مجتمع بوست | "إنَّ من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم".. النخلة.. رمز الشموخ والتحدي
النخلة جزء
غالٍ وعزيز لا يتجزأ من تراثنا العربي الخالد, ورمز للشموخ والتحدى والعزة
والكرم... حيث قال عنها الشاعر.
كن كالنخيل عن
الأحقاد مرتفعا
يرمى بحجر
فيلقى أطيب الثمر
وهي عربية
أصيلة , تكثر زراعتها وانتشارها في مختلف الأقطار العربية. وللعرب عشق شديد لها
وولع كبير بها.. عن عبدالله بن عمر رضي
الله عنهما قال: "بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلَّم جلوس، إذا أُتِيَ
بِجُمَّارِ نَخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من الشجر لَمَا بركته
كبركة المسلم))، فظننت أنَّه يعني النخلة، فأردت أنْ أقولَ: هي النخلة يا رسول الله،
ثُمَّ التفتُّ فإذا أنا عاشرُ عشرة، أنا أحْدَثُهم فسكت، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: ((هي النخلة))"؛ رواه البخاري (5444)، ومسلم (2811).
وعن على رضي
الله عنه أنه قال: إن أول شجرة استقرت على الأرض النخلة فهي عمتكم أخت أبيكم.
ورد ذكر النخلة
فى القرآن لفظاً ثمانى عشرة مرة، وهى الشجرة المباركة التى تعدل عند الله كلمة
التوحيد "ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها
فى السماء" إبراهيم 24".
يقول أبو حاتم
سهل بن محمد السجستانى: الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله" سيدة الكلام
كذلك النخلة سيدة الشجر.
وللنخلة نفس
القداسة فى سائر الأديان والحضارات القديمة فقد زين النبي سليمان هيكله بصور
النخيل، ويعتقد كثير من المفسرين أن شجرة المعرفة الواردة فى سفر التكوين من العهد
القديم هى النخلة وفى العهد الجديد نقرأ: "وفى اليوم التالي عرف الجمهور
الكبير الذي جاء إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم فحملوا سعف النخيل وخرجوا
لاستقباله هاتفين".
وهذا هو أصل
الاحتفال بأحد السعف الذي يقيمه نصارى مصر حتى الآن كرمز للحياة المتجددة.
تظل قداسة
النخلة قوية في الذاكرة الشعبية , يقول المستشرق بلاتر: "يقدس" المسلمون
النخيل حتى يعتقدوا أنه لا ينمو في غير بلاد الإسلام , وهذا الاعتقاد يمنع الفلاح
المصري من غرس نخلة على غير وضوء .
وقدس بدو
الجزيرة النخلة وأعتبر المصريون القدماء النخلة شجرة الفردوس والجنة وكانت من أهم
الأشجار التي ازدانت بها حدائقهم، وقد ذكر النخيل فى نقوش الأسرة الخامسة وكثر
تمثيله على جدران مقابر الدولة الحديثة وخصوصاً مقابر الجرفة ومعبد الدير البحري
بطيبة.
والنخلة سيدة
الشجر فى اللغة أيضاً، فقد جاء فى المنجد: "النخل مفرده نخلة، قيل أنه مشتق
من انتقاء الشئ واختياره، والنخيلة هى النصيحة الخالصة، يقال (لا يقبل الله إلا
نخائل القلوب) أي النيات الخالصة، ونخل الشئ صفاه واختاره.
ورغم أن النخلة
الأولى خلقت مع أبينا أدم إلا أن أولاده ألهاهم التكاثر، تكاثرهم هم، عن الإكثار
من النخل حتى بلغ سكان العالم اليوم خمسة مليارات نفس فى مقابل تسعين مليون نخلة
تقريباً، وفى مصر سبعة ملايين نخلة تقابل 77 مليون من الأنفس.
وكما أن النخلة
سيدة الشجر فثمارها سيد الثمار، يقول تعالى: "فيهما فاكهة ونخل ورمان"،
ويعلق أبو حاتم السجستانى صاحب كتاب النخيل يقول: (إنما أفردهما الله لتفضيلهما
كما فضل جبريل وميكائيل على سائر الملائكة عندما أفردهما بعد جمع فى قوله "قل
من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال.. إلى آخر الآية 98 من سورة البقرة.
وحدث أبو قتيبة
أن قيصر ملك الروم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد فإن رسلي خبرتني
أن قبلكم شجرة تخرج مثل آذان الفيلة ثم تنشق عن مثل الدر الأبيض ثم تخضر فتكون
كقطع الزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت، ثم تنضج فتكون كأطيب الفالوذج أكل ثم
تينع وتيبس فتكون قوتاً للحاضر وزاداً للمسافر، فإن تكن رسلي صدقتني فإنها من شجر
الجنة".
