وصف المدون

مجتمع بوست مدونة اجتماعيه توعوية إخبارية تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها شتى الموضوعات التى تهم الأسرة والمجتمع العربي,أخبار,ثقافة,اتيكيت,كتب,علوم وتكنولوجيا,مال وأعمال,طب,بيئة

إعلان الرئيسية


مهاتير محمد.. بائع الفطائر الذي صنع نهضة الأمة الماليزية


مهاتير محمد.. "بائع الفطائر" الذي صنع نهضة الأمة الماليزية



لا يختلف اثنان في العالم الآن على أن الزعيم الماليزي المسلم مهاتير محمد دخل التاريخ من أوسع أبوابه، فقد انتشل الرجل بلاده من هوة الفقر والجهل والمرض في قاع آسيا إلى قمة العالم، لتلتحق بمصاف دول "النمور الآسيوية" اقتصاديا وتكنولوجيا، وحوّلها من بيوت الطين إلى فاعل أساسي له مكانته في السوق العالمي.

كانت ماليزيا قبل "مهاتير" بلدا فقيرا يعيش أغلب سكانه في الغابات ويعملون بالزراعة ويعاني ما يزيد عن نصف سكانه من شظف العيش تحت خط الفقر، كما كانت تتحكم فيه الصراعات الطائفية بين 18 ديانة جعلها الفقر والجهل مثار صراع مستمر.

تبوأت ماليزيا في عهده ذرى لم تصل إليها دولة إسلامية أخرى في العالم، حتى اقترب نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي إلى 10 آلاف دولار سنويا، كما حقق الرجل السلام الداخلي بين أتباع هذه الديانات من خلال سياسات إنتاجية وتنموية، ونجح في عقد صفقة تاريخية بين أرجاء النخب الماليزية للعيش في سلام.

بائع الفطائر الصغير

وُلد مهاتير محمد اسكندر في 20 يونيو 1925م بأحد الأحياء الفقيرة في مدينة "ألور سيتار" الماليزية، وكان الابن الأصغر من 9 أبناء لأب يعمل معلم مدرسة وأم ربة منزل، ووالده هو محمد إسكندر، من أصول هندية، هاجر جده من ولاية "خير الله" الهندية إلى ماليزيا.


والتحق "مهاتير" بالمدرسة الأولية "الابتدائية" خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء الاحتلال الياباني لماليزيا، مارس مهنة "بائع فطائر موز" لتوفير الدخل لأسرته كبيرة العدد.

والتحق مهاتير بالمدرسة الإعدادية ثم الثانوية، وواصل بعد تخرجه منها تعليمه في كلية السلطان عبد الحميد في "ألور سيتار"، ثم التحق مهاتير بعد ذلك بكلية "الملك إدوارد السابع للطب" في دولة سنغافورة المجاورة، حيث حرر مجلة طبية طلابية، كما ساهم أيضا في تحرير صحيفة "ستريتس تايمز" باسم مستعار، وكان رئيساً لجمعية الطلبة المسلمين في الكلية. (1)

وبعد تخرجه في الكلية عام 1953، خدم مهاتير في الحكومة الماليزية الاتحادية كضابط خدمات طبية، وتزوج عام 1956 من السيدة "ستى حازمة محمد علي" وهي طبيبة وزميلة سابقة له في الكلية، ثم ترك الخدمة الحكومية في عام 1957 ليمارس عمله الخاص في "ألور سيتار". (2)

وفي عام 1970 كتب الدكتور مهاتير محمد كتابا بعنوان "معضلة المالايو" انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمه بـ"الكسل"، فقرر الحزب الحاكم في ماليزيا منع الكتاب من التداول نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها، وأصبح مهاتير في نظر قادة الحزب مجرد "شاب متمرد" لابد ان تحظر مؤلفاته.

وفي 7 مارس 1972، انضم مهاتير إلى حزب "المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة"، وفي العام التالي عُيّن كسناتور، لكنه تخلى عن منصب السيناتور عام 1974،  من أجل خوض الانتخابات العامة، حيث أعيد انتخابه بالتزكية في دائرة "كوبانج باسو"، وعيّن وزيرًا للتعليم في عام 1975، وأصبح واحدا من النواب الثلاثة لرئيس الحزب. وفي 15 سبتمبر 1978، عينه رئيس الوزراء حسين أون نائبًا لرئيس الوزراء، ثم عينه وزيرًا للتجارة والصناعة في تعديل وزاري. (3)

وأصبح مهاتير رئيسًا لوزراء ماليزيا في 16 يوليو 1981، وكان أول رئيس وزراء في البلاد ينتمي لأسرة فقيرة، حيث كان رؤساء الوزارات الثلاثة السابقين من عائلات النخبة في البلاد. وقضى مهاتير 22 عامًا في المنصب.

