يرى
مؤلف كتاب "الاتيكيت... علم تهذيب السلوك"، الدكتور سامر العطري، أن رجل
المجتمع يشبه كلاً من رجل السياسة ورجل الدبلوماسية ورجل الإعلام، في مضمون عملية الحرص
على جمع أكبر عدد من الصداقات. فالكياسة والأناقة واللباقة ترتبط بجميع شؤون حياتنا،
وتؤثر فيها. فلا سياسة ناجحة بلا كياسة وأناقة ولباقة.
ولا
تجارة ناجحة وموفقة بلا كياسة ولباقة، ولا علاقات ناجحة بلا أدب رفيع وذوق سليم وتصرف
أنيق. والاتيكيت هو سلوك بالغ التهذيب أو احترام الذات واحترام الآخرين وحسن التعامل
معهم ، أو آداب في الخصال الحميدة أو السلوك المقبول اجتماعيا، وهو مفهوم راق ومحتوى
إنساني حضاري، فالحضارة ليست قصرا، ولا سيارة فارهة، ولا مجرد زينة في الوجه والملبس،
ولكنها ـ بالدرجة الأولى ـ التعامل الإنساني الراقي فيما يعرف بـآداب اللياقة.
ويوضح
الدكتور سامر العطري، في كتابه، ان الاتيكيت هو خلق اسلامي رفيع، قبل ان تنادي به الدول
الأوروبية، مستشهدا في هذا الصدد بعدة براهين، ولافتا الى ان المسلم الحق هو من يتبع
هدي النبي صلي الله عليه وسلم، ويعامل الناس كما يحب أن يعاملوه.
كما
يبين العطري، ان الإتيكيت دستور التعامل وفن التعايش يعمل مع الإنسان ومن أجله، فيرتبط
بدرجة الوعي ومستوى الثقافة ودرجة التأهيل، ويقوم على الذكاء والحس المرهف والذوق السليم،
ويعتمد على دقة الملاحظة وسرعة الخاطر والاستجابة الخلاقة. وعلى الرغم من أننا في الشرق
لدينا مورثات أخلاقية ودينية لا حصر لها في آداب السلوك.
إلا
أن مشكلة البعض منا في مجتمعاتنا العربية عموماً، المكابرة على الخطأ، والاعتقاد من
البعض، أنه يعلم كل شيء ولا يحتاج إلى أي تقويم أو مراجعة، أو حتى إعادة النظر في بعض
تصرفاته.أما البعض الآخر فنراه يرزح تحت مفهوم خاطئ تجاه علم تهذيب السلوك، إذ يظن
أن الإتيكيت ليس أكثر من فنتازيا سلوكية أو برستيج اجتماعي لفئات نخبوية مخملية. وفي
هذا الاعتقاد الكثير من اللغط المؤسس على الفهم الملتبس لهذا العالم الذي يتصل بشؤون
حياتنا كافة.
ويبين
المؤلف أن كلمة إتيكيت كلمة فرنسية تعني في أصلها اللغوي لصاقة أو بطاقة تلصق على طرد
أو زجاجة أو على منتج لتبين محتواها وصفاتها وخصائصها، ثم استعملت الكلمة ذاتها للدلالة
على بطاقات الدعوة إلى الحفلات والمناسبات التي كانت تقام في القصور الملكية في فرنسا،
وتتضمن التعليمات التي على المدعوين أن يتقيدوا بها.
أما
الشعوب الإنجلوسكسونية فقد استعملتها عنواناً لمجموعة الآداب الاجتماعية، أو آداب السلوك.
إن علوم الإتيكيت وفنونه، وإن نشأت من جذور أرستقراطية، توافقت فيما بعد مع التحول
الديمقراطي الذي صبغها بصبغة شعبية وأسبغ عليها طابعا تنظيميا.
ويؤكد
المؤلف انه ما من شك في أن العرب القدماء كانت لهم، في أيام ازدهار حضارتهم واتساع
سلطانهم، خلال حقبة طويلة من التاريخ، آداب وتقاليد يلتزمونها في حياتهم اليومية، ويتقيدون
بها في مجالسهم العامة ويعملون بوحي منها في حضرة الملوك والأمراء.
وعن
اعتنائه بفن الإتيكيت وقواعد السلوك الحضاري أو المدني في كتابه يقول العطري:
"إننا نتطلع إلى الإسهام في تربية الفرد وإثراء شخصيته وتنمية معارفه وتهذيب سلوكه
وتعزيز ثقته بنفسه، فالتهذيب هو زهرة الإنسانية وعلامة على المدنية والتمدن، ومعيار
من معايير الرقي والتقدم ودليل عملي على تفتح الروح الإنسانية في الفرد والجماعة، وتعلقهما
بقيم المحبة والتواصل، وقيم الحق والخير والجمال".
ومما
جاء في الكتاب أيضا: "راقب سلوك حياتك وتعاملك مع محيطك، فإذا كان أسلوبك يعتمد
على النظرة الإيجابية للحياة، وعلى التعامل مع المصاعب على أنها تحديات تزيد من قدرتك
وقوتك على مواجهة الحياة، لا على أنها مطبات توقفك عن التقدم، فهذا يعني أن أسلوبك
في الحياة يجلب لك السعادة".
وكذلك
يشرح العطري ضرورة تهذيب السلوك في العلاقات الاجتماعية التي هي من أهم مصادر السعادة.
فمظلة العلاقات الاجتماعية والإنسانية تحقق لنا شعوراً بالأمن والسعادة من خلال الدعم
النفسي والانفعالي (الثقة)، والاهتمامات المشتركة (التواصل).
فالثقة
تبعث على الاطمئنان والتواصل يبعث على السعادة-المجتمعات التي تنتج السعادة هي المجتمعات
التواصلية المفتوحة، فالتواصل والانفتاح هما ميزتا المجتمع الحديث، ويأتي الكتاب ليوضح
أهم مصادر الشعور بالرضا في العلاقات الاجتماعية المختلفة وهي كما نعرف جميعاً -الزوج
أو الزوجة، أحد الوالدين أو كلاهما، أصدقاء من الجنس نفسه، أخ أو أخت، صديق أو صديقة
من الجنس الآخر، رئيس في العمل، زميل عمل، جار.
كما
يشرح المؤلف كيفية الوصول إلى التواصل الأسمى ليتحقق عندها الشعور بالرضا والأمان والسعادة.
ويشدد العطري على أهمية هذا الفن-العلم في صناعة الإنسان، حيث وضع بعضاً من القواعد
والإرشادات علها تكون أطواق نجاة، وعوامل مساعدة في رحلة العمر تتطلب الصبر والاشتغال
الدائم على القلب والمظهر.. فحين نوفق في إنتاج الإنسان المتمدن، يقوى يقيننا بأن هذا
الإنسان سيبني جسور التواصل والتثاقف والحوار، لا بين أفراد المجتمع الواحد، بل بين
مجتمعنا والمجتمعات الأخرى.