فكتب إليه عمر:
بسم الله الرحمن الرحيم.. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم،
السلام على من أتبع الهدى ، أما بعد فإن رسلك صدقتك وانها الشجرة التى أنبتها الله
عز وجل على مريم حين نفست بعيسى، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله.
وقد أُثر عن
الخليفة هارون الرشيد قوله: نظرنا فإذا كل ذهب وفضة على وجه الأرض لا تبلغان ثمن
نخل البصرة.
وحين ابتنى
المعتصم مدينه الشهيرة "سامراء" لم يفته العناية بإنشاء الحدائق
والبساتين الغناء، وإيصال المياه إليها.
وذكر اليعقوبى
فى سياق كلامه على تاريخ سامراء: أن المعتصم أنشأ هناك العمارات والبساتين
والأجنة، وقد حفر الأنهار من دجلة وصير إلى كل قائد عمارة وحمل النخل من بغداد
والبصرة وسائر السواد وحملت الغروس من الجزيرة والشام والجبل وسائر البلدان، فكثرت
المياه فى هذه العمارة وصلح النخل وثبتت الأشجار.
وكذلك فقد كان
فى عصر الخليفة المقتدر بركة رآها رسول ملك الروم وحول هذه البركة بستان بميادين
فيه نخل قيل إن عدده أربعمائة نخلة وطول كل واحدة خمسة أذرع قد لبس جميعها ساجا
منقوشاً من أصلها وجميع النخل حامل بغرائب البسر الذى أكثره خلال لم يتغير وفى
جوانب البستان أثرج حامل وغير ذلك.
اختلاف الأنواع
وتختلف أنواع
النخيل من بلد إلي بلد وتتعدد أصنافه في الوطن العربي ويؤكد د. أحمد كامل حجازي
أستاذ علم النباتات بعلوم القاهرة ذلك قائلاً: إن نظرة بسيطة إلى النخل الموجود
يعرف منه أن أجناسه مختلفة ولكن هذا ليس عاماً وإنما يظهر الفرق فى الثمرة أكثر
وأوضح، و إلا فالبعض متماثل أو متقارب والبعض الآخر لا يشبه غيره.ومن هذه الأصناف
أو الأنواع نجد ( الحلاوي, الخضراوي , البرحى, السكري, القصبة, دجلة نور ,
الحياني, الشراس, الإخلاص, أرزيز, الساير, أم البياض,أم الأصابع,
الشلبي,أمهات,زغلول, الذهدي, الحفناوي, المكتوم.. وسواهم).
يستطرد د. حجازي : وليس فقط للنخلة أصناف متعددة
من الثمر إنما لديها أنواع متعددة من الجنس العائلي التي تنتمي إليه، فشجرة نخيل
الثمر من أهم نباتات العائلة النخلية وهى من الجنس الذي يتميز بورقة ريشية ذات
خواص منطبقة طوليا إلى أعلى وبذور "نوى" بها شق جانبى يشمل الجنس حوالي
أحد عشر نوعاً وهى:
-نخيل السكر
ويوجد فى ماليزيا ويبلغ ارتفاع النخلة 12 متراً، كما يتراوح عدد أورقها بين 20 و28
ورقة.
-نخيل جوز
الهند وكانت بداية ظهوره فى ماليزيا أيضاً، ثم انتقل من هناك إلى كل المناطق
الساحلية الاستوائية فى العالم ويبلغ ارتفاع النخلة 30 متراً.
-نخيل الكرنب:
ويوجد فى الجنوب الشرقي للولايات المتحدة وهو من النوع غير المثمر ولكنه يزرع
لأغراض الظل والزينة.
- النخيل
الملكي: ويوجد فى جنوب الولايات المتحدة والمناطق الاستوائية هناك يبلغ ارتفاع
النخلة ثلاثين مرتاً والجذع ناعم ذو لون رمادي فاتح وهو للزينة.
- نخيل إفريقيا
ويمتاز بكثرة جذوعه.
- نخيل مدغشقر
ويستخدم كأشجار للزينة فى المنازل ويبلغ ارتفاع النخلة 10 أمتار أما طول الورقة
فتبلغ 60 سنتيمترا.
- نخيل
الأرجنتين: ويوجد فى الجنوب الشرقي للولايات المتحدة ويسمى نخيل الفضة لأن الجزء
الأسفل من ورقة ذو لون فضي.