وأتُيحت له الفرصة كاملة ليحول أفكاره الى واقع، أصبحت ماليزيا من خلاله أحد أنجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي، وتحولت من دولة زراعية تعتمد على انتاج وتصدير المواد الاولية، خاصة القصدير والمطاط، الى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من اجمالي الصادرات، وتنتج البلاد 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية.

من "الصفر" إلى القمة

ولكن، كيف حقق مهاتير نهضة بلاده؟ وصعد بها من "الصفر" إلى القمة؟ لقد رسم الرجل، بكل دأب وإصرار، خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج التي يجب الوصول إليها خلال ١٠ أعوام. وقرر أن يكون التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس الأجندة، وبالتالي خصص أكبر قسم من ميزانية الدولة لتدريب تأهيل الحرفيين، كما أرسل عشرات الآلاف من الشباب كمبعوثين للدراسة في أفضل الجامعات الأجنبية. (4)

ومن أكبر مظاهر نجاح الأداء الاقتصادي لماليزيا في فترة حكم مهاتير، التوسع الذي حدث في استثمارات القطاع الصناعي، حيث أنشأ أكثر من 15 ألف مشروع صناعي، بإجمالي رأس مال وصل إلى 220 مليار دولار، وشكلت المشروعات الأجنبية حوالي 54% من هذه المشاريع، بما يوضح مدى الاطمئنان الذي يحمله المستثمر الأجنبي للوضع في ماليزيا آنذاك.

وفي قطاع النشاط المالي، فتح "مهاتير" الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية لبناء أعلى برجين توأم في العالم تحت اسم "بتروناس"، يضمان 65 مركزاً تجارياً في العاصمة كوالالمبور وحدها، وأنشأ البورصة التي وصل حجم تعاملها اليومي إلى ألفي مليون دولار يومياً.

وكانت التسعينيات من القرن الماضي مرحلة نضج الثمرة، حيث وُضعت ماليزيا في قائمة الدول المتقدمة؛ ففي مجال التعليم، وتوافقًا مع ثورة عصر التقنية، قامت الحكومة الماليزية في عام 1996 بوضع خطة تقنية شاملة، من أهم أهدافها إدخال الحاسب الآلي والارتباط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة، بل في كل فصل دراسي. (5)

وبالفعل بلغت نسبة المدارس المربوطة بشبكة الإنترنت في ديسمبر 1999م أكثر من 90%، وبلغت هذه النسبة في الفصول الدراسية 45%، كما أنشأت حكومة مهاتير عددا من "المدارس الذكية" التي تتوفر فيها مواد دراسية تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة، وذلك من خلال مواد متخصصة عن أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات الاتصال، ونظم استخدام الطاقة التي لا تحدث تلوثًا بالبيئة.

وفي قطاع السياحة،  قرر أن يكون المستهدف في عشر سنوات هو ٢٠ مليار دولار بدلاً من ٩٠٠ مليون دولار عام 1981 ، لتصل الآن إلى ٣٣ مليار دولار سنوياً. ولكي يحقق ذلك، حّول المعسكرات اليابانية التي كانت موجودة من أيام الحرب العالمية الثانية إلى مناطق سياحية تشمل جميع أنواع الأنشطة الترفيهية والمدن الرياضية والمراكز الثقافية والفنية، لتصبح ماليزيا مركزاً عالمياً للسباقات الدولية فى السيارات، والخيول، والألعاب المائية، والعلاج الطبيعي.

وأنشأ مهاتير أكبر جامعة إسلامية على وجه الأرض، أصبحت ضمن أهم 500 جامعة على مستوى العالم، كما أنشأ عاصمة إدارية جديدة تحت اسم "بورتوجايا" بجانب العاصمة التجارية "كوالالمبور" التي يقطنها الآن أقل من ٢ مليون نسمة، ولكنه خطط أن تستوعب المدينة ٧ ملايين عام ٢٠٢٠، ولهذا أنشأ مطارين وعشرات الطرق السريعة تسهيلاً للسائحين، والمقيمين، والمستثمرين، الذين أتوا من الصين، والهند والخليج ومن كل بقاع الأرض.

