سيرته الذاتية، لكلفه الأمر
وقتا طويلا ومجهودا ذهنيا وتذكريا كبيرا، ولجاءت في مجلدات، طافحة بالمحكيات
والمغامرات والأحداث والذكريات والنوستالجيا، ومفعمة بالحياة، وحاملة لرسائل عديدة،
في معنى الامتلاء، والالتزام، والمواجهة، والمثابرة، وفي معنى أن تكون منشغلا بهموم
عديد من القضايا الوطنية والقومية والمصيرية، ومدافعا عنها. ولا صعوبة في ذلك
بالنسبة لكاتب من طينة الدكتور عبد الولي الشميري، فهو، قبل هذا وبعده، يملك من
قدرات الكتابة، بيانا وسردا، ما يمكنه من أن ينشر فينا سيرة ذاتية مختلفة، فهو
الشاعر العربي الذي خبر "ديوان العرب" منذ نعومة أظفاره، وهو الراوي الذي
خبر "سير القدماء والمحدثين وتراجمهم"، حفظه الله ومتعه بموفور الصحة
والعافية وأطال في عمره، حتى يواصل مشروعه الإنساني والنضالي والفكري والأدبي، بما
يرضي الله ووطنه وأمته...
-----------------------
*القيت هذه الكلمة
في إطار الفاعلية التكريمية التى أقامتها جامعه سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس للدكتور
عبد الولي الشميري