- نخيل تدمر:
ويوجد فى آسيا الاستوائية ويبلغ ارتفاع 20 متراً.
- نخيل كوهون،
ويوجد فى أمريكا الوسطي، ويبلغ ارتفاع النخلة 18 متراً ويوجد منها أيضاً فى أمريكا
الجنوبية.
- نخيل قرطبة،
ويوجد بالمناطق الاستوائية بأمريكا الجنوبية ويبلغ طول النخلة عشرة أمتار وتتميز
بجذورها الغليظة عند القاعدة.
- نخيل كالبيج:
ويوجد فى جزيرة سيشل وجزر المحيط الهندي ويسمى النخيل المزدوج الجذع ويبلغ ارتفاع
النخلة 30 متراً.
نخيل التمر
يضيف د. كامل
حجازي : أما نخيل التمر فهو يحوز على مكانة عالية سواء كانت غذائية أو اقتصادية في
العالم العربي وكذلك يحث الدين الحنيف على زراعته، فالنخلة فى القرآن الكريم لها
مكانتهاـ يقول الله تعالى "ونزولنا من السماء ماء مباركاً فأنبتانا به جنات
وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد".
والحديث الشريف
أيضاً يخص النخلة إذ يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام "مثل المؤمن مثل
النخلة ما أخذت منها من شئ نفعك".
وذكر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة
أحاديث عن البلح الرطب وهي: " لوعلم الله أن شيئاً للنفساء خير من الرطب لأمر
مريم بها" .وقال :" ليس للنفساء خير من الرطب والتمر". وقال
:" ليس للنفساء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل " .
ويري الدكتور محمد سليمان أستاذ علم النبات
بجامعة حلوان :أن الخليج العربي هو موطن النخيل الأصلي والدليل على ذلك ما قاله
العالم الإيطالي "بكارى" والذي يعتبر من أكثر العلماء الذين درسوا
العائلة النخلية: إن جنس نخيل التمر لا ينتعش نموه إلا فى المناطق شبه الاستوائية
حيث تندر الأمطار ويقاوم الملوحة إلى حد بعيد، ولا تتوفر هذه الصفات إلا فى
المنطقة الكائنة غرب الهند، وجنوب إيران أو فى الساحل الغربي للخليج العربي.
ويضيف العالم
الإيطالي أن جزيرة "هرقل" الواقعة على الخليج العربي فى البحرين قد تكون
هى الموطن الأصلي الذي نشأت فيه شجرة النخيل ومنها انتقلت إلى البلدان الأخرى.
يضيف د.
سليمان:إن أعجب ما يلاحظ على زراعة النخيل أن لنموها وأثمارها علاقة بمكان غرسها،
فقد تبين أن النخيل التبرى الذي يغرس خارج المنطقة الواقعة بين خطى عرض 30-34
شمالاً لا يثمر على الإطلاق كما هو الحال فى نخيل الفاتيكان وأسبانيا والأناضول
وحتى النخيل الموجود فى شمال العراق، وإن حدث وأثمر تأتى التمور جافة.
وشجرة النخيل
تعد من أقدم الأشجار التى عرفتها الجزيرة العربية وبلاد الرافدين ويقدر عمرها بـ
"4000 سنة وهى من أقدم ما زرعه الإنسان ففي مصر الفرعونية عثر على سقف مقبرة
فى سقارة من النخيل يرجع عهدها إلى الأسرة الثانية، وقد عرف المصريين البلح كدواء
حيث استخدموا مسحوق ثماره في تجهيز بعض أنواع العقاقير .
أما نخيل الروم فكان موجوداً فى مصر ما قبل
الأسرات إذ عثر على بذوره فى مقابر البدارى.
يستطرد. سليمان : ومنذ أكثر من ثلاثة آلاف عام
قبل المسيح توصل سكان بلاد ما بين النهرين بعد جهود كبيرة إلى أقلمة النخيل ومن ثم
إلى تحضير أرض الدلتا الجدباء وجعلها صالحة للزراعة إذ إنه فى مثل ذلك الإقليم
كانت أشجار النخيل تلعب دوراً هاماً كالدور الذي تلعبه حالياً فى واحات الصحراء
الكبرى أو فى الواحات المصرية وغيرها، ويتلخص هذا الدور بحماية النباتات التى تنمو
فى ظلها والحد من الجفاف والجدب وزيادة هطول الندى الليلي مما يساعد على خلق
الجنائن والحدائق.