وبعد أن شعر مهاتير محمد أنه قد انتهى من أداء رسالته على الوجه الأكمل، أعلن استقالته من جميع من مناصبه الحزبية في قراره التاريخي أعلنه على الناس في 31 أكتوبر 2003، وعند تقاعده ، حصل مهاتير على لقب "تون"، وهو أعلى تكريم لشخصية مدنية في ماليزيا.

ولم يكن ما قام به مهاتير بالحدث العابر؛ فهو أطول زعماء شرق آسيا المنتخبين حكمًا، واسمه ارتبط بالحكم في ماليزيا محليًّا ودوليًّا، ومن ثَم أثارت استقالته جدلاً كبيرًا، وظل الكثيرين لفترة غير مصدقين معتقدين أنها "مناورة سياسية"!

وعن اعتزاله العمل السياسي، قال "مهاتير": "لقد وجدت أنني مكثت فترة طويلة في الحكم وأن الناس أرادوا أن أتنحى، وربما ظنوا أنني أتقدم في السن وكان عليّ أن أفسح المجال أمام قيادة جديدة، كما ترددت في ذهني عبارة كانت تقولها لي أمي، عبارة تطلب عدم إطالة مدة الزيارة حتى وإن كنت محل ترحيب، لأن الناس سيستاؤون منك لو أطلت، إذن 22 سنة كانت أكثر من كافية وفيها تمكنت من تحقيق كل ما أردت مع أنه كان مازال هناك الكثير للعمل عليه وشعرت أن عليّ أن أتنحى لأفسح المجال لمن يأتي بعدي". (6)

لقد نجح الرجل نجاحا غير مسبوق لأنه ركز على ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية في المجتمعات والشعوب وهى الفقر والبطالة والجوع والجهل، لأن الانشغال بالأيديولوجيا ومحاولة الهيمنة على المجتمع وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه لن يقود المجتمعات إلى إلا مزيد من الاحتقان والتنازع، فالناس مع الجوع والفقر لا يمكنك أن تطلب منهم بناء الوعى ونشر الثقافة.

وفي أحد حواراته الصحافية قال "نحن في ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات وقعنا في حرب أهلية ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمع؛ فخلال هذه الاضطرابات والقلاقل لم نستطع أن نضع لبنة فوق اختها فالتنمية في المجتمعات لا تتم إلا إذا حل الأمن والسلام، فكان لازمًا علينا الدخول في حوار مفتوح مع كل المكونات الوطنية دون استثناء لأحد والاتفاق على تقديم تنازلات متبادلة من قبل الجميع لكى نتمكن من توطين الاستقرار والتنمية في البلد، وتحركنا قدما في تحويل ماليزيا إلى بلد صناعي كبير قادر على المنافسة في السوق العالمية بفضل التعايش والتسامح".

وأضاف الرجل: "إننا نحن المسلمين صرفنا أوقاتا وجهودًا كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية لا طائل من ورائها".

ومن أقوال مهاتير الشهيرة "إن الأمة الإسلامية مازالت تعيش في ثبات عميق وينبغي أن نعترف لأنفسنا قبل غيرنا بأن المجتمعات الأخرى قد سبقتنا ببضعة قرون، ومن ثم فإن المسلمين مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يدركوا حقيقة الوضع الذي هم فيه في ضوء ما استحدثته المجتمعات البشرية المتطورة من أفكار تجديدية، وتقنيات حديثة ما زالت الأمة غير مهيأة لاستيعابها وعاجزة تماما عن التعامل معها".

ومازالت خطة مهاتير محمد الاقتصادية هي المنهج الذي تسير عليه بلاده، كما أنه مازال يواظب على الذهاب إلى مكتبه، في مبنى القادة السابقين في مدينة "بوتراجايا"، للقيام بدوره الذي يضمن دوام الاستفادة من خبراته، كما أنه يذهب أيضاً إلى مكتبه في "مؤسسة البخاري" لتقديم مشورته، أما المكتب الثالث الذي يداوم فيه، فهو مكتبه في 'البرجين التوأمين' الأعلى من نوعهما في قارة آسيا، اللذين شُيدا في عهده ليصبحا مظهر فخر ورمزاً لماليزيا.







تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. نموذج يجب ان يحتذى من81 الى2003 اى 22 عاما وصنع ما لا لم يصنعه غيره فى ثلاثون عاما.

    ردحذف
  2. شخصية وسيرة يجب ان تدرس فى المناهج الدراسية

    ردحذف

Back to top button