اليزابيث
هولمز (Elizabeth Holmes) رائدة أعمال أمريكية شابة ولدت عام 1984 في واشنطن، وانحدرت من عائلة
غنية إلى حد ما، درست الكيمياء في جامعة "ستانفورد" العريقة، وكانت مهووسة
للغاية بعظماء التكنولوجيا مثل بيل جيتس وستيف جوبز، وكان حلمها أن تصعد إلى القمة
بسرعة مثل هذين الاثنين وغيرهما من رجال الأعمال الأغنياء المشهورين.
كانت
اليزابيث هولمز تمتلك فكرة جديدة وغريبة، عبارة عن أخذ كمية دم صغيرة جدا من المريض،
وومن خلالها يتم إجراء أكثر من 200 تحليل مرة واحدة، دون الحاجة إلى الذهاب إلى الطبيب
أو معمل التحليل عدة مرات، وعرضت هذه الفكرة على أساتذتها في الجامعة، لكنهم أجمعوا
على استحالة الفكرة وأنها غير ممكنة على الإطلاق.
لم
تيأس اليزابيث هولمز من كلام أساتذتها وقررت ان تستمر في طريقها لحعل فكرتها حقيقة،
فقامت بإنشاء شركة طبية سمتها "ثيرانوز"، وهي في عمر 19 عاما فقط باستخدام
أموالها الخاصة، وأعلنت عن اختراع يدعى "جهاز إديسون"، وهو عبارة عن صندوق
صغير يقوم المريض بوضع كمية دم صغيرة بداخله، ليقوم الجهاز بإعطاء المريض أكثر من
200 نتيجة لتحليل الدم، مثل صورة الدم ونسبة السكر والهرمونات وغيرها من التحاليل المعروفة.
احتاجت
اليزابيث إلى تمويل ضخم من أجل البدء في إنتاج كميات كبيرة من الجهاز، وبفضل علاقات
عائلتها المعروفة، استطاعت اقناع عدة رجال أعمال بالمشاركة في تمويل شركتها، واستطاعت
جمع أكثر من 6 مليون دولار في العام الأول.
بسبب
هوسها بستيف جوبز بالذات، كانت اليزابيث تقوم بتقليد كل الأمور التي كان يفعلعا لتقنع
رجال الأعمال أنها ناجحة، فكانت تعمل مثله طوال الأسبوع دون إجازات، وكانت ترتدي ملابس
شبيهة بالتي كان يرتديها، وكانت تتحرك نفس حركاته وتتحدث بنفس طريقة كلامه أمام وسائل
الإعلام، وكانت النتيجة انها بعد 10 أعوم استطاعت جمع ما يقدر بـ 10 مليار دولار، ودخلت
في شراكة مع سلسلة صيدليات لبناء الآلاف من مراكز الصحة، لتوفر قائمة كاملة بإختبارات
الدم مباشرة للمستهلكين بتكلفة تنافسية جدا مقارنة بما يقدمه المنافسون لشركتها، وأبرمت
اتفاقات مع مراكز طبية كبرى لاستخدام تكنولوجيا ثيرانوس.
ورغم
مرور كل تلك السنوات لم يكن الاختراع جاهزا كما وعدت اليزابيث، حيث أن الجهاز كان يقوم
بعمل 12 تحليلا فقط وليس 200 كما وعدت، وحتى الـ 12 تحليل لم يحظوا بالدقة المطلوبة
وكان بهم العديد من الأخطاء والعيوب.
حاولت
اليزابيث إخفاء فشل اختراعها المزعوم عن رجال الأعمال والإعلام والناس، حتى أنها كانت
تجعل موظفيها يقومون بكتابة إقرار على عدم البوح بأي شيء خارج الشركة، وكانت تتفق مع
المستثمرين على عدم التدخل في تفاصيل الاختراع بسبب سرية المشروع.
في
عام 2014 قامت اليزابيث هولمز بنشر تقارير كاذبة أن عملية تطوير الاختراع تسير بشكل
جيد، وفي عام 2015 قام الصحفي "جون كارييرو" بالتحري عن اليزابيث وعن اختراعها
المزعوم، ليكتشف أن الاختراع غير جاهز وأن اليزابيث تقوم بخداع المرضى ورجال الأعمال
الذين يستثمرون أموالهم في شركتها ووسائل الإعلام المختلفة التي تروج للاختراع.
قام
الصحفي بإبلاغ السلطات بما اكتشفه، والتي قامت بدورها بزيارة تفتيش مفاجئة للشركة بصحبة
بعض الخبراء العلميين والفنيينن، ليتم إثبات أن اليزابيث قامت بجمع تلك المليارات دون
وجه حق، وتم إغلاق الشركة في نفس العام وتقديم اليزابيث للمحاكمة في العام الذي تلاه.
في
عام 2018، وبعد التحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام الأمريكي في سان فرانسيسكو والذي
دام أكثر من عامين، وجهت هيئة محلفين كبرى فيدرالية إلى اليزابيث هولمز ومديرين كبار
في شركتها، 11 تهمة تتعلق بالاحتيال وخداع المستثمرين بمشروع وهمي وخداع ملايين المرضى بجهاز تشخيص وعلاج فاسد،
كما تم إجبارها على رد الأموال التي أخذتها من رجال الأعمال حول العالم، حتى أصبحت
في نهاية المطاف مفلسة تماما ومذنبة أمام القانون، وتواجه عقوبة بالسجن لمدة 20 عاما،
وما زالت حتى اليوم تحاول الإفلات من هذه العقوبة الموعودة.
العبرة
من القصة أن المظاهر كفيلة بخداع أي شخص بسهولة، لأن المجتمع أصبح يهتم بالصورة الخارجية
للشخص بدلا من التعرف على شخصيته الحقيقية، وأن الإعلام قادر على تلميع من يريد وإقناع
الناس به، و"أن الدوي على الودان أمر من السحر" وأن "ليس كل ما يلمع،
حتى لو كان يبرق".
د. هاني سليمان