صناعات متنوعة
يقول د. محمد سليمان: تدخل النخلة فى صناعات
كثيرة مثل صناعة عسل التمر، أو ما يسمى بعصير التمر والمشروبات الغنية بالسكريات،
كالدبس والسكر السائل وإنتاج الجلوكوز والفركتوز من التمور، وصناعة الخميرة ,
وصناعة خيوط الريون, وصناعات حفظ البلح والمربى والحلوى ويصنع أيضاً من النخيل
الخل أو حامض الخليك والزيوت والعديد من المعجنات والحلويات، وبعض المواد
الكيماوية مثل البنسلين، والعديد من المضادات الحيوية، ويصنع منها الخشب المضغوط
وورق للكتابة والطباعة، والماء المعطر، ومادة الفورفورال وهى تستخدم فى تصفية
الزيوت النباتية والحيوانية، وتصفية الزيوت المستخلصة من النفط، ولقد دلت التجارب
العلمية التى أجريت على التمر بأنه مصدر لدواء جديد يدعى "ديوستولنس"
وهو يماثل دواء "كورتيزون" وهذا الدواء مهم جداً لعلاج الروماتيزم
وأمراض العيون.
ومن عادات بعض
الشعوب العربية تقديم البلح أو التمر عند استقبال وتكريم الضيف.
ومن عادات
أهالي واحة سيوة بصحراء مصر الغربية عند الاحتفال بمقدم ضيف عزيز أن يقوم المضيف
بذبح نخلة له واخذ البرعم الطرفى من قلب النخلة ( الجمار) وتقديمه لهذا الضيف.
ومن ذلك الجمار
يستخرجون مشروباً يسمى ( اللجي ) وهو مشروب مفضل عندهم.
ومن الطريف أن
هذا المشروب إذا شرب في الصباح فهو مشروب طيب, أما إذا ترك للظهيرة بعد توهج الشمس
فإنه يتخمر ويتحول إلي مشروب مُسكر.
يستطرد :ويصنع من النخل علف للحيوانات، ففي بحث
تطبيقي أجراه عالمان عربيان توصلا إلى نتيجة مفادها صلاحية سعف النخيل كعلف
للأبقار الحلوب، وأن استخدام وريقات سعف النخيل يساعد على المحافظة على كمية إنتاج
الحليب وشبها الدهن والبروتين كعنصرين غذائيين مهمين صحياً واقتصادياً، بالإضافة
إلى إيجاد بديل رخيص الثمن كعلف لحل جزء من مشاكل التغذية للحيوانات المجترة.
ثقافة البيع
والشراء
نخلة.. للغراب
ونخلة .. للتراب ونخلة .. للعجافى
تقال هذه
العبارات الثلاث، فى إطار التقاليد المتبعة فى بعض قرى صعيد مصر، عند الاتفاق على
شراء محصول حقول النخيل من التمر، حيث يقصد بها إضافة ثلاث نخلات فوق العدد المتفق
عليه بين التاجر وصاحب الحقل.
فخلال الفترة
التى تمتد بين لحظة عقد الاتفاق بينهما، والتى تكون غالبا – والبلح لا يزال غضاً
لم ينضج بعد، إلى أن يكتمل نضجه ويحين موعد جمعه، لابد أن تتعرض بعض ثمرات النخيل
–موضع الاتفاق- للفقدان، سواء كان ذلك بسبب التقاط الطيور له وخاصة الغربان التى
تعيش عادة فى أعالي النخيل، أو بسبب سقوط عدد من الثمرات على الأرض نتيجة للعوامل
الطبيعية كالرياح مثلاً، أو يكون قد أسقطها الطبية عمداً عن طريق قذفها بالحصى،
ويطلق على من يقوم بهذا الفعل "العجاطى".
تتبع هذه
الطريقة، إذا كان الاتفاق على الشراء والبلح فوق أُمة النخلة، وهى طريقة بطبيعة
الحال تعتمد على المجازفة أو كما يقولون "بالبركة".
فإذا كان
الشراء بعد جنى المحصول، ففى هذه الحالة إما أن يكون بالعرجون بما يحمله، أو يكون
بطريق الكيل والوزن بالمكاييل والموازين المعتادة كالكيلة أو القنطار أو الكيلو،
بعد أن يفرط البلح عن عراجينه، وقد يكون أيضاً بالكمية "الشروة" أو
"العد"، وفيه يتفق البائع والشارى على عدد معين من البلحات يتكون منه
"العد" فقد يكون العدد 5 بلحات أو 4 مثلاً.
وفى واحات مصر
يعتمد الأهالى فى بيع وشراء البلح على مكاييل خاصة معروفة لديهم ومتوارثة منذ
القدم هى الصاع والمرجونة، وكلاهما يقوم الأهالى بصنعه من جريد وسعف النخيل، ثم
يقوم أحد المختصين من الأهالى أيضاً ويطلقون عليه ختام المكاييل –بمراجعة سعة كل
منهما، وذلك بمعايرتها بنموذج معتمد لديه، فإذا وجده مطابقاً له، يثبت عليه ختما
من الرصاص محفور عليه رقم وتاريخ اليوم والسنة.
ومن الجدير
بالذكر أن مكيال الصاع يعادل 2.5 كليو تقريباً أما المرجونة فتساوى 5 صيعات.
وإذا كانت
أنواع البلح فى القرى والمدن تعرض للبيع فى الحقول أو فى الأسواق والشوادر ليختار
منها تجار الجملة ما يشاءون، ففى الواحات المصرية، يتم عرض البلح فى
"المسطاح".
والمسطاح عبارة
عن مساحة متسعة، ترتفع قليلاً عن سطح الأرض تجنباً للرطوبة، وهى مقسمة إلى عدة
أقسام بعدد عائلات الواحة، ويسمى كل قسم "مارس".
وبالإضافة
لوظيفة المسطاح كسوق دائم لعرض منتجات النخيل، فإنه أيضاً يستخدم كمخزن لحفظ كميات
البلح التى تحتاجها العائلة طوال العام.
ويتولى حراسة
المسطاح الذى يكون غالباً فى مدخل الواحدة، حارساً يقوم أيضاً نيابة عن الأهالى،
بالتفاوض مع التجار الغرباء الذين يقصدون الواحة لشراء البلح، ونظير قيامه بهذه
الأعمال يدفع له كل منهم أجراً يتقاضاه بلحاً فى معظم الأحيان.
ولأن النخلة من
الأشجار طويلة العمر التى تبقى فى الأرض وتعمر وتورث لأجيال طويلة، فقد يرى البعض
أن يحتكر الجيدة.
وفى هذه الحالة
فهى إما أن تباع هى ذاتها بكل ما عليها –ويستمر استغلال الشاري لها إلى أن تقطع أو
تموت فيسقط حقه فيها، أو تباع له الأرض التى تنبت فيها، مضافاً لها مساحة محددة
حولها، فإذا ماتت أو قطعت يصبح من حقه زراعة أخرى مكانها.
وهذا هو المتبع
عند أهالى العريش، وهم فى الحالة الأولى يقولون إنها بيعت "عرش وفرش"
وقد صار هذا التعبير مثلاً يرادف نظيره (الجمل بما حمل).
وكان هو معروف
فإن للنخيل محصولات ثانوية مثل الجذوع والقحوف والليف والنوى والسباط والجريد
والسعف، وجميعها يستفاد به فى كافة نواحى الحياة، ومن ثم فإن كل من هذه الأنواع
تباع وتشترى إما بالكيل أو الواحدة أو الوزن.. حسب ما يقوم الإتفاق عليه، وطبقاً
للتقاليد المتبعة فى كل منطقة.
وفى قديم
الزمان، عندما كانت التجارة قائمة على أساس تبادل السلع، كان أهالى الواحات
الأولون يكبسون البلح فى زنابيل، وهى عبوات على شكل مثلث تصنع من خوض النخيل، تتسع
الواحدة منها لصاع.. ويسمونها فى سيوة "تيقوداسات" وفى الواحات البحرية
تسمى "العجول". وكانت هذه الزنابيل الصغيرة هى قروشهم التى يبتاعون بها
كل شئ.
وقد أستمر هذا
التقليد سارياً بعد ذلك لدى أهالى الواحات وخاصة فى فترات جمع محصول البلح، عندما
كانوا جميعاً رجالاً ونساءً يخرجون إلى الحقول يقيمون بها، وطوال فترة إقامتهم
التى يسمونها فترة "التغريب" فإنهم لا يتعاملون إلا بالبلح، إذ كانوا
يشترون به حاجاتهم المعيشية من خبز وشاى وسكر إلخ.
بل لقد استمر
التعامل به كبديل للعملة إلى وقتنا هذا، حيث نجد الملاك يدفعون منه أجور بعض أرباب
المهن المختلفة مثل الحلاق والوزان.. وكذلك الفلاح الذى يتولى رعاية النخيل
وسقايتها وتوبيرها بالإضافة لحارس المسطاح كما سبق أن ذكرنا.