إذا
كانت الخطوات الأولى للطفل إلى جانب روحه وحواسه هي المؤشرات الأولي نحو استقبال الحياة؛
فإن قدرته على السعي واكتساب المفاهيم ومهارات التعامل الإنساني لا تستقيم إلا بالمعرفة؛
ولا تتحصل المعرفة إلا بالعلم والتعلم والتجربة؛ ولا يكون ذلك مجموعا إلا بالقراءة؛
ذلك أن القراءة هي المعراج الذي يسمو به القارئ إلى سموات المعرفة والإدراك والمسؤولية،
ومن قبل تحقيق الحلم الذي من أجل تحقيقه خطوت أيها القارئ أولى خطواتك على دربه يوم
أن كنت طفلا؛ ومن بعد وجهت وجهك شطر محراب الحياة.
أيها القارئ،،
إذا
عزمت على أن تتعالى وتسمو عن كل ما يعرقل سعيك الدءوب نحو المعرفة والموسوعية؛ فضلا
عن ترسيخ الهوية في ذاتك، وما يمكن من شأنه أن يرسخ أصولها الثابتة من الثقافة العربية الأصيلة، والثقافات الفرعية ذات الصلة،
أو غيرها من الثقافات الأخرى التي شكلت حضارات الامم؛ فليس عليك إلا أن تمتطي صهوة
جوادك في مضمار المعرفة، وتنطلق في ركابها الراقي غير ملتفت إلى ما يعرقل مسيرتك المباركة.
وهنا ليس عليك إلا أن تعلن أنك قارئ، ثم تطمع أن تستوي، فإذا طمعت فلا يسعك إلا أن تجهر أنك تقرأ بالعربية.
نعم
بالعربية أقول؛ فإنه فضلا عن جمالها الآسر، وسحرها الأخاذ، وثرائها المطلق، ورونقها
المتجدد، واستقامة عودها، وجلال شموخها، وعظم شأنها، وسمو مكانتها.. يبقى فخرها السامي،
وبقاؤها الخالد أبدًا أن اختارها رب العالمين وعاء شريفًا لمعاني آيات الذكر الحكيم.
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ﴾
أيها القارئ،،
إن تمام إنسانيتك، ومبلغ ثقافتك، وجمال جوهرك لا
يكتمل إلا بأن تكون قارئا، وأن تنال حظًا وافرًا من معينها الممتد الراسخ المتجدد في
آن... ولا سبيل لك في كل أولئك إلا أن تكون قارئا! وإنك إذًا لذو حظ عظيم.
وإنه
ليس من نافلة القول أن أردد ما وسعتني الفرصة أن أحيي تلك الجهود المبذولة المثمرة
للدولة المصرية قبل ربع قرن أو يزيد؛ يوم أن تبنت مشروعا قوميا مبهرا زينت به أرفق
المكتبات في كل بيت، فكان (القراءة للجميع) مشروعها الأكبر؛ وكانت مصر يومئذ سباقة
في الإغراء بالقراءة. ومن أسف لست أدري سببا لتعطل هذا المشروع الأكبر في بناء الإنسان،
وإني لأطمع أن يعود بالكيفية نفسها التي بني عليها.
وها
هي دولة الإمارات العربية [برعاية مرموقة من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب
رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي] منذ مطلع الألفية الثالثة تنتهج نهجها في
استباق غيرها نحو المعرفة؛ فكان أن أعلنت مشروعها المعرفي الكبير (تحدي القراءة العربي)
في عام 2015؛ ورصدت ميزانية ضخمة لأولئك الذين يتسابقون من طلاب المدارس في شتى بقاع
المعمورة في مضمار هذا التحدي العظيم؛ وقد أضحى المشروع سبيلاً إلى خلق أجيال مثقفة
واعية، ونافذة معرفية لرفع الوعي بأهمية اللغة العربية، وإعادة إحياء القراءة لدى الطلاب
والأطفال، باعتبارها عادة وأسلوب حياة، لا هواية، أو مهارة صفية وحسب.
أقول:
إن
من يقرأ العربية، فضلا عمن يتحدث بها في ثوبها الأنيق يزداد جمالا إنسانيا يصعب تفسيره؛
لكنك تقف على ملامح ذلك الجمال حين يحدثك، أو يكتب لك، أو تعامله، أو حين تراه.