في
عام 1960 أنشأ الشاب الأميركي اليهودي "برنارد مادوف" الشهير باسم
"برني مادوف" شركة "برنارد آل مادوف للاستثمار في الأوراق
المالية"، في شارع "وول ستريت" وهو مقر معظم المؤسسات المالية في
مدينة نيويورك، مستخدما مدخراته البالغة 500 دولار، وأخذ قرضا من والد زوجته، وبدأ
في بيع أسهم صغيرة خارج البورصة.
سرعان
ما أثبت مادوف وجوده داخل الساحة المالية في نيويورك، وأصبح بحلول السبعينيات أحد
الوسطاء الخمسة في نظام التداول ببورصة "ناسداك - NASDAQ"، وهي أكبر بورصة تعمل على أساس الشاشات الإلكترونية في الولايات
المتحدة الأميريكية مع نحو 3200 شركة مدرجة بها، ثم أصبح زعيما ماليا ناجحا في وول
ستريت، وأحد أبرز مستشاري الاستثمار، واسما لامعا في هيئة الأوراق المالية
والبورصات الأميريكة، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة بورصة ناسداك في أعوام 1990 و1991
و1993، وكان عضوا في اللجان الاستشارية للشركة السعودية للكهرباء.
هذا
ما ظهر في العلن، لكن في السر كان الرجل يدير عملية احتيال ضخمة، تُعرف باسم
"عمليات بونزي"، وهو نظام بيع احتيالي يحمل اسم "تشارلز
بونزي"، والذي اشتهر بعد القيام بعملية تزوير عقاري في ولاية كاليفورنيا على
أساس هذا المبدأ في آوائل القرن العشرين، وهي مشابهة لما نعرفه حاليا باسم النصب
عن طريق "توظيف الأموال. "
كان
مادوف يقوم باستخدام أموال المستثمرين من العملاء الجدد لدفع مستحقات المستثمرين
القدامى، واستطاع لأعوام أن يجذب عملاءه من خلال عوائد ثابتة تتحدى تقلبات السوق،
كما كان يرسل لعملائه وثائق مزيفة لصفقات لم ينفذها أبدًا، وبيانات بنكية مزيفة
أيضا لمكاسب كان من المفترض أن يحققها، لكنه لم يفعل.
في
منتصف التسعينيات بدأت الشكوك تحوك حول ثروة مادوف بعد تحقيق أجرته هيئة الأوراق
المالية والبورصة الأميريكية، وتم كشف سر الرجل المحتال إثر الأزمة المالية التي
حدثت عام 2008 في أميركا وازدياد عدد زبائنه المطالبين باستعادة أموالهم، فوجد
مادوف نفسه عاجزا وأقر لابنيه ثم لموظفيه أنه انتهى ولم يبق له شيء بعد أن خسر
خمسين مليار دولار، واعترف لهم بأن عمله كاستشاري مالي كان "كذبة
كبيرة"، ليقوم ابناه بالإبلاغ عنه للسلطات، وأُلقيَ القبض عليه في ديسمبر
2008.
قال
مادوف في إحدى جلسات محاكمته "اعتقدت عندما بدأت عملية الاحتيال أنني سأتمكن
من العدول عن ذلك بعد فترة، لكن ذلك أصبح مستحيلا رغم محاولاتي".
اُتهِمَ
مادوف بهندسة عملية احتيال قُدّرت خسائرها بنحو 68.8 مليار دولار، وأُدينَ في عدة
اتهامات منها الاحتيال وغسيل الأموال، وفي عام 2009، حُكِمَ عليه بالسجن 150 عاما،
واستردت الحكومة نحو 14.4 مليار دولار من الأموال المسروقة، أُعيدَ منها نحو 3
مليارات دولار إلى بعض الذين احتال عليهم.
ضحايا
مادوف يعدوا بالآلاف في كل أنحاء العالم، وتنوعوا بين مستثمرين صغار وكبار ورجال
أعمال وفنانين وكبار المؤسسات والبنوك في أميركا والعالم، من بينها فريق
"نيويورك ميتز" للبيسبول، وبنوك عديدة في بريطانيا وإسبانيا وسويسرا
وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى، منها بنك HSBC البريطاني والذي خسر
نحو مليار دولار في عملية الاحتيال.
انتحر
ثلاثة أشخاص على الأقل إثر تلك الفضيحة، الأول كان أحد كبار عملائه، والثاني كان
أحد كبار مساعديه والمتهم معه في القضية، وكان الثالث ابنه الأكبر الذي انتحر عام
2010، رغم أنه لم يُدان بأي تهمة من التهم التي وُجِهتْ لأبيه.
مات
برني مادوف يوم 14 إبريل 2021 في سجنه عن عمر 83 عاما، بعد أن قضى في السجن 12
عاما فقط من مدة سجنه المقررة بـ 150 عاما، واُعتبر أنه "أكبر مجرم مالي في
التاريخ".