انهض وبادر للقتل.. التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية
منذ
تأسيس إسرائيل وحتى عام 2000 قام جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بمئات من
عمليات الاغتيالات مستهدفاً شخصيات فلسطينية وعربية في مناطق مختلفة حول العالم.
في
عرضها للكتب تقدم صحيفة لوفيغارو الفرنسية قراءة في كتاب "انهض وبادر للقتل"
Rise and Kill First: The Secret History of Israel's Targeted Assassinations للصحفي الإسرائيلي رونن بيرغمان قالت إنه "متوازن"، ويكشف الكثير عن الأجهزة السرية لبلاده، واعتبرته درساً في التاريخ دون مواعظ أخلاقية.
وقال
مقدم العرض تشارلز جايغو إن بنية الرياضي المغرية وصبر الصحفي الاستقصائي ساعدا بيرغمان
المتخصص في مسائل الدفاع على جعل كبار رجال التجسس والجنرالات يتحدثون إليه لرسم معالم
110 سنوات من العمل السري باسم الحلم الصهيوني.
وأوضح
الكاتب أن هذا الكتاب -الذي خطط صاحبه لكتابته في سنة- استغرق تأليفه ستة أعوام أخرى،
عندما "أدركت سريعاً أنني أحتاج إلى مقابلات والتأكد من بعض الحقائق، مما استغرق
وقتاً طويلاً" كما يقول المؤلف.
ورغم
أن فتح أرشيف الموساد والشاباك كان مستحيلاً باعتبارهما من أسرار الدولة فإن مرور ستين
عاماً على إنشاء إسرائيل جعل قادة هذه الأجهزة جاهزين للخروج عن صمتهم، و"وافقوا
على التحدث معي لأنهم أرادوا أن يخبروا الناس بما فعلوه من أجل بلدهم"، وهكذا
جلس رؤساء الوزراء السابقون ووزراء الدفاع وكذلك رؤساء جميع الأجهزة ليتحدثوا عن الأخطاء
الجسيمة والنجاحات المكذوبة وتلك التي لا مراء فيها.
وقال
الكاتب إن المؤلف جمع مادة ثرية بدأت قناة "إتش بي أو" تعد مسلسلاً تلفزيونيا
منها بالتعاون مع بيرغمان الذي يقول إن "كثيراً مما كتب عن الموساد كان مجرد تخمين
لا يستند إلى مصادر حقيقية"، وانتقد الفيلم الذي يروي عملية ميونيخ عام 1972،
وقال إنه من البداية إلى النهاية "نسيج خيال يستند إلى كتاب زائف".
نازي
يساعد إسرائيل
ومن
الشائعات التي أكد الكتاب صحتها - وفقاً للصحيفة- أن ضابطاً نازياً سابقاً عاد في أوائل
الستينيات لخدمة إسرائيل بتحييد مشروع بناء الصواريخ المصري، وأن جنوداً خالفوا أوامر
أرييل شارون عندما أمرهم بإسقاط طائرة مليئة بالمدنيين كانت تقل الزعيم الفلسطيني الراحل
ياسر عرفات.
وقال
الكاتب إن المؤلف التقط التغييرات الجيوسياسية التي حدثت في الحقبة الزمنية التي يتعرض
لها، ويشرح كيف ارتاحت إسرائيل لخيار السلام المصري لتفاجأ بظهور إيران الخميني التي
صنعت حزب الله في لبنان، وعندما تم القضاء على قادة منظمة التحرير الفلسطينية فاجأتها
الانتفاضة، حيث اندلعت ثورة في الشارع لم تستطع الاستخبارات التنبؤ بقدومها.
وأشار
الكاتب إلى أنه من النادر أن تكون أجهزة الاستخبارات في قلب العملية السياسية لأي بلد،
إلا أن بن غوريون الذي اعتبر أنه لا يمتلك الوسائل العسكرية لشن حرب ضد الكثير من الأعداء
في نفس الوقت قد ألحق على الفور بالحكومة كياناً خارجاً عن السيطرة مكرساً بالكامل
للعمل "وراء خطوط العدو".
وفي
هذه المنطقة الرمادية -يقول الكاتب- كان كل شيء مباحا باستثناء ما يعرض تحالفات البلاد
للخطر، لأن اليقين بحرب لا نهاية لها قد بدأ مبكرا جدا بين الصهاينة.
صناعة
وطن
واستعرض
المؤلف كلمة للضابط وقتها موشي ديان عام 1950 أثناء تأبين جندي قتله الفدائيون، حيث
قال "لا تلقوا باللوم على القتلة، فكيف نستغرب كراهيتهم لنا ونحن صنعنا أمام أعينهم
وطناً من الأرض التي عاش عليها أسلافهم وعاشوا هم أنفسهم عليها ذات يوم؟".
وأضاف
ديان "نحن جيل المستعمرات، وبدون خوذة من الصلب وماسورة البندقية لن نتمكن من
زرع شجرة، إن ملايين اليهود الذين قضوا بسبب عدم وجود بلد لهم يراقبوننا من رماد التاريخ
اليهودي ويأمروننا بالاستقرار، هذا قدر جيلنا".
وقد
استطاع الكتاب -حسب جايغو- أن يصف باقتدار مجتمع الاستخبارات الذي تتقاذفه لحظات الشعور
بالنجاح ولحظات الخوف من "محرقة" ثانية يتوقعها دائما، تماما كالحالة المزاجية
للسكان التي تتأرجح بين الثقة المفرطة إلى درجة الإزعاج وجنون العظمة.
فشل
إستراتيجي
وذكر
الكتاب أن إسرائيل حققت العديد من العمليات الناجحة، خاصة بعد حرب عام 1967 التي كان
فيها النصر كاملاً واحتلت فيها الأراضي التي يسكنها مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين.
بعد
هذه الحرب، يقتبس بيرغمان من التقرير السري لرئيس مخابرات الجيش الإسرائيلي الذي يقول
"يجب أن نتجنب التفاخر وندعو إلى مفاوضات فورية، مع اقتراح الانسحاب من الأراضي
المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة)، لنحصل في المقابل على الاعتراف بإسرائيل واتفاق
سلام نهائي".
وينقل
المؤلف عن رئيس الوزراء السابق إيهود باراك أسفه "لوهم القوة المطلقة" الذي
جعلهم يضيعون هذه الفرصة"، ويذكر أنه " لم يكن لأحد في إسرائيل عام 1967
أن يدرك أن احتلال أراضي العدو سيؤدي إلى مخاطر جسيمة".
وبعد
عشرين عاماً أثبتت الانتفاضة الأولى التي خرجت من الشوارع الفقيرة لمائير داغان -الذي
حكم الموساد قرابة عقد من الزمن- أن لا شيء يمكن أن يتغير بشكل مستدام دون تسوية سياسية.
وقد
شجب داغان سياسة الاستيطان التي خلقت بحكم الواقع دولة ثنائية القومية وبالتالي
"دولة عنصرية"، وأدرك من الاغتيالات المستهدفة أن الموساد لا يستطيع أن يفعل
كل شيء، حسب الكتاب.
ويختتم
المؤلف كتابه بقول هذا الضابط إن "تاريخ جهاز المخابرات حلقة من سلسلة طويلة من
النجاحات التكتيكية المثيرة للإعجاب، ولكن أيضاً من الإخفاقات الاستراتيجية الكارثية،
لأنه لا يوجد حل دائم إلا الحل السياسي والدبلوماسي".
المصدر:
مجلة